الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرب على الإرهاب واستثمار القاعدة لغزو العراق

الحرب على الإرهاب واستثمار القاعدة لغزو العراق
9 سبتمبر 2007 22:20
نحن لا ننظر إلى الإرهابيين عادة، باعتبارهم مخططين استراتيجيين ذوي عقول كبيرة، بل الأرجح أن نقلل من شأنهم ونأخذهم على أنهم مجرد معتوهين قتلة وكارهين للبشر، لا أكثر· لكن ومع حلول الذكرى السادسة لهجمات 11 سبتمبر، مسبوقة بتواتر التقارير الاستخباراتية الأميركية عن تنظيم القاعدة الذي تمكن من إعادة بناء صفوفه ورص مقاتليه مجدداً لشن هجمات جديدة واسعة النطاق على بلادنا، فإن من رأيي أنه قد حان وقت الاعتراف بالرؤية الاستراتيجية التي ظلت تدفع هذه الحركة طوال السنوات الست الماضية· ولعل الأمر الأكثر إلحاحاً أن نسقط هذا الهوس الأميركي بأسامة بن لادن، الذي عادت نيرانه لتشتعل من جديد بصدور شريط الفيديو الأخير له· ذلك أن نجمه كقائد للتنظيم قد أفل وولت أيام صعوده· فالتهديد المرعب لبلادنا لم يعد يمثله ذلك القائد الإرهابي، وإنما نائبه الاسمي أيمن الظواهري، فبصفته مديراً من جهة وصاحب رؤية من الجهة الأخرى، تمكن بن لادن من تحويل نفسه والمنظمة التي شارك في إنشائها، إلى مؤسسة كلامية· وبالنتيجة فقد تحول الرجل والمنظمة معاً إلى ماركة تجارية عالمية مسجلة، تتماهى فيها صورة المدير مع المنظمة، مثلما هو حال العلاقة بين أي شركة تجارية عالمية ومديرها التنفيذي· غير أن هناك أدلة كثيرة على أفول نجم زعيم التنظيم فيما يتعلق بارتباطه اليومي المباشر بالنشاط والخطط الإرهابية· وبسبب الاختفاء المفروض عليه، فقد انقطعت صلته بالتخطيط وصنع القرارات، بل المدهش أنها ضعفت كثيراً فيما يتصل بأنشطة العلاقات العامة الخاصة بالتنظيم· ووفقاً لمصادر استخباراتية آسيوية، فقد مضى عامان كاملان على ترؤس أسامة بن لادن لآخر اجتماع لمجلس شورى التنظيم، مع العلم أنه الهيئة التشاورية الأرفع فيه· أما شريط الفيديو الجديد الذي بث باسمه مؤخراً، فهو الأول له منذ عام ·2004 وعلى رغم أن إصدار شريطي فيديو له خلال ما يقارب الثلاث سنوات، إلا أنه بالكاد يقف دليلاً على استمرار قيادته اليومية للمقاتلين وتخطيط عملياتهم وهجماتهم المقبلة· وفي المقابل فقد توفر من الأدلة والمؤشرات ما يؤكد التقاط الظواهري لزمام القيادة من بن لادن، وإلى تمكن هذا الأخير ليس من جمع ثروات هائلة جديدة للتنظيم فحسب، بل وكذلك استعادة بنائه وجعله مجدداً ذلك الشبح الذي يهدد بتوجيه ضربة موجعة مرتقبة للولايات المتحدة، على نحو ما تكهن بها تقرير ''التقديرات الاستخباراتية القومية'' الذي نشر في شهر يوليو المنصرم· وهكذا تقدم نائبه الذي كان في الظل ومن دون أن ينتبه إليه أحد حتى إلى وقت قريب، إلى واجهة عامة جديدة للتنظيم· فقد تمكن الظواهري من إصدار حوالي 30 بياناً باسم التنظيم خلال العامين الماضيين، شملت عدة قضايا منها على سبيل المثال: التهليل بدموية الهجمات والعمليات الإرهابية الجارية في كل من العراق وإقليم كشمير وباكستان، إضافة إلى ترديد أسطوانة شجب تنظيم القاعدة الذي لا يتوقف ولا يكل لأميركا وبريطانيا وإسرائيل وللغرب عموماً وكافة أعداء التنظيم· كما أشرف الظواهري كذلك على زيادة إصدارات التنظيم لأشرطة الفيديو لتصل إلى أربعة أمثال ما كانت عليه من قبل، خلال الفترة المذكورة نفسها، وقد ظهرت في تلك الأشرطة عدة وجوه إرهابية من بينها أيمن الظواهري نفسه، وعدد آخر من أعضاء تنظيم القاعدة المنفذين لعدد من الهجمات الانتحارية، في مسعى قصد منه تنشيط حملة علاقاته العامة والإبقاء على حضوره في شبكات وقنوات البث الإخباري، تأكيداً لاستمرار وجوده ورسالته· قد يفتقر الظواهري إلى تلك الكاريزما التي يتمتع بها أسامة بن لادن، إلا أن ذلك لا يقلل من حقيقة كونه هو الذي حدد قبل عقد مضى الأعداء الاستراتيجيين ''البعيدين'' و''القريبين'' للتنظيم· وبالأعداء البعيدين إنما قصد الظواهري تحديداً الولايات المتحدة الأميركية، التي رأى في هزيمتها شرطاً لازماً تحقيقه حتى يمكن هزيمة الأعداء القريبين، الذين قصد بهم الأنظمة المعادية للإسلام المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا، وهي أنظمة ما كان لها أن تبقى أصلاً لولا الدعم الكبير الذي تقدمه لها الولايات المتحدة· وتلك هي الرؤية التي أطلقت سلسلة الأحداث التي أدت إلى شن هجمات 11 سبتمبر· لعل الأهم من ذلك كله، تمكن الظواهري من شق طريق جديد للتنظيم في عام ،2001 وهو العام الذي ساد فيه اعتقاد واسع بأن المنظمة الإرهابية كانت على شفا الانقراض· فعلى رغم مصرع زوجته وابنه الوحيد أثناء غارة جوية شنتها المقاتلات الأميركية في شهر نوفمبر من العام المذكور، إلا أن الرجل لم تلن له قناة أو تفتر له همة، بل تمكن رغم ذلك وغيره مما لحقه من ملاحقات من صياغة خطة واضحة المعالم لكيفية إعادة بناء التنظيم، بصرف النظر عن كونها عدوانية وإرهابية· ثم يضاف إلى ذلك كتابه ''فرسان تحت راية النبي'' الذي نشرت صحيفة ''الشرق الأوسط'' تلخيصاً له في شهر ديسمبر من عام ،2001 والذي رسم فيه صورة للإسلام باعتباره ضحية يطوقها ويفترسها عالم يسيطر عليه الغرب وحده، وهو عالم لا حل فيه - في رأيه - سوى الجهاد· إضافة إلى دعوته قتل أكبر عدد ممكن في صفوف الأعداء، بصرف النظر عن الزمن أو المدة الزمنية التي يستغرقها تحقيق هذا الهدف· إضافة إلى دعوته المجاهدين أن يركزوا اهتمامهم على العمليات الاستشهادية باعتبارها الوسيلة الأكثر فعالية ونجاحاً في تكبيد العدو أكبر الخسائر البشرية، قياساً إلى كونها الوسيلة الأقل تكلفة في صفوف المجاهدين· ومن المؤسف أن الغزو الأميركي للعراق قد منح تنظيم القاعدة فرصة ذهبية لتحقيق تلك الأهداف، وليس أدل على هذا من تصريح الظواهري بما يعبر عن استراتيجية التنظيم في الاستجابة لما رأى فيه اعتداء غاشماً على الأمة الإسلامية في أفغانستان والعراق بقوله منذ سبتمبر 2003: ''نحمد الله العلي القدير الذي منّ علينا بمحن العراق وأفغانستان·· ففي كلتيهما يواجه الأميركان وضعاً حرجاً للغاية· فإذا ما انسحبوا فإنهم الخاسرون لكل شيء··· أما إن بقوا فإنهم سوف ينزفون حتى الموت لا محالة''· وذلك هو ما حدث بالفعل· فقد تحولت تلك العملية التي صورها الجيش الأميركي تصويراً متفائلاً قبل أربع سنوات، باعتبارها عملية مضمونة لإلقاء القبض على عناصر وقيادات تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، إلى عملية عكس ما أرادت لها واشنطن تماماً· كيف؟ ذلك هو ما خطط له أيمن الظواهري··· أي أن يتحول العراق إلى بركة من الدماء وإلى حقل لموت الجنود الأميركيين واستنزاف قدرات جيشهم عسكرياً ومادياً ومعنوياً· وبفضل الظواهري وعقله المدبر، فقد دبت الحياة من جديد في جسد التنظيم الإرهابي وقويت شوكته بدلاً من أن يموت منذ عام ·2001 أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة جورج واشنطن وزميل أول بمركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©