الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سد السلام في كوريا الجنوبية والسيل الذي لن يأتي أبداً

سد السلام في كوريا الجنوبية والسيل الذي لن يأتي أبداً
4 سبتمبر 2007 22:38
في ،1986 وبينما كانت كوريا الجنوبية منهمكة في التحضير والاستعداد لأولمبياد 1988 في سيئول -أكبر حدث دولي تستضيفه في تاريخها- بدأ الجنود الكوريون الشماليون في بناء سد ضخــم غير بعيـــد عن المنطقـــة المنزوعة السلاح التي تفصل بين الكوريتين· وبينمــا كان الكوريون الجنوبيون مستغرقين في التفكير بشــأن نوايا جيرانهم الشيوعيين، دفع الديكتاتور العسكري لكوريا الجنوبية ''تشانغ دو هوان'' وقتذاك بتفسير مثير للقلق والخوف في البلاد: سيل عارم قاتـــل يأتي على كل ما في طريقه· وهكذا، عرضت الشبكات التلفزيونية الكورية الجنوبية تصورات عدد من الفنانين لسيول عاتية تنهمر من السد الكوري الشمالي، تغمر معظم سيئول الواقعة جنوب مجرى النهر على بعد نحو 120 ميلاً عن السد، مع تأثير يشبه في قوته وتداعياته تأثير قنبلة نووية خلال الألعاب الأولمبية، وعلى هذه الخلفية، قررت كوريا الجنوبية إنشاء سد خاص بها، انضم حتى الأطفال إلى حملة جمع التبرعات من أجل بناء سد يقي البلاد من التهديد· اليوم، ينتصب ''سد السلام'' -الذي بدأت أشغال بنائه في 1987- وتوقفت في منتصفها في إطار مخطط غير حكيم زمن الحرب الباردة، قبل أن تُستأنف وتنتهي في 2005- هنا في ''هواتشون'' بارتفاع 410 أقدام، وعرض 1970 قدماً· اللافت أنه لا يوجد خزان، ذلك أن وظيفة السد الوحيدة تقتصر على احتواء سيل ممكن قد يأتي، عرضاً أو قصداً، من سد ''إيمنام'' في الشمال· ويقول لي تاي إيك، وهو مسؤول في ''تعاونية الموارد المائية الكورية''، التي تتولى الصيانة والإشراف على السد الكوري الجنوبي: ''على غرار الكوريتين، فإن السدين شقيقان توأم''، مضيفاً ''إن سد السلام بمثابة طفل لا مفر منه بالنسبة لهذا البلد المقسم''· يشكل سد السلام -كلفته 429 مليون دولار- نموذجاً للأوضاع السياسية السائدة في شبه الجزيرة المقسمة، ويذكِّر حائطه بالتحدي الذي سيواجهه الرئيس الكوري الجنوبي ''رو مو هيان'' خلال اجتماعه المرتقب على مدى ثلاثة أيام مع نظيره الشمالي في الثاني من أكتوبر إلى الرابع منه في العاصمة الكورية الشمالية ''بيونج يانج''؛ حيث يعتزم ''رو'' حث زعيم كوريا الشمالية ''كيم جونج إيل'' خفض أجواء التوتر وانعدام الثقة على طول الحدود المشتركة التي تبلغ 150 ميلاً، مقابل حوافز اقتصادية· على بعد بضعة أميال إلى الشمال الغربي من سد السلام، توجد طريق معبدة تلتف حول الجبل، وتمر بمركز عسكري، هناك يلوح مركز حدودي تابع للجيش الكوري الجنوبي فوق مرتفع يلفه الضباب، ويعد جزءاً من قوة عسكرية تقارب مليوني رجل على جانبي الحدود، مستعدين لاستئناف الحرب التي تم تعليقها بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار في ·1953 عندما توقفت الحرب، وافق الجانبان على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعرض ميلين ونصف الميل؛ غير أن المنطقة المنزوعة السلاح في المركز العسكري الحدودي المشار إليه لا تمثل سوى خُمس ما اتفق عليه، نتيجة تقدم الجيشين التدريجي على مر السنين للحصول على موقع أفضل للرؤية والمراقبة· ويقول النقيب ''وون سونغ هو'': ''إذا اقترب العدو بخمسين متراً من الخط الحدودي داخل المنطقة المنزوعة السلاح، فإننا نقوم بتحذيره ثلاث مرات''، مضيفاً ''وعندما يصل العدو إلى الخط الحدودي، نطلق طلقاتٍ تحذيريةً· وعندما يتجاوز العدو الخط، فلدينا ترخيص بقتله''· ترتفع درجات الحرارة في المنطقة المعنية إلى 36 درجة في الصيف، وتنخفض إلى درجة واحدة في فصل الشتاء· وخلال فترة الإجازة، يلعب الجنود ما يشبه كرة القدم بواسطة كرة مربوطة بخيط، وذلك -مثلما يشرح النقيب ''وون''- حتى لا يضطروا لدخول حقل الألغام لاسترجاعها· واللافت أنه حتى على هذه المناطق الحدودية حيث يبدو الزمن متوقفاً، توجد مظاهر كثيرة تدلل على شساعة البون بين الجانبين بعد عقود من اتباع أيديولوجيات وسياسات مختلفة؛ إذ تتوفر مساكن الجند في الجنوب على الصحون اللاقطة، وأجهزة الكراوكي، وأماكن الاستحمام· وفي الليل، تبدو الأضواء متلألئة في الجانب الجنوبي من الحدود، خلافاً للجزء الشمالي في كوريا الشمالية المفتقرة إلى الطاقة، والذي يظل غارقاً في ظلام دامس· بعد اللقاء الأول بين الكوريتين عام ،2000 أعلن الرئيس الكوري الجنوبي وقتها ''كيم دي جانج'' أنه ''لن تكون ثمة حرب بعد اليوم'' في كوريا، مؤسساً بذلك لجو غير مسبوق للمصالحة· ولكن بعد عامين من ذلك، وخلال استضافة البلاد لمباريات كأس العالم لكرة القدم التي اشتركت في تنظيمها مع اليابان، دخل سلاحا البحرية التابعان للبلدين في مناوشات حول الحدود البحرية الغربية المتنازع عليها· غير أنه وبعد أن سارعت كوريا الجنوبية إلى استكمال المرحلة الأولى من سد السلام وفق البرنامج المحدد استعداداً لأولمبياد ،1988 سرعان ما اتضح أنها أساءت تقدير نوايا ''الشمال''، ذلك أن ما كان يسميه البعض بالهجوم المائي لم يحدث أبداً؛ إذ استعمل الشمال السد لتوجيه المياه إلى مصنع لإنتاج الطاقة على ضفته الشرقية· ومن جهة أخرى، خلص محققون حكوميون في 1993 إلى أن الرئيس ''تشانج'' بالغ بشأن التهديد الذي يمثله السد قصد إسكات الاستياء السياسي في الداخل، وهكذا، بات سد السلام رمزاً لهيستريا الحرب الباردة· في مطلع ،2002 وقبل أشهرٍ على فعاليات كأس العالم في كرة القدم، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية شقوقاً وتصدعاتٍ في السد الكوري الشمالي· وفي هذا السياق، يقول ''تشوي'' المسؤول في ''هواتشون'': ''كان أمراً مرعباً عندما انهمر سيل عارم من المياه الموحلة وقطع الجليد فجأة من الشمال''· وعلى الرغم من أن كوريا الشمالية قامت بترميم سدها؛ إلا أن جارتها الجنوبية استأنفت أشغال بناء سدها الخاص وأكملته في ·2005 ويقول شريط فيديو دعائي بمتحف تابع لسد السلام'': ''حينما يستتب السلام أخيراً بكوريا، فإن سد السلام سيؤدي وظيفته كأي سد عادي، وإلى أن يحدث ذلك، ينتصب سد السلام هنا، متكبداً عبء الانقسام الوطني في صمت''· مراسل نيويورك تايمز في هواتشون، كوريا الجنوبية ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©