الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البلجيكيون... والانفصال المقترح!

البلجيكيون... والانفصال المقترح!
11 سبتمبر 2007 23:23
قد تبدو نهاية الحياة القصيرة والسعيدة لبلجيكا أقرب من أي وقت مضى· ولكن، هل يجعل الطلاق -في حال حدوثه- الطرفين -الفلمنكيين الناطقين بالهولندية والوالونيين الناطقين بالفرنسية- أكثر سعادة؟ الفلمنكيون يجيبون بالإيجاب؛ فهم الطرف الذي يريد الانفصال لأنهم ضاقوا ذرعا -كما يقولون- بالثمانية مليارات يورو (نحو 11 مليار دولار) التي يقولون إنهم يساهمون بها كل عام في الضمان الاجتماعي لفائدة سكان البلاد ''الوالونيين'' -يشكلون نحو 40 في المائة من مجموع سكان البلاد الذين يقدر عددهم بـ10,4 مليون نسمة- الأقل رخاء· انتهى شهر أغسطس بانهيار المفاوضات -التي بدأت منذ الانتخابات الوطنية وأُجريت في العاشر من يونيو- حول تشكيل حكومة جديدة؛ حيث أعاد الزعيم الديمقراطي المسيحي الفلمنكي ''إيف ليتيرم'' التكليف إلى الملك ألبير الثاني، بسبب وصول الأحزاب الفلمنكية والناطقة بالفرنسية إلى طريق مسدود بخصوص برنامج يرمي إلى التوفيق بين مطالب الفلمنكيين بإدخال تعديلات على سياسة الرفاه الاجتماعي وبين تفويض أكبر للسلطة إلى المناطق، غير أن الوالونيين رفضوا مشروعي القانون· ولذلك، فإن المشاعر في المنطقة الناطقة بالهولندية -التي تؤيد انفصال الفلمنكيين- هي اليوم أقوى أكثر من أي وقت مضى، ويتم الدفاع عنها بقوة غير مسبوقة؛ كما تطغى على هذا النزاع -على غرار جميع حالات الطلاق- العاطفة والمشاعر الوطنية واللغوية والثقافية· والواقع أن لا أحد يعرف ما إن كان الانفصال المقترح سيحدث ومتى؟، وما إن كانت مزايا الحياة الفردية تبرر في نهاية المطاف تفكيك بلجيكا؟ ربما يكون الأمر كذلك، فالتشيكيون والسلوفاك انفصلوا عن بعضهم بعضا في ظروف مشابهة عام ،1993 بعد 92 عاما من الحياة المشتركة، ويبدون سعداء اليوم بعد طلاقهما· يعود الزواج البلجيكي إلى 1830-،1931 غير أن الشعبين كانت تربطهما علاقة خاصة وطويلة قبل ذلك بوقت طويل تعود إلى زمن ''الإمبراطورية الرومانية المقدسة''، في عهد ملك الفرنجة شارلمان في القرن التاسع، فقد كان الفلمنكيون والوالونيون وقتها اثنين من المجتمعــــات الاقطاعيـــة العديـــدة في الأراضي المنخفضة بالمناطق الساحلية لبحر الشمال، بين فرنسا ومصب نهر الراين· وقد بدأت تجربة البلجيكيين المشتركة مع النفوذ والهيمنة الخارجية مع أدواق بورجندي· وبعد انحدارهم، اتبعت البلدان المجاورة للبلجيكيين -هولندا وفرنسا وإسبانيا والنمسا- طموحاتها القومية والإمبريالية على حساب مناطق بلجيكية خاضعة للأدواق والأساقفة، وبعد هزيمة نابليون في معركة واترلو (غير بعيد عن بروكسل)، سلمت القوى العظمى منطقة ''فلاندرز'' الناطقة بالهولندية ووالونيا لهولندا، فخاض البلجيكيون تمردا، ونالوا في الأخير استقلالهم عام ·1839 تمثلت الصعوبة الكبرى بين هولندا والبلجيكيين الكاثوليك حين اتحادهم في تمييز هولندا البروتستانتية الغنية ضد سكان فلاندرز الناطقين بالهولندية، وهو ما كان انعكاسا لتاريخ وتجربة هولندا مع الاستقلال، ومكانتها الدولية باعتبارها قوة شبه عظمى وحليفة لانجلترا· فقد كانت فلاندرز في ذلك الوقت منطقة فقيرة وزراعية عموما، وهو ما جعلها تشعر بالاستياء من الرخاء والازدهار المتزايدين لمنطقة والونيا، التي كانت واحدة من أول المراكز الأوروبية للثورة الصناعية· وبعد الحربين العالميتين، اللتين دارت كلتاهما على التراب البلجيكي، أصبحت مصانع والونيا قديمة يعلوها الصدأ ولا تدر ربحا، ليختار الرخاء الاستقرار في الحقول الخضراء لمنطقة فلاندرز، لينقلب الحال· أما الملكية، -تعود لفترة الاستقلال في ثلاثينيات القرن التاسع عشر- فقد خاضت حربا عالمية سيئة؛ حيث استسلم الملك ''ليوبولد'' الثالث بعد 18 يوما فقط من القتال، وهو ما ساهم في تدني شعبيته· ونتيجة لذلك، أُقنع في 1951 بالتخلي عن الملك لابنه بودوان (والذي يخلفه اليوم عمه ألبير الثاني)، الذي أدى تواضعه وكفاءته إلى إصلاح ما تضرر من سمعة الملكية، وجعلها جسرا لا يمكن الاستغناء عنه بين المجموعتين اللغويتين المتنافستين· ومن العوامل المساعدة أيضا أن جعلت بلجيكا نفسها جزءا من دول ''البينيلوكس''، وهو اتحاد اقتصادي يضم بلجيكا واللوكسمبورج وهولندا؛ وعضو مؤسس اتحاد الفحم والفولاذ الأوروبي والاتحاد الأوروبي حاليا، والذي اختار مدينة ''بروكسل'' -الناطقة بالفرنسية والمحاطة بمناطق تتحدث الفلامنكية- لتكون مقرا له، مثلما فعل الناتو والعشرات من المؤسسات الأوروبية الأخرى· وتأسيسا على ما سلف، يمكن القول إن الزواج البلجيكي حافظ على كثير من المكتسبات، أكثر مما يستطيع أن يدركه البلجيكيون أنفسهم· وقبل بضع سنوات، قام باحث بجامعة ''لوفان'' البلجيكية بدراسة حول مواقف الأوربيين شملت البلدان الأوروبية من قيمهم ودياناتهم وقناعاتهم وطموحاتهم وأهدافهم، وكذلك الأمور التي يحترمونها، إلخ·· ليفاجأ أن الفلمنكيين والوالونيين يتشابهان في الكثير من الأمور، أكثر من تشابه الفلمنكيين بالهولنديين، أو الوالونيين بالفرنسيين· ويقول إنه اكتشف أن ''بلجيكا واحدة''، سواء شاء البلجيكيون ذلك أم أبوا· والواقع أنه في حال انقسمت بلجيكا، فإن البلجيكيين سيمكنهم التأكد، ربما بعد فوات الأوان، ما إن كان هذا الأمر صحيحا أم لا· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة تريبيون ميديا سيرفيس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©