الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الشاعر والأسطورة.. ثنائية المنتج والنص

الشاعر والأسطورة.. ثنائية المنتج والنص
8 سبتمبر 2007 00:55
إن مفهوم الشاعر والشعر في العصر الحديث قد اتخذ أبعادا أعمق حتى أننا نتساءل أحيانا: أصانع أساطير هو؟ أم ان الأسطورة هي من تصنعه؟ أم ان كلا منهما يصنع الآخر؟ وهذه الأسئلة تقودنا إلى معرفة ماهية الأسطورة بنيويا، حيث يقول رولان بارت عن الأسطورة: إنها عبارة عن كلام (أسطوريات ص 247)، ولكن ليس كأي كلام ولكي تؤسطر الكلام فهنالك شروط يضعها بارت لذلك حيث يقول: (إن اللغة تتمنع في البداية أمام الأسطورة ولكنها تنهار بعد حين لدرجة (····) بعد أن تمارس الأسطورة سطوتها)، وكأن بارت يقول لنا إن اللغة تبدي مقاومة عنيفة لتكون كلاما فالكلام عند سوسير هو غير اللغة وهو من إحدى الثنائيات العديدة التي جاء بها حيث يمثل قسيماً ثانياً لثنائية (كلام - لغة) والكلام يمثل حضورا لغياب كما يمثل الدال الصوتي حضورا ممتلئا لغياب المدلول، وهو بقوله يكرس مقولة سوسير بوجود الاختلاف ما بين اللغة والكلام، بل ان الاختلاف هذا يكون في أحد أوجهه متمظهرا من خلال الأسطورة، ولكن كيف يحدث ذلك؟ أنواع القراء تفترض الأسطورة بالمعنى البارتي وجود عدة أنواع من القراء: فإما أن يكون قارئا مستهلكا، ويتقبلها كما هي بدون رمز أو معنى، ولكن هناك قارئاً آخر ينظر إليها بوصفها شكلا أو دالا فارغا وهذا ما يفعله منتج الأسطورة أو صانعها، أما قراءتها بوصفها معنى ومحاولة التعرف على التحريف الذي أصاب المعنى الممتلئ فهو النوع الثالث من القراء وهي قراءة يمارسها عالم الأساطير)، وتتكئ رؤية بارت للأسطورة على المفهوم السوسيري للعلامة، وكما هو معروف فإن الاعتباطية هي التي تميز العلاقة بين الدال الصوتي والمدلول، إلا أن الأسطورة عند بارت بوصفها معنى تحيل إلى امتلاء وهذا وجه أول من تصرفها، ولكنها وهي تسطو على المعنى تعطيه شكلا فارغاً وهذا الوجه الثاني لتبدّيها (أسطوريات ص 268)· وهذا يعني أن الأسطورة تتفاعل مع الحدث وتفرضه بوصفه حقيقة منتهية ولكن مع شيء من التحريف لأن ذلك من صلب وظيفتها، ويقود ذلك إلى عدم الاعتباطية بين دال الأسطورة بوصفه شكلا فارغا ومدلولها (مفهوم الأسطورة)، وهذا التوصل عرض بارت إلى بعض الانتقادات، حيث اتهمـــــه جورج مونان بأنه لا يعرف ما نظرية العلامة عند سوسير (الموقف الأدبي-عدد 9-1997)، إن بارت يرى وجود منظومتين سيميولوجيتين في الأسطورة، الأولى هي (لغة - موضوع) والثانية هي (لغة على لغة)، وهو يطلق مصطلح (شكل) على دال الأسطورة، ويطلق مصطلح (مفهوم) على مدلولها، كذلك يطلق تسمية (دلالة) على حدها الثالث وهو ما يقابل مصطلح العلامة في المنظومة اللسانية، والعلاقة التي تربط مفهوم الأسطورة بالمعنى (الشكل) فهي علاقة تحريف كما أنها ليست عشوائية تماما، إلا أنها معللة جزئيا دائما، وتتضمن حتما شيئاً من القياس· الشعر الحديث والسؤال المطروح هو: هل يمكن أسطرة الشعر الحديث؟ أي تحويله إلى كلام أو إلى شكل فارغ يحيل إلى مفهوم، حيث يقول بارت هنا: (إن الشعر الحديث لا يمكن أسطرته، لأنه منظومة ارتدادية، حيث يحاول العثور على دلالة تحتية، أي حالة ما قبل السيميولوجيا للغة، وهو يجهد نفسه لتحويل العلامة إلى معنى وذلك لأنه يبحث عن معنى الأشياء نفسها، ولذا يصاب اللسان بالتشوش والعشوائية)، إن الشاعر يحاول تطويع اللغة وغلقها على ما هو وجودي وذاتي وأحيانا جوهري، أما الأسطورة فهي تحاول عن درجة الصفر ابتعادا، وحصانها في توسل ذلك هو اللغة ذاتها بوصفها علامة عرفية، ولكن الشاعر يحاول السمو باللغة عن طريق قتلها عندما تعمل كأداة للتواصل مؤطرا وظيفتها التداولية عندما يتوسل معاني أخرى للمفردة غير معانيها القاموسية، عن طريق التعالق اللفظي أو التنوع النحوي لخلق حالة (معنى المعنى) كما عرفناها عند الجرجاني، أو ما يسميه بارت (ما قبل السيميولوجيا) أو (الانزياح) عند كوهين· إن للشاعر الحديث أسطورته الخاصة به وهو قد يدس رموزا أسطورية قديمة لخلق أسطورته هذه، وقد يسطو الشعر الحديث كما الأسطورة على أحداث ليجيّر معناها لصالحه خالقا المعنى الذي يريده بل في أحيان كثيرة نراه مموهاً على المعنى أو حتى مشوها المعنى كي يحمي نفسه من الرقيب الذي ما عاد دنيويا اليوم فقط بل انشطر إلى قبائل من الرقباء·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©