الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صورة تذكارية للراتب الشهري!

5 سبتمبر 2007 23:35
كلما شاهدت أحداً من الناس وهو يمسك بيديه جريدة ليتصفحها، لا أتذكر سوى أغرب عبارة قرأتها في حياتي، تتلخص في الفكرة التالية: إن كمية المعلومات التي تضمها أية صحيفة واحدة يقرأها الإنسان المعاصر هذه الأيام، تعادل مجموع كل المعلومات التي كان يتلقاها إنسان القرن السابع عشر طوال حياته! ولهذا ينصحنا بعض الخبراء بعدم الشعور بالذنب إذا ما قمنا برمي الكثير من المجلات والنشرات والمطبوعات الإعلانية التي تغزو مكاتبنا وبيوتنا في سلة المهملات، وكذلك هو الحال مع حذفنا لعشرات الرسائل التي نتلقاها في بريدنا الالكتروني كل يوم، والسبب حسب وجهة نظر الخبراء هو أن تلك المعلومات تفيض عن حاجتنا الفعلية بشكل لا يقبل الجدل· وإذا كانت العبارة السابقة قد أثارت في نفسي الدهشة عندما قرأتها أول مرة، فإنني لا أستطيع أن أولد في داخلي ما يكفي من الدهشة لكثرة الصور التي نتعرض لها يوميا، سواء أكانت فوتوغرافية أو تلفزيونية أو إعلانية متحركة في اللافتات الضخمة لشوارعنا الحديثة، فعلى الرغم من أن اختراع الصورة الفوتوغرافية لا يتجاوز عمره مئتي عام بالكاد، إلا أنها الاختراع الأكثر غزوا للناس في عموم الكوكب والتاريخ البشري برمته· لقد ولدت الصورة كوعاء وثائقي بحت، كان يهدف لحفظ ذاكرة الناس عبر تجميد اللحظة الحياتية وتثبيت حركتها في الزمن، عبر مرآة الورق المطبوع غير محدود الطبعات أو النسخ في بادئ الأمر، ثم مرآة شريط السينما لاحقا، لتتحول الصورة بعدها سريعا مع انتشار الكاميرا في الأيدي الغنية المقتدرة إلى أيقونة فنية ورمز ثقافي نخبوي، ولكنها ما لبثت أن تحولت منذ مطلع الستينات إلى أكثر الأشياء عادية وشيوعا بين الناس، حتى وصلنا إلى هذا اليوم الرقمي الذي انتشرت فيه الكاميرات الرقمية فزاحمت وظائف أجهزة الحاسوب والهواتف الثابتة والمحمولة وحتى الساعات والأقلام، ولن أستغرب إذا ما اشتريت في المستقبل القريب نظارة شمسية مزودة بكاميرا لتصوير الأماكن التي أتمشى فيها أو الأشخاص المميزين الذين أصادفهم على الطريق!· لكن لماذا تغزونا الصور بهذه الأعداد المليونية الهائلة كل يوم؟ وهل يمكن تفاديها أو التخلص منها؟ وهل يمكن أن تكون الحياة مقبولة من دون التصاقها بنا؟ والجواب الأقرب حتما لا، لأنها السلاح الأقوى للقصف الإعلاني الذي ينهال بلا رحمة على لهاث عيوننا وعقولنا من كل حدب وصوب، ولأنها الوجه الآخر لزمن السلعة التي صارت تطاردنا ولا تهدأ إلا عندما تستقر في بيوتنا، بعد أن تفرغ آخر قطعة نقود في جيوبنا، إلى الحد الذي بتنا فيه بأمسّ الحاجة لالتقاط صورة تذكارية مع مرتبنا أول كل شهر، قبل أن يقول لنا وداعا خلال ساعات معدودة!· العنوان البريدي: alhalwaji@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©