الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

"صرخة" تهز شجرة الرولة

"صرخة" تهز شجرة الرولة
24 مارس 2008 02:35
يقع معهد الشارقة المسرحي على بعد خطوات من شارع العروبة ومن ساحة الرولة على وجه التحديد، وفي عرض (الصرخة) الذي احتضنه المعهد مساء أمس الأول، وقدمته فرقة مسرح عجمان الوطني التابعة لدائرة الثقافة والإعلام بعجمان تأتي الرولة بكامل هيبتها إلى المسرح، ويهيمن شارع العروبة بكل أطيافه المحيرة على أرض الخشبة، كي يتصدر سؤال ناصر جبران الجريء والصارخ حول مصير الهوية الوطنية وسط هدير وأمواج وعواصف الهويات والأعراق المحيطة والضاغطة على المكان· نص ''صرخة'' القصصي الذي كتبه جبران، وعالجه إسماعيل عبدالله مسرحياً، وتناوله إبراهيم سالم إخراجياً، فقد تحول على خشبة المسرح إلى نص متحرك وذي حضور متفاعل مع الراهن، رغم أن القصة التي كتبها جبران تعتبر من نتاجاته القديمة· تجسد النص على الخشبة من خلال قصة الشاب المواطن (منصور) القادم من الغربة في سبيل نيل درجة الدكتوراه، ومن أجل تجديد ذكرياته مع الماضي، يذهب الشاب إلى شارع العروبة، وإلى ساحة الرولة القريبة من منزلهم القديم الذي لم يعد له وجود في ظل التطور الاقتصادي والمد العمراني، ووسط فوضى وازدحام الحضور الآسيوي المكثف يفقد الشاب (عقاله) وتتقاذفه الأقدام حتى يقع (العقال) بين يدي شاب آسيوي فيسرقه ويهرب وسط الحشود الهائلة من البشر· وعندما يعود الشاب للبحث عن عقاله يفاجأ بشخص يعرفه جيداً وهو أحد الذين قاوموا الهجرة الجماعية للمواطنين عن المكان، هذا الشخص الذي أصبح علامة لحضور الذاكرة القديمة بكل وهجها وتأثيراتها العابقة بالحنين، ولكن تضحيته الذاتية المتمثلة في عشقه لشجرة الروله وبكل الرموز المتفرعة منها، حولته إلى شبه إنسان، بعد أن تخلى عن العقل والمنطق، واختار العيش في الذاكرة والإقامة في الماضي، فنجد جهاز التسجيل الذي لا يفارقه والمصحوب بأغاني السبعينات وأصوات ميحد حمد وعبدالله بالخير، وعندما يستهزئ الآسيويون بمظهره الغريب يرميهم بالحجارة، ويصر على البقاء في المكان رغم المضايقات والآلام النفسية· وفي سياق آخر للقصة نرى الشاب المواطن وهو يستمع لقصة الفتاة المواطنة (مها) التي تأتي وحدها إلى ساحة الرولة لتفاوض شخصاً آسيوياً يدعى (أختر) ـ سارق العقال ـ والذي يعيش قصة حب مع شقيقة الفتاة ويريد الزواج منها، فهذا الزواج إذا تحقق سوف يتحول إلى كارثة، وسوف يودي بسمعة عائلتها المعروفة في المجتمع، كما يمكن لهذا الزواج أن يودي بحياة الأم المريضة والتي لن تصمد أمام هول الصدمة العائلية الاجتماعية· وعندما يأتي (أختر) نكتشف أنه استدرج الفتاة كي تقع في حبه ويتزوجها حتى ينتقم من العائلة التي استأجرت والده وعمل خادماً لديها وأذاقته كل صنوف الذل والهوان· المفردات المسرحية التي اتكأ عليها إبراهيم سالم في العرض، ابتعدت عن الرمز والإيحاء واللغة الضمنية للتعبير المسرحي، وأقامت في الخطاب المباشر للنص، رغم محاولات إسماعيل عبدالله العديدة لضخ الحوارات بنفس شاعري وبلاغي، إلا أن هذا الزخم الشعري للحوارات بدا أحياناً وكأنه فائض عن سياق الحالة والموقف، ولم تتجاوز السينوغرافيا فكرة التجسيد والاستحضار الحرفي لتفاصيل المكان، فوجدنا صورة العمارات والمحلات المزدحمة بعناوين آسيوية، وكانت شجرة الرولة حاضرة على يمين الخشبة، وعلى يسارها نصب ساحة الرولة، وغابت تقنيات الإضاءة ولغتها المسرحية عن العرض، كما أن الموسيقا المصاحبة لم يظهر تأثيرها إلا في نهاية المسرحية، وللخروج قليلاً من أسر المباشرة والطرح الواضح، استعان إبراهيم سالم بصور يحملها شخوص مقّنعون، وحملت الصور ملامح الجنسيات والأعراق المختلفة التي نصادفها دائماً في شارع العروبة، وبمصاحبة ذكية لأصوات وهمهمات يستقبلها زائر المكان وتشكل نوعاً من التلويث السمعي، المعبر عن التلويث المعرفي والثقافي الذي ينذر بخطر كبير وتبعات مأساوية إذا لم يتم الانتباه لها، وتصديرها على الأقل من خلال المسرح كوسيط فني معبر عن الهواجس والقضايا·
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©