الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موظفون يحترفون قتل الوقت.. ويؤمنون بمبدأ «مشيلي ومشّيلك»!

موظفون يحترفون قتل الوقت.. ويؤمنون بمبدأ «مشيلي ومشّيلك»!
14 ابريل 2009 22:25
ثمة نوع من الموظفين... وكونهم موظفين فليس بالوسع القول إنهم عاطلون عن العمل، ولا إدراجهم عددياً ضمن نسب البطالة، غير أنهم فنانون مبدعون وخلّاقون في أساليب التهرّب من العمل، وهم أكثر من موهوبين، لهم في الاحتراف باع طويل أكسبتهم فيه السنوات الطويلة من الخبرة صيتاً لا يتزحزح، ولا تؤثر فيه أي هزة أرضية أو حتى بركان. من هم هؤلاء؟ إنهم من الوجوه المعروفة التي يراها رئيس أو مدير الشركة دائماً في وجهه، من طقوسهم أنهم يأتون مبكّرين إلى العمل ويغادرون متأخّرين، غير أنَّ حقوقهم في بدل الساعات الإضافية لا تؤخذ بعين الاعتبار، فتراهم يشكون وينعون ويعانون. من هم؟ إنهم الجالسون في مكاتبهم، الحاضرون دوماً للمبادرات الصعبة في الكلام، وحين يحين أوان التنفيذ يختفون من الساحة، ويتركون للعاملين الحقيقيين شرف القيام بالواجبات والمهام المطلوبة. تقول غيد: إنهم فعلاً فنانون في اختلاق أشياء توحي بأنهم يعملون، فيما هم يكتفون بالجلوس واللعب بالورق وإقامة جلسات للفطور والغداء تمتد كل منها لساعتين. يعرفون أكثر من سواهم خبايا وخفايا الشركة، تصلهم القرارات قبل أن تطبع وتوقع من قبل المديرين، والسبب ليس ثقة الأخيرين بهم بل لكونهم متفرغين فعلاً ولا عمل لديهم إلا ملاحقة الأخبار، واستقاء المعلومات حول هذا وذاك أو هذه وتلك. وتضيف: أسمع منهم أخباراً غريبة عجيبة، كنت أعتقد أنهم ولكثرة الفراغ الذي يعانون منه، يبتدعون ويؤلفون من أنفسهم، إلى أن اكتشفت أن أخبارهم صحيحة، وتسبق الوكالات العالمية في نقلها وبثّها وإشباعها بالتفاصيل. وتلحظ غيد التي عملت، لمدة سبع سنوات في لبنان وسنتين في أبوظبي في قسم المعلوماتية والبرمجة، أن هؤلاء ينالون الحظوة لدى المديرين، وتقول ساخرة: يجدونهم أينما ذهبوا، وحين يطلب المدير مهمّة يتبجّحون أمامه بأنها سهلة، وأنهم سينجزونها بسرعة، في حين تقع مسؤولية إنجازها على العاملين الحقيقيين الذين يجلسون بصمت للعمل والإنتاج مصارعين للتركيز في أجواء صخب يثيره العاطلون عن الإنتاج. وتقول: مرة، راح أحد هؤلاء الزملاء يصرّ عليّ كي أنهي جدولة بأسماء الموظفين في برنامج جديد كأني سكرتيرته، وراح يقول لي إن الأمر ضروري، وإن المدير طلب منه بشكل مباشر متابعة الموضوع، فأنهيتها ثمَّ طلب مني إرسالها إليه عبر البريد الإلكتروني ففعلت، وما كان منه إلا أن طبعها وأدخلها بيده إلى المدير مدّعياً أنه من نظمّها، غير أن المدير وبالصدفة اتصل بي طالباً ورقة أخرى فأدخلتها لأجد الزميل جالساً هناك، وحين سأله عن سبب التوزيع المعيّن للموظفين في البرنامج، لم يتمكن من الإجابة وحاول تغيير مجرى الحديث، فأجبت أنا عن السبب شارحة التفاصيل، ففهم المدير أنني من أنجز العمل، وليس الزميل المدعي المكتفي بالظهور أنه يعمل. عُلا تعمل في الترجمة في إحدى دور النشر، ولسبب ما شدّد مدير الدار في الالتزام بالدوامات معلناً أنه سيحسم من راتب المتأخر وإن لخمس دقائق. وتقول:كنت آتي من منطقة بعيدة تحتاج إلى ساعة قيادة بالسيارة، وقد أفاجأ في بعض الأيام بزحمة غير اعتيادية تضطرني للتأخير، فدخلت مكتب المدير وطلبت أخذ ذلك بعين الاعتبار ،خصوصاً أنني أسهر في المكتب وأقدم عملاً إضافياً من دون السؤال عن احتسابه، فوافق لتأكّده من جودة عملي. على الرغم من ذلك، سعيت جهدي للوصول عند الوقت كي لا تتفتح الأعين عليّ وأتعرض للمساءلة من قبل قسم شؤون الموظفين. فلاحظت حين أصل مبكرة أن زميلة لي تعمل في المجال نفسه تأتي مبكراً وتوقّع على الجدول الزمني للحضور ومن ثم تمضي من ساعة إلى ساعتين وهي تدور في المكاتب كمن يقوم بواجب الزيارات الصباحية عند الجيران. وأحياناً كان زملاء من أقسام أخرى يأتونها إلى مكتبها الملاصق لمكتبي، فتبدأ «الصبحيات» التي تتناول القهوة فالفطور بتفاصيله المملّة حيث يفرشون الطاولة بالأطايب ويتغذّون ويتغدّون بعد الفطور ما يستدعي تمضية ساعات بين تحضير وأكل وتنظيف المكتب، فتبقى ساعة أو ساعتان من الدوام قد تنجز فيها الزميلة ترجمة صفحة واحدة أو صفحتين، وفي الوقت المتبقي تلعب الورق على شاشة الكمبيوتر». وتردف: من كثرة انتقادهم لي لعدم مشاركتي في فطورهم أو غدائهم، قررت يوماً أن أكسر الحاجز كي لا أبدو متكبّرة، فجلست معهم لتناول الفطور. ولاحظت يومها أنني تأخرت في إنجاز الكثير من العمل وقد تلقيت نوعاً من اللوم من قبل المدير، ما جعلني أتساءل : لماذا هؤلاء الذين يتفنّنون في عدم العمل وعدم تقديم الإنتاج لا يتلقون أي ملامة، في حين أنني وليوم واحد تراجعت في عملي فتلقيت التأنيب؟ وجاءني الردّ من صديقة تعمل في شركة أخرى وبالفعل آمنت بما قالته، وهي جعلتني أرى فائدة العمل والإنتاج من منظور شخصي بمعزل عن المقارنة بيني وبين الآخرين، إذ قالت لي: انظري كيف أنك تقدمت في عملك واكتسبت خبرات جديدة في حين أن هؤلاء لا يزالون يراوحون في مكانهم. وهذا صحيح. ميسون تسلّمت الإدارة في شركة والدها باكراً، وأول درس تعلّمته أن لكل إنسان فائدته في العمل، حتى أولئك الذين يتظاهرون بالانشغال ولا يقومون بشيء. فهي كانت قد استغربت تواجد أحد هؤلاء الأشخاص في شركة والدها، وبشكل مفضوح وواضح للعيان. ومن غيرتها على مصلحة والدها، وجّهت إنذاراً للموظف المعني فتلقّت تأنيباً من والدها. تقول: راعني تأنيب والدي وأنا كلّ همّي المصلحة العامة وعدم إفساد الموظفين المجتهدين من خلال المثال السيئ الذي يقدمه هذا الموظف المتقاعس. وفوجئت بوالدي يقول لي إن المثال الذي أقول عنه سيئا قد يتضح أنه مثال جيّد جداً ويخدم الشركة وتقدّم العمل وجودته فيها. أما كيف ذلك؟ فقال لي إن المنافسة ضرورية بين الموظفين من أجل التقدّم في العمل، كما أن روح العمل الجماعي ضرورية أيضاً، ومن هذا المنظور فللمتقاعس فائدة كبيرة حين يرى الباقون المجدّون والشرفاء أن لعملهم التقدير والاحترام وأن لهم الحق بالتطلّع إلى مراكز أفضل والتطوّر في السلّم الوظيفي، وفي المقابل هذا المثال «السيئ» هو جيّد لأنهم يرون أنه ليس مخفياً عليّ أمره ولهذا السبب لا ينال علاوات ولا مكافآت ولا يتقدم في السلّم الوظيفي. وأعطاني مثالاً بالقول إنه حين يدخل القاعة يطلب إعداد قهوة من هذا الموظف الذي لديه مسمّى وظيفي يختلف في مهمّاته عن إعداد القهوة وإحضار كرسي إضافي في الاجتماع وطباعة الأوراق وحتى النزول إلى الشارع وشراء أغراض للمكتب، وكلّها أعمال ليست من ضمن مهامه، غير أن عدم إنجاز مهامه يجعل من السهل على مرؤوسه تشغيله في أمور أخرى، بينما يعتقد هو أنه يتسلّى وينال الحظوة لدى المسؤول عنه، في حين أن كلّ هذه الأعمال ليست إلا لإبعاده عن المكتب وإبعاد ذبذباته السيئة عن العاملين المجدّين ضمن مهامهم. رأي اختصاصي سمّى الاختصاصي في علم الاجتماع النفسي الدكتور خالد الشيخلي ظاهرة الموظفين غير المنتجين بالبطالة المقنّعة، مفرّقاً بين تواجدها في دول فقيرة وأخرى مترفة. وأشار إلى أن الدول المترفة ذات العدد السكاني المتدني، تلجأ إلى توفير مكان وظيفي وفرص عمل لأبنائها، بحيث أننّا نصل أحياناً إلى ترف وظيفي بمعنى أن المهمة التي تستدعي عمل موظفين اثنين نجدها موزّعة على خمسة أفراد. ويقول: هذا الضغط هو عبارة عن تراكم في الشعور بالدونية للذي يعمل لأنه بطبيعة الحال هو من تقع على كاهله دون سواه مهام وضغوط العمل فيما الآخرون ينعمون بالوقت والراحة والقدرة على التسيّب من العمل. ويصف الدكتور الشيخلي الذين يتهربون من العمل في وظائفهم غير خائفين من العواقب بأنهم في العادة «مشاكسون، يقتنصون المشاكل والملاحظات وكثيرو السجال، والأبرز أنهم غير منتجين، والإنسان غير المنتج يراقب الآخرين في حركاتهم وينتقدهم، وينتقص من قدراتهم لأنَّ «فاقد الشيء لا يعطيه». وتمنّى أن يعي العاملون الحقيقيون مسؤوليتهم في فضح الذين لا يعملون ويسرقون جهود الآخرين، كي لا ينتجون مجتمعاً اتكالياً قاعدته «مشّيلي ومشّيلك».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©