الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التميز اللغوي

6 ابريل 2016 22:25
لولا اللغة لأقفر الوجود، وانزوى نبض التعبير، ولما استوى الفكر السويُّ على سوقه، ولما اشتد عوده؛ فبدون اللغة يتحجّر العقل الإنساني ويتجمد. اللغة وعاءٌ يعجُّ بالكلمات، ويُضفي على الكون بهاءً، ويمنحه حياة وجمالاً. بالكلمات نبدع فكراً ونترنم طرباً ونهيم عشقاً ونذوب حباً ونغزل شعراً ونسرد نثراً، ومن وحي محكم التنزيل نلهجُ شكراً وننسج الدعوات حمداً ونستشهد بأطول كلماته والدهشة تعترينا والإبهار يحتوينا: (فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ)، «سورة الحجر: الآية 22». وإذا ولجْنا في بساتين المعرفة نجد كل ما لذ وطاب من روائع الكلم لأفذاذٍ كبار؛ مفرداتٍ رائعة، وتراكيب واسعة، وأمثالاً ذائعة لكنوز من الأدب والشعر والمتون والطرائف واللطائف وأسفار أصحاب الهمم على مر الأزمان ننَهل منها الكثير بنهم، وتنتابنا الحيرة من أيّها نستقي! وكيف عسانا من ينابيعها نرتوي! «كلام العرب كالميزان الذي يعرف به الزيادة والنقصان، وهو أعذب من الماء وأرقُ من الهواء». والحقيقة أن من الصعوبة بمكان حصر مواطن التميز اللغوي في أدبيات وكتابات الهامات ومنطق القامات، ولكن نشير هنا إلى إطلالات سريعة عبر الحقب النوعية الزمنية في مسيرة أمتنا اللغوية. كان من أفصح العرب لساناً وأبلغهم بياناً قبيلة بني سعد بن بكر، التي استرضع فيها خير الأنام - عليه الصلاة والسلام - وترعرع بين أكنافها ويعايش رصانة المنطق وفصاحة اللغة وحجة البيان، فكان أفصح العرب. وفي عهد النبوة، ها هو الوليد بن المغيرة يسترق السمع لتلاوة القرآن في غسق الليل فينطق لسانه من جمال ما طرق مسامعه: «إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمُغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه ليعلو، ولا يُعلى عليه»؛ يقول الإمام الشافعي: «من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نَبُل قدره، ومن كتب الحديث قَويت حُجته ومن نظر في اللغة رق طبعه». وقد دخلت اللغة ميدان التجديد والابتكار في العصر العباسي عبر إبداعات أدباء وأئمة وحكماء كالإمام الشافعي والبحتري والمتنبي وابن الرومي وغيرهم، وامتزجت في هذا العصر مع الثقافات المتنوعة الأخرى، حيث احتلت الترجمة في هذه المرحلة مكانة عالية، ناهيك عن تطويع اللغة، ثم تعريب وتوليد مصطلحات أخرى، وتحميل صيغ عربية، دلالات جديدة، وابتكار أوزانٍ وقوافٍ في الشعر لم تكن معروفة من قبل. وإن كان لبلاغة اللغة ورصانة التعبير فيما مضى من عصور مكانة، فللسهل الممتنع في العصر الحديث حضور مميز في اللغة، ولعل من أشهر الأدباء الذين ساهموا في إثراء اللغة في هذه الفترة، أمير الشعراء أحمد شوقي ومحمود سامي البارودي وجبران خليل جبران وطه حسين وعباس العقاد، ثم حقبة الحداثيين من أمثال نزار قباني ومحمود درويش. وما يستحق التوقف والتأمل أن عدد كلمات اللغات الأجنبية لا تتجاوز 600.000 كلمة كحد أقصى، بينما تحوي معاجم اللغة العربية ما يزيد على 12.302.912 كلمة من غير تكرار؛ وهذه الحصيلة كنز معرفي لغوي نباهي به الأمم؟ أليس من التقصير ألا تتجاوز نسبة المحتوى من لغة الضاد على الإنترنت أكثر من 3% فقط وفقاً لآخر إحصائية صادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات رغم ما نملك من كنوز اللغة وثروة درر الفكر العربي على مر العصور؟! الدكتور - عماد الدين حسين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©