الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفقراء... ضحايا سياسة أوباما

9 فبراير 2012
مايكل جيرسون كاتب ومحلل سياسي أميركي بعض الموضوعات تخف حدتها بمرور الأيام، وبعضها الآخر يتفاقم ويثير المزيد من المتاعب. والتفويض بالإجهاض من خلال استخدام الوسائل المانعة للحمل الذي منحته إدارة أوباما للمؤسسات الخيرية الدينية، والمستشفيات، والجامعات، يعتبر من النوع الثاني. ورد الفعل المبدئي على هذا التفويض يتعلق بحقوق المؤسسات في المقام الأول. فمن المعروف أن المؤسسات والمنظمات الكاثوليكية عادة ما تستاء من إجبارها على شراء الضمان الصحي الذي يغطي عمليات التعقيم، ومنع الحمل، والعقاقير التي يمكن أن تنهي الحمل بعد حدوثه مباشرة. وعلى ما يبدو أن إدارة أوباما قد حسبتها على هذا النحو: طالما أن موانع الحمل مقبولة وتحظى بالشعبية، والكنيسة الكاثوليكية ليست كذلك، فإن صيحة الاحتجاج التي أطلقتها لن يكون لها كبير أثر. لكن إدارة أوباما تنسى عندما تحسب الأمور على هذا النحو أن الحرية الدينية تحظى بشعبية حسب نصوص الدستور والمواثيق، وأن هؤلاء الذين ليس لديهم اعتراض على منع الحمل -وهم بالمناسبة الفئة التي أصنف نفسي ضمنها- يمكن أن يشعروا بالإهانة عندما يرون مسؤولي الحكومة المتغطرسين يرغمون المؤسسات الدينية، ليس على مخالفة التعاليم الدينية التي تؤمن بها وإنما أيضاً على مخالفة ضميرها. فالحرية الدينية التي تنطبق فقط على العقائد والممارسات التي نؤمن بها ونوافق عليها، لا تعني شيئاً في حد ذاتها. وفي هذه القضية التي نحن بصددها سوف نجد أن الضرر الأكبر الذي ألحقته إدارة أوباما لم يكن بالمؤسسات كما قد يظن للوهلة الأولى، وإنما للشعب الذي يفترض أنها تخدمه. فتقديم الخدمات الاجتماعية في أميركا عبارة عن شراكة بين الحكومة والمنظمات الدينية على أساس أن كلاً منهما يتميز بمزايا خاصة به. فالمنظمات الخيرية الدينية تُعلي من شأن عوامل الرحمة والتعاطف وتحظى بثقة المجتمعات لذلك. أما الحكومة فتمتلك موارد أكثر، ولديها قدرة على الوصول إلى أكبر عدد من الناس على نحو لا يتوافر للجمعيات الدينية. وفي بداية ولايته، صادق أوباما على هذه الشراكة في الخطب التي كان يلقيها والبيانات التي كان يعلنها من وقت لآخر، أما الآن فإن إدارته -كما يبدو- تستخدم كرة هدم كمثل تلك التي تستخدم في هدم المباني المتداعية، لكنها أيديولوجية هذه المرة حيث تؤكد باستمرار أن الكنائس فقط هي التي تستحق حماية دينية جدية. وبينما الحقيقة هي أن آراء الحكومة ومعاييرها هي التي يجب أن تسود عندما تخدم المنظمات الدينية أشخاصاً من غير الأعضاء فيها. وفي عدد من البيئات الدولية المتنوعة، كنت أرى المنظمات الدينية التي تحصل على دعم من حكومة الولايات المتحدة، وهي تنخرط في أنشطة مفيدة للبشرية مثل مكافحة الأيدز، والتحكم في الملاريا، ومعالجة الناسور، وتقديم الخدمات الصحية للأطفال والأمهات. وقد قام "رام كنعان" من جامعة بنسلفانيا بتوثيق الدور المحلي(الذي يتم في البيئات المحلية) الذي تقدمه "المنظمات ذات الصبغة الدينية التي تخدم أغراضاً مدنية"، مثل تقديم المأوى للمشردين والرعاية الصحية وموائد الغذاء المجانية، وبرامج الرفاه، وبرامج إعادة تأهيل السجناء. ويقدر "كنعان" أن تكلفة تلك الخدمات لو كانت الدولة هي التي قامت بها لسجلت تكاليف باهظة. ولنا هنا أن نتخيل الرقم النهائي الذي توفره تلك المنظمات على الحكومة سنوياً من خلال القيام بأداء بعض الخدمات التي كان يفترض عليها أصلاً القيام بها. فلو أخذنا ولاية واحدة فقط مثل فيلاديلفيا على سبيل المثال، فسوف نجد أن هناك 2000 مؤسسة ومنظمة دينية، الكثير منها كاثوليكي. وقيام الدولة بأداء الخدمات التي تؤديها تلك المنظمات والمؤسسات في ولاية فيلاديلفيا وحدها كان يمكن أن يكلف حسب التقديرات حوالي ربع مليار دولار كل عام. ويشار في هذا السياق إلى أن الخدمات الاجتماعية الكاثوليكية تساعد ما يزيد عن 250 ألف شخص من خلال المطاعم التي تقدم الحساء مجاناً، والتي يطلق عليها" مطابخ الحساء"، وتوفير المأوى، ومراكز المعوقين. والإشراف على برامج التبني ورعاية الأطفال، وكبار السن، ودعم الخدمات التي تقدم للمهاجرين. ويشار في هذا السياق إلى أن "منظمة خدمات التطوير الغذائي الكاثوليكية" التي تعمل بالشراكة مع الوكالات العامة، تقدم ما يقرب من 10 ملايين وجبة سنوياً كما تقدم نصف عدد الوجبات المقدمة للأطفال الفقراء في فيلاديلفيا في أشهر الصيف، عندما تكون المدارس مغلقة. معظم هذه الأعمال الخيرية، وغيرها من الأعمال التي لا يتسع لها الحصر والتي تتم في أماكن مختلفة عبر البلاد، باتت مهددة اليوم. فإذا ما أدت السياسات الفيدرالية إلى استحالة عمل المؤسسات والمنظمات غير الربحية، والمستشفيات مع الوكالات الفيدرالية والولائية والمحلية في مجالات توفير الخدمات فإن الملايين من الفقراء والضعفاء في الولايات المتحدة من الكاثوليك وغير الكاثوليك، الدينيين وغير الدينيين، سوف يعانون. إن مهمة بناء بدائل لتقديم الخدمات التي توفرها الآن المنظمات والمؤسسات الدينية، سوف يحتاج إلى ميزانيات ضخمة تقدر بمئات المليارات من الدولارات، وحتى بعد أن يتحقق ذلك -هذا إذا ما تحقق- فإنه سيكون مفتقراً لتلك اللمسة الإنسانية المميزة التي توفرها المنظمات الدينية عادة. وكل ذلك لأن أوباما يريد أن يجعل من العلمانية ديناً للدولة. وهناك مع ذلك حل ميسور لهذه المشكلة هو أن يحاول الرئيس احترام حقوق وآراء هؤلاء الذين يختلفون معه ويختلفون مع سياسته. والجانب المتعلق بذلك في وثيقة الحقوق يمكن العثور عليه بسهولة لأنه يأتي أولاً ويسبق كل ما عداه. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©