الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كيف ينظر الغرب المعاصر إلى الرقابة بوصفها نمطاً ثقافياً؟

كيف ينظر الغرب المعاصر إلى الرقابة بوصفها نمطاً ثقافياً؟
8 سبتمبر 2007 00:28
مفهوم الرقابة مشوش في عالمنا العربي لأنه مرتبط بمفهوم آخر داخل ثقافتنا هو مفهوم ''العقاب''· وللفيلسوف الفرنسي الكبير ميشيل فوكو كتاب في هذا الصدد ذلك هو ''المراقبة والمعاقبة''· وإذا أردنا أن نقارن بين الرقابة في المجتمع الفرنسي والمجتمع العربي مثلاً، فإن المفهوم نفسه سيتغير ويتخذ أسماء شتى لأن الثقافة الفرنسية تختلف تماماً عن الثقافة العربية· المجتمع الفرنسي باختصار شديد مجتمع غربي يؤمن بالتعدُّدية الثقافية التي تسمح بتعدد الأديان واللغات والعادات والتقاليد ويكون الفرد فيه ذا خصوصية شديدة· أما المجتمع العربي فهو نقيض كامل للمجتمعات الغربية؛ فالدين واحد وهو الإسلام، واللغة واحدة وهي العربية· يستطيع المواطن الفرنسي أن يغير دينه من المسيحية إلى الإسلام مثلاً من دون أن يفكِّر بنوع معين من الرقابة أو العقاب· يرتبط مفهوم الرقابة في مجتمعاتنا العربية بالتابوات الثلاثة المعروفة؛ الدين والسياسة والجنس· ويسهر على ترسيخ هذه التابوات كل من المجتمع والدولة والفرد· والمحصلة من كل ذلك هو ثقافة مغلقة تساهم عقبات كثيرة بجعلها ثقافة عاطلة مثل تخلُّف النظم السياسية وهيمنة الحزب الواحد أو الطبقة أو الإيديولوجية المهيمنة، تخلُّف التعليم وانتشار الأمية، التخلف الاقتصادي وانتشار الفقر، الحروب والكوارث الطبيعية· هذه الأسباب تفرخ بدورها رقابات كثيرة تحوِّل الفرد إلى رقيب من نوع آخر هو الرقيب السلبي أو الرقيب المعاق نفسياً، وبالتالي فإن كل نشاط مهما كان نوعه ومهما كان تقليدياً سيتحوَّل إلى عبء وينبغي أن يمرّ بمراجعات كثيرة قبل الشروع به أو إنجازه· بطبيعة الحال تساهم الدولة بتغذية هذه الرقابات وجعلها عنصراً من عناصر الضغط على المجتمع والفرد على السواء من أجل ديمومتها وديمومة سياساتها، وبقاء المجتمع· على هذه الشاكلة تتحوَّل الرقابة إلى نمط ثقافي وخيار اجتماعي وطريقة في التربية سواء في البيت أو المدرسة أو الشارع· وبالتالي ستنشأ الرقابة الذاتية القسرية التي تحد من انطلاق المواهب والخبرات الشخصية ذات الطبيعة الابتكارية لان الفرد لا يجرؤ على التجريب أو المغامرة خارج محيطه الاجتماعي المغلق· يعتقد بعض الناس أن ثورة الاتصالات ستلغي بشكل تلقائي عملية الرقابة ولكن هذا التصوُّر خاطئ، لأن الدولة، أي دولة في العالم، تخضع وسائل الاتصال إلى رقابة سرية صارمة · يمكن لهذه الدول مراقبة البريد الالكتروني لأي شخص بوسائلها الخاصة إذا شعرت أن هذا الشخص يشكِّل خطراً على أمنها القومي أو خطراً على سياساتها الداخلية أو الخارجية· وبالتالي فلا معنى للحديث عن اختفاء الرقابة، وكل ما في الأمر يعتمد على طبيعة السياسات التي تقترحها الدولة في إشاعة حرية استخدام هذا النوع من الاتصالات أو عدمه، توسيعه أو تضييقه· وما عدا ذلك لا يشكِّل عبئاً على الدولة· يشكِّل الجَّسد في ثقافتنا العربية مشكلة معقدة لا يود أي شخص الخوض فيها باعتبارها منطقة محرمة على صعد كثيرة ابتداءً من التسمية وانتهاءً بالمعرفة التي نمتلكها عنه فهو عورة في اللغة وشيء كريه ينبغي أن يختفي خلف حجب كثيرة· وهو خطر قد يصيب المجتمع بالجنون لذلك ينبغي أن يتوارى عن الأنظار وتحجب أي معرفة تتناوله· وفي المناهج المدرسية توجد نبذة أو شذرة بسيطة عنه غالباً ما تهمل ويتجاهلها المدرِّسون ولا تقدم عنها أسئلة في الامتحانات بحيث يتحول هذا الجَّسد بالنسبة للطالب المراهق الذي يشعر بجسده وهو يتغيَّر إلى خطر مبهم ومشكلة عصية على الفهم أو الحل· ببساطة شديدة الإنسان العربي يكره جسده الذي يعيش فيه لأنه لا يفهمه ولا يفهم التغيرات التي تطرأ عليه بين فترة وأخرى، كما لا يفهم وظائف هذا الجَّسد الذي يحمله· هذه الرقابة تحوَّلت إلى عقاب شديد وعقدة نفسية تحوَّلت بدورها إلى بنية عميقة لا يمكن تفكيكها بسهولة بفعل التراكم· الكثير من الناس يعتقدون أن الغرب يعيش من دون رقابة وأن الشرور التي تنهال عليهم من هذا الغرب سببها هذا التسيُّب الرَّقابي· هذه الفكرة ليست صحيحة· نحن لدينا فكرة خاطئة عن الغرب الذي لم نره ولم نجاوره وليس لدينا الاستعداد لمحاورته بسبب الماضي الاستعماري للغرب ومواقفه السياسية من قضايانا المصيرية· ولأننا نجهل الثقافة الغربية ومفهوم العولمة والحداثة نعتقد أن الغرب يعيش بلا رقابة· على العكس من ذلك فإن الغرب يعيش برقابة صارمة ولكننا لا نفرق بين الرقابة والحرية، بين الرقابة والقانون ومقياسنا الوحيد للحكم على الغرب هو الحرية الجنسية التي يتمتَّع بها المواطن الغربي· لدينا مثال بسيط عن الرقابة في مجال التربية والتعليم؛ فإذا تغيَّب الطفل عن المدرسة لمدة ساعة واحدة فقط تقوم إدارة المدرسة بالاتصال بعائلة الطفل لمعرفة سبب عدم قدوم الطفل إلى المدرسة، وإذا تكرَّر ذلك فإن المدرسة تشكل لجنة لدراسة هذه الحالة· إذا ثبت أن عائلة ما تعامل طفلها بعنف وتعتدي عليه بالضرب فإن الدولة تحرم هذه العائلة من طفلها لغرض حمايته وتوفير مكان مناسب لتربيته· الملاحظ هنا، أن هذه الرقابة وجدت لحماية المجتمع وليس لقمعه كما يحدث عندنا وهي موجودة لتطبيق القانون الذي يكفل حق الجميع· أما عن الرقابة في الصحافة فهناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، فهناك فرق بين أن تنشر مقالاً تدين به سياسة رئيس الوزراء الخارجية مدعماً بتحليل يستند إلى وقائع ومعطيات وبين خبر يتعلَّق بفضيحة جنسية مبنية على شكوك غير مؤكَّدة· قلنا في البداية إن مفهوم الرقابة عندنا مشوَّش وغائم لأنه نابع من قيمنا الثقافية والاجتماعية العربية، مؤسسات وأفراد، ثقافتنا التي تختلف بشكل يكاد أن يكون كاملاً عن الثقافة الغربية التي يبدو مفهوم الرقابة فيها واضح الحدود لأنها مبنية على قانون ومبادئ تستجيب لقيم الحرية والتحضر وتطوُّر المجتمع وتعدُّده الثقافي والسياسي· إن مفهوم الرقابة عندنا ينطلق من مبدأ التحريم بينما في الغرب ينطلق من مبدأ الحماية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©