الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجيش البريطاني ينسحب من البصرة.. مرارة بثمن باهظ

الجيش البريطاني ينسحب من البصرة.. مرارة بثمن باهظ
8 سبتمبر 2007 23:40
حين بسطت سيطرتها على جنوب عراق ما بعد الغزو، قوة بريطانية قوامها 18 ألف جندي، فإنها إنما فعلت ذلك مستندة على سمعة باهرة عززتها تدخلات سابقة كُلِّلت جميعها بالنجاح في كل من كوسوفو وسيراليون وأفغانستان· أما اليوم حين قررت تلك القوة الانسحاب من محافظة البصرة بجنوب العراق والعودة إلى الوطن -بعد مضي أربع سنوات على نشرها هناك- فقد تغيرت تلك الانطباعات كثيراً· فعلى حد تصريح بعض الضباط البريطانيين السابقين، فقد جاء وصفهم على النحو التالي: أولاً، لقد استنزف الجيش البريطاني بسببها حتى شارف الوصول إلى حد الانهيار، متأثراً في ذلك بضخامة مسؤولياته والتزاماته الحالية في أفغانستان· ثانياً أنها بذرت بذور انعدام الثقة في الحكومة، بسبب الشكوك المثارة حول مبررات شن الحرب ومشروعيتها· ثالثاً، إثارتها لجملة من التساؤلات حول ما إذا كان في وسع الجيش البريطاني القيام بالدور الذي أناطته به الحكومة فيما يتصل بتنفيذ الشق العسكري من السياسات الخارجية، بالنظر إلى معدلات الاستثمار الدفاعي الحالي وحجم القوة البشرية المنخرطة في صفوفه الآن· رابعاً، إخلالها بالعقد المبرم بين الدولة والجيش، وهو العقد الذي يحفظ للجنود المنضوين إلى القوات النظامية التابعة للدولة حقهم الكامل في حسن الرعاية، مقابل أدائهم للخدمة العسكرية· تعليقاً على هذه الظروف الجديدة، قال ضابط على علم وثيق بالوضع الميداني في العراق -رفض ذكر اسمه لحساسية وضعه-: ''هذا ظرف فريد واستثنائي يمر به الجيش البريطاني قياساً إلى عدة عقود خلت، إذا ما أخذنا في الاعتبار بتواتر العمليات العسكرية اليومية وكثافتها، وعدد القتلى من الجنود البريطانيين· فالذي يحدث الآن لم يشهده جيشنا منذ عقد خمسينات القرن الماضي''· واستطرد الضابط نفسه في القول: ''صحيح أن هناك استنزافاً لقدراتنا العسكرية··· وصحيح أيضاً أنه لا يزال في وسعنا التغلب على هذا الوضع، إلا أنه كلما استمر، كلما اقتربنا إلى بلوغ مرحلة الانهيار· وإذا ما وصفنا الوضع الحالي بأنه ماض باتجاه مرحلة إدارة الأزمة، فإن السؤال الذي تجب إثارته هو: إلى كم من الوقت سوف نواصل إدارتنا لهذه الأزمة''؟ وهو سؤال تصعب الإجابة الميدانية عليه في الوقت الحالي· تجدر الإشارة إلى أن هذه الأفكار التي عبر عنها الضابط المذكور، إنما هي صدى لذات الأفكار التي عبر عنها القائد الأعلى للجيش، الجنرال سير ''رتشارد دانات'' الذي حذر -مؤخراً- من أن بريطانيا باتت في أمسّ الحاجة إلى جيش مستدام وطويل العمر، بدلاً من الجيش الحالي الذي أضحى عرضة للاستنزاف والزوال في منتصف العقد الحالي· والشاهد أن هذا السنواتِ الأربعَ التي أمضتها بريطانيا في جهود بسط الأمن في أربع من المحافظات الجنوبية العراقية، قد تحققت بثمن باهظ وخسائر فادحة· فحتى الآن، تشير الإحصاءات الرسمية إلى مصرع 168 جندياً من جنودنا هناك، وهو معدل أقل بكثير من نظيره بين الجنود الأميركيين· والأسوأ من ذلك، سيادة الشعور العام بين المواطنين البريطانيين بأن الحرب جلبت من الدمار أكثر مما حققت من أي غايات إيجابية بناءة شنت من أجلها· وحين يرتبط هذا الشعور بالارتفاع النسبي لعدد القتلى من جنودنا، فإنما يسود الاعتقاد أيضاً بأن أرواح جنودنا ودماءهم قد ذهبت هدراً· وفي آخر استطلاع للرأي العام البريطاني، أجرته هيئة ''بي بي سي'' ونشرت نتائجه الأسبوع الماضي، فقد تبين أن ثلثي البريطانيين يعتقدون أن الجيش البريطاني قد خسر حربه على العراق، بينما كان في رأي 42 في المائة ممن شملهم الاستطلاع، الإسراع بسحب القوة المتبقية في محافظة البصرة في أقرب وقت ممكن، مع العلم أنها قوة صغيرة مؤلفة من 5500 جندي فحسب· وفي المقابل لم تزد نسبة الذين يرون أن هذه القوة لا تزال تساهم في تحسين الأوضاع الأمنية هناك، على 20 في المائة· والأسوأ من هذا أن عدداً من جنودنا الحاليين المقاتلين في خطوط المواجهة الأمامية، ساد بينهم الاعتقاد بأن عامة المواطنين في بريطانيا، قد نسوهم ونسوا تضحياتهم، بل نسوا الحرب نفسها· ومن بين هؤلاء قال الرقيب ''لي بول'' في تصريح له لصحيفة ''ذي إندبندنت'': ''إن ما يغضبني بعض الشيء ويثير حنقي أن جنودنا يموتون هنا ويضحون بأرواحهم، بينما لا يكاد يذكرهم أحد هناك في الوطن''· أما السيدة ''روز جنتيل'' التي قتل ابنها ''جوردون'' في العراق عام 2004 فقالت من ناحيتها: ''لم ينس الجيشَ أحد هنا، بل الصحيح أنهم فخورون للغاية بفلذات أكبادهم من المقاتلين البواسل، ولكن يسود الاعتقاد بين الكثيرين منا، أنه ما كان لهم أن يرسلوا أصلاً إلى ساحات تلك الحرب''· وبوجه عام فربما كان الفارق الجوهري بين ما يجري في العراق الآن، وما خاضته قواتنا مؤخراً في مناطق نزاع أخرى أقل أو أشد خطراً، هو أن ذات الشعور -الذي بدأ يطغى بين الكثير من ضباطنا- بعدم ضرورة إرسال قواتنا إلى حرب لم تملها الضرورة، ولم يسبقها أي استفزاز لأمن بلادنا أو الأمن الدولي· ويمكن مقارنة هذا الشعور، بما كانت عليه الروح المعنوية لضباطنـــا وجنودنـــا، في حروب أيرلندا الشماليـــة وجزر فوكلانـــد من قبــل، بل بما عليه الروح المعنويـــة لمقاتلينـــا الحاليين في أفغانستان· فعلى رغم حدة المعارك ودموية العنف والمواجهات الدائرة هناك، إلا أن الوضع مختلف جداً عما يجري حالياً في العراق، بسبب عدم الشعور العام بلا مشروعية الحرب· وما أسوأ من أن يقاتل جيش بروح معنوية مهزومة وخائرة! ذلك هو ما قاله لي الضابط الذي رفض ذكر اسمه، مضيفاً: فمثلنا مثل بقية عامة الشعب البريطاني، يسيطر علينا الشعور بأننا قد خدعنا وغرر بنا إلى حرب لم تكن هناك حاجة إلى شنها أصلاً· مراسل صحيفة كريستيان ساينس مونيتور ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©