الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجهل آفة كل زمان

5 مارس 2017 23:15
من يأبى قبول النصيحة التي لاتكلف شيئاً، فسوف يضطر في الغد إلى شراء الأسف بأغلى الأثمان.. إفلاطون. في المؤتمر العالمي للحكومات، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مفهوم استئناف الحضارة كمشروع للنهضة من خلال الارتقاء بالوعي كمقدمة على الطريق. فالاستئناف الحضاري كمفهوم اجتماعي وفكري هو اعتراف ضمني مجتمعي بحالة التردي التي وصل إليها المجتمع، وهو في حقيقته نصف العلاج، وهو محاولة للوصل بين حالتين تقطعت بينهما السبل، وباعدت بينهما الأسباب، بين ماض حضاري يزخر بالكثير من الإنجازات، وبين حاضر مجدب في البعض من مجتمعاتنا يتطلب حالة من الوعي بتداعياتها. وفي محاولة للمحاكاة من خلال الواقع، فالاستئناف هو صدور حكم ابتدائي في حق متهم بقضية ما بما لايرضيه، فيلجأ إلى إعادة النظر في الحكم من خلال استئنافه في درجة أعلى للتقاضي، وفي محاكاتنا فهو حكم ابتدائي من محكمة الحضارة قضى بتوصيف مجتمع ما بالتخلف، وحمل في حيثيات الحكم مجمل الظواهر كمسببات إلى ماوصل إليه الحال. إنه دعوة لتكوين إرادة حقيقية في التغيير من خلال رؤية تستوعب النتائج وأسبابها، وتضع رؤية كمشروع على طريق الإصلاح، لتتقدم به نحو محكمة استئناف الحضارة، لينزع عنها حكم التخلف، ويبطله أو على الأقل يعمل على تخفيف وصفه كسُبّة تعاني منها الكثير من البلاد من حولنا وفي العالم. إنه منهاج للحياة من خلال التغيير والتجديد، وهو أمر ليس بالهين واليسير، وإنما طريق محفوف بالمخاطر والصعاب، وتعوقه الكثير من القوى من داخل المجتمع والرافضة للتغيير دوماً عبر التاريخ .. ففي تاريخنا المعاصر والحديث جوبهت كل حركات التغيير والتجديد بمقاومة عنيفة وشرسة من القوى المهيمنة بكل أشكالها الدينية والسياسية والاقتصادية، مستخدمة كل الطرق غير الإنسانية للقضاء عليها، وهي بمجملها القوى المؤثرة على تقدم المجتمعات ونهضتها وحين تُستغل لغير غاياتها الإنسانية النبيلة. الجهل آفة كل زمان، وهو آيدلوجية ومنهج للقوى المعاكسة لحركة التغيير، فالرغبة في التغيير لاتأتي من فراغ، ولكنها نتيجة حتمية للظلم وغياب مفهوم العدالة ودوماً.. ولطالما استُخدم الجهل والتجهيل لغرض الهيمنة من واقع التخلف في مجتمعاتنا، فحركة التنوير هي دوماً خطوة نحو الأمام، عدوها التراجع الفكري والمادي لمصلحة أهواء وأطماع تسير دوماً عكس طبيعة وسنة الحياة في الخير والسلام والحديث دوماً ذو شجون. إن مفهوم استئناف الحضارة يستدعي في أذهاننا العديد من التجارب الناجحة في مجتمعات وبلاد مختلفة عبر التاريخ القديم والمعاصر، وهي كثيرة، وكان آخرها تجربة دولة الإمارات العربية الرائدة، والتي أينعت ثمارها في مطلع هذا القرن، كمثال يحتذى من واقع معاش ومتجدد مع تجدد الحياة الإنسانية وتطورها، وهي دعوة مستمرة ومتجددة لمن يريد المضي في مشروع استئناف الحضارة. وبلغ عدد مشاهدات «وسم استئناف الحضارة» والذي أطلقه سموه، أكثر من 300 مليون مشاهدة، وهو دلالة ومؤشر على مستوى عال من الوعي يدعو للفخر، وهو إيمان حقيقي بتجربة الإمارات وقادتها على طريق النهضة. لنعد إلى محاكاتنا لواقع التجربة الإنسانية نحو إرادة التغيير واستثمار الوعي، وهي رغبة للإصلاح المؤسسي تنبع من واقع مأسوف عليه دوماً، رافدها المجتمع وعنصرها الإنسان، ولكن هذا في حد ذاته ليس بكاف لوحده، من دون رؤية وزعامة تقود حركة التغيير والإصلاح على الطريق الصحيح، فمن دونهما تنقلب إلى فوضى تسيء وتؤذي المجتمع وتؤدي إلى مزيد من الانقسام والتشرذم، وخير مثال على ذلك ما يسمى بـ« ثورات الربيع العربي» وما صاحبها من فوضى. حركات الإصلاح والتغيير تحتاج إلى مصلحين كُفؤين، يؤمنون بأن ثورة التغيير والإصلاح ليست شعارات وردود أفعال غير محسوبة تنعكس سلباً على المجتمع ومؤسساته من خلال التخريب والعنف كمظهر مرافق لها لايتسم بالحضارة والتمدن ويبتعد عنهما، ليسمح لقوى التخلف باستغلالها وضربها في مقتل والعودة من جديد، وهذا ما حصل ويحصل في العراق وسوريا واليمن والإرهاب الضارب في ليبيا وشمال أفريقيا. إنها دعوة مؤسسية للخروج من عباءة التخلف وعدم الركون إلى اليأس والإحباط والاستسلام والتواكل، هي دعوة لتجديد الأمل واستدعاء الوعي الغائب والذي أوردنا حتوف التهلكة في بعض من بلادنا ومن حولنا، ولملمة ماتبعثر منّا، إنها دعوة للعودة إلى التماسك ورص الصفوف لمواجهة عالم مضطرب ومتغير من حولنا. إن دعوة سموه إلى إنشاء فرع للجامعة العربية في دولة الإمارات لغرض تدريب كوادر شبابية، هي نواة مؤسسية لهذا المشروع الحضاري، وليست مجرد دعوة شرفية، بل هي محاولة جادة للارتقاء بهذه المؤسسة الجامعة لتكون قريبة من بوابة التطور وعلى أعتاب المد الحضاري الذي أصبح يسم العصر، وتجديد دمائها بشباب واعين ومدركين، وذلك من خلال دعوة سموه إلى إنشاء مؤسسات تعبوية وفنية وتعليمية وتثقيفية تعتمد منهج التنظيم والإدارة لتنشأ كوادر عربية قيادية رائدة من شبابنا العربي متسلحين بالعلم والمعرفة ليكونوا نواة لجيل من قادة الإصلاح المؤسسي في بلادهم، وهذا يتطلب جهداً مادياً ومعنوياً وفكرياً وتنظيمياً كبيراً ليس ببعيد عن منهج الإمارات ورؤيتها الحضارية والإنسانية. إنها دعوة مفتوحة للمشاركة الفعالة والإيجابية في مشروع تنموي حضاري، وكل ما يتطلبه من جهد مخلص، إنها دعوة للنهوض من فعل المشاهدة وكراسي المتفرجين، والذي هو بعض من حال البعض منّا ممن لم يغيرهم الزمان.. مع الأسف. مؤيد رشيد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©