الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سخاء البنك الفيدرالي ··· تضخمٌ وفقر

سخاء البنك الفيدرالي ··· تضخمٌ وفقر
24 مارس 2008 02:46
إنني من الذين يؤمنون بأن ''بن برنينك'' رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، من الذين يهتمون بأمري، ولدرجة ما أرى فيه من تعاطف إنساني مع الآخرين، فإنني لن أتردد في أن أطلب منه إقراضي مبلغ 100 دولار أو حتى في أخذها منه دون أن أردها له، فهو يبدو حنواً وشفوقاً على الآخرين، هذه هي مشكلة السيد ''برنينك'' في واقع الأمر، أي اهتمامه الزائد بأمر الآخرين· الحقيقة أن عمل البنك الفيدرالي في غاية البساطة، لكونه ينحصر في الحيلولة دون ركود الاقتصاد القومي من جهة، ودون تعرضه لفقاعات النمو الخادع من جهة أخرى، ومن أجل الحفاظ على هذا التوازن، لا يكف البنك الفيدرالي عن تقديم دعمه المستمر للاقتصاد القومي، بيد أن السيد ''برنينك'' أبدى انزعاجاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، لعجز هذه الوصفة الطبية المجربة عن أداء مفعولها المعتاد، بل لما كان ''برنينك'' يعتمد اعتماداً كلياً في معالجاته هذه لأدواء اقتصادنا القومي، على الأموال التي يوفرها له دافعو الضرائب الأميركيون، فقد بدا حالنا وكأننا نُستغَل من جانبه، وسبب هذا الشعور هو ما رأينا منه من تصرفات خلال الأسبوعين الماضيين من إنفاق سخي على بنوك الاستثمار، وكأنه يقدم عرضاً من عروض المشهد الأخير للحياة الفارهة! ففي الأسبوع الماضي وفر ''برنينك'' لهذه البنوك قرضاً مالياً بلغت قيمته 200 مليار دولار -أي ربع احتياطيات البنك الفيدرالي- في مقابل الضمانات العقارية التي توفرها هذه البنوك، على الرغم من أن ضمانات كهذه لم يعد أحد يرغب فيها مطلقاً· وفي هذه الخطوة ما ينم عن تجاهل من جانب السيد برنينك لما يطلق عليه اصطلاحاً في علم الاقتصاد ''الخطر الأخلاقي'' وهو مصطلح يدل على السماح للشركات والبنوك الاستثمارية بالدخول في مخاطرات مالية جنونية، علماً منها مسبقاً بأن الميزانية الحكومية سوف تهب لنجدتها وإنقاذها من مأزقها المالي فيما لو لم تجر الرياح بما تشتهيه سفنها، غير أن الوجه الآخر لمعنى هذا المصطلح، هو الإخلال بمصلحة المواطن الفقير دافع الضريبة الأميركي وإلحاق المزيد من الأذى به· ولم يكتف السيد ''برنينك'' بتلك المخاطرة وحدها، وإنما أعقبها ليلة الأحد الماضي بخطوة أخرى أشد تهوراً، قصد منها استبـــاق الذعر الذي يمكـــن أن يسببــه افتتاح البورصــة العالمية لليوم التالي لتلك الليلة، تلخصت في توفيره قرضاً مالياً لشركــــة ''جي بي مورجان جيز'' وشركائها بحيث تتمكن من الاستحواذ على شركة ''بير شتيرنز''، ومما لا شـــك فيه أن تلـــك المكالمـــة التي تلقاهـــا مدير الشركة المذكـــورة، أحلى مكالمة هاتفيـــة يمكـــن للمرء أن يتلقاها من جهة حكومية أميركية، لأنها لم تكـــن مكالمة خاصـــة بتسديد الضرائب أو أي التزامات أخرى مستحقة على الشركة· عليه وبناء على قيمة سهم لا تتجاوز الدولارين فحسب، وكذلك بمدخرات لا تزيد على 28 دولارا حسب أسعار يوم الجمعة قبل الماضي، تمكنت شركة ''جي بي مورجان'' من توظيف 14 ألف عامل، إلى جانب شرائها لمبنى جديد لها في قلب مانهاتن بقيمة 570 مليون جنيه، إلى جانب حصولها على مبلغ 30 مليار دولار، تصوروا أن كل ذلك قد حدث بين ليلة وضحاها! وفيما لو هاتفني السيد ''برنينك'' ليلة الأحد المذكورة، لكنت قد تمكنت من شراء شركة ''بير شتيرنز'' بنفسي· ثم أعقب مدير البنك الاحتياطي الفيدرالي خطواته هذه، بأخرى يوم الثلاثاء الماضي، بخفضه لسعر الفائدة القصيرة الأجل إلى نسبة 2,25 في المائة، أي إلى نصف ما كان عليه قبل ستة أشهر، وهو تخفيض مشجع جداً للمستثمرين لشراء المزيد من الأموال بسبب انخفاض سعرها، وبهذا يكون السيد ''برنينك'' قد سبق كافة المدراء السابقين للبنك الفيدرالي في كرمهم وسخائهم، لكونه فعل ما لم يسبقه إليه أحد منهم، وبعد فما كانت نتيجة كل هذا السخاء المالي المعطاء؟ لقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي العام الأميركي أجرته شبكة ''سي إن إن'' الإخبارية الأسبوع الماضي، أن أشد ما يقض مضجع عامة المواطنين الأميركيين هو أن تمر بلادهم بمرحلة تضخم جديدة، مع العلم أن هذه هي النتيجة المنطقية للجوء اقتصاد أي بلد ما لطباعة المزيد من أوراق العملة، وهو عين الذي يفعله البنك الاحتياطي الفيدرالي الآن، وما أن تكثر ''عطايا'' البنك الفيدرالي، حتى يتحول المال إلى متعة وتسلية بالاستدانة والإنفاق، أكثر منه وسيلة حافزة على الادخار، وذاك هو أس المشكلة الحالية وبدايتها في حقيقة الأمر· على رغم تقديري للمساعي التي يبذلها البنك الفيدرالي لاستعادة التوازن المفقود لاقتصادنا القومي، إلا أن الواقع العملي يقول: إن قيمة العقارات قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها، وإن غالبية الأميركيين تتجه نحو الفقر، وعليه فمما لا شك فيه أن تأمل هذه الغالبية المتأثرة سلباً بهذه السياسات، في أن يقل معدل التضخم وأن ينحسر الدين القومي، وأن تكون حياتها أكثر استقراراً في المستقبل، وخاصة أن يتحقق استقرار مستقبلي لنمو الوظائف الملحوظ هذين اليومين· جويل شتاين كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©