الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القضاء العسكري منتهك ويبحث عن مخرج

القضاء العسكري منتهك ويبحث عن مخرج
11 سبتمبر 2007 23:24
لقد تمت إدانة عدد من الجنود الأميركيين وأفراد قوات المارينز في اتهامات تتعلق بقتل المدنيين في العراق، غير أنه لم يحكم على أي منهم بالسجن، كما لم تتم محاسبة أي منهم على الجرائم المرتكبة في سجن أبوغريب· وما هذا سوى قطرة من محيط الأخبار المزعجة التي يتم نشرها وتداولها عن القضاء العسكري· تدفع هذه الحالة المرء إلى التساؤل: لمَ أصبح من الصعب جداً عقد المحاكم العسكرية وإدانة مرتكبي الجرائم من العسكريين في الولايات المتحدة هذه الأيام؟ فعلى سبيل المثال كان مقتل 24 من مدنيي ''حديثة'' في العراق -بينهم نساء وأطفال- قد أسفر عن عقد محاكمة عسكرية لثمانية من جنود المارينز، بمن فيهم أربعة من الضباط، لكن وبعد مضي ما يقارب العامين على عقد المحاكمة، أسقطت التهم المثارة بحق اثنين -من بين أربعة متهمين بالجريمة نفسها- من الذين زعم أنهم أطلقوا النار على المواطنين المدنيين، إلى جانب إسقاط التهم عن أحد الضباط أيضاً· فهل يا ترى قد انهار نظام قضائنا العسكري؟ أم فشل القانون الجنائي العسكري في بلادنا؟ وهل أصبحت الولايات المتحدة الأميركية دولة تكثر من مجرد الحديث المجاني عن احترام قانون الحرب، بينما تقف في طليعة المنتهكين له·· أم ماذا؟! إن علينا ونحن نثير هذه الأسئلة مجتمعة، أن ندرك بأن جرائم الحرب هذه لا تشمل سوى قلة من عشرات الآلاف من جنودنا ومحاربينا المرابطين حتى الآن في كل من أفغانستان والعراق· كما أن مجرد توجيه الاتهام لأحدهم لا يعني إدانة الشخص المعني· كما يجدر الذكر أيضاً أن القانون الجنائي العسكري قد أثبت مصداقيته في فترتي السلم والحرب معاً -بما في ذلك أفغانستان والعراق- غير أن المشكلة التي لا بد من الاعتراف بها، هي الصعوبة المتعلقة بإثارة التهم ضد جرائم الحرب· ففي الوقت الذي يعمل فيه هذا القانون على أحسن ما يكون، إلا أن قانون الحرب -ذلك الجزء من القانون الدولي المنظم للعداءات المسلحة- يعجز عن أداء وظيفته ودوره كما ينبغي، ولذلك السبب فكثيراً ما تمر جرائم الحرب من دون أن تسجل أو ترصد· وهذا ما ينطبق تماماً على المراحل المبكرة من نشوب النزاع العراقي، ولكن وبعد انتشار الفضائح المؤسفة التي شهدها سجن أبو غريب، فقد تزايد الاهتمام وسلطت الجهود على ضرورة تطبيق نصوص قانون الحرب، الأمر الذي يفسر اتساع نطاق التغطية الإعلامية للجرائم المرتكبة في الحرب في وسائلنا الإعلامية· والذي حدث في ''حديثة'' أن جندياً أميركياً من قوات المارينز لقي حتفه إثر انفجار قنبلة، وحتى الآن فقد كشفت عدة تحقيقات أجريت حول هذه الحادثة، أن قائد فرقة المارينز المعنية، أنكر أن تكون قواته قد ارتكبت جريمة حرب في تلك الحادثة، بينما فشل في الوقت نفسه عن إجراء ما يكفي من التحقيقات العسكرية حول الحادثة· وهذا ما دعمته مجلة ''تايم'' الأميركية وروجت له، بينما عقدت القيادة العامة لقوات المارينز العزم على المضي في محاكمة المتهمين المحتملين في الحادثة، بمن فيهم كبار الضباط الذين أخفقوا في التحقيق بما يكفي في ما حدث، وبالفعل فقد تمت معاقبة قائد فرقة المارينز المعنية إدارياً· غير أن تعدد وتكرار وقوع هذه الحوادث، يخلقان صعوبات كبيرة أمام الادعاء والتقاضي، سواء كان مدنيا أم عسكريا، هذا هو ما حدث في معسكر ''بيندلتون'' الحربي، حيث واجه المدعون في حادثة ''حديثة'' الكثير من الضغوط والمصاعب، وتم استدعاء كافة المحامين الذين توفروا في المكان إما لتمثيل طرف الادعاء أو الدفاع في جلسات الاستماع الأولى حول ملابسات وقوع الحادثة· وللغرض نفسه، فقد دعي إلى تلك الجلسات جميع محامي قوات المارينز المنتشرين على امتداد الولايات المتحدة الأميركية بأسرها· وعلى رغم ذلك كله، فقد ارتكبت الأخطاء وكثرت الحصانات الممنوحة لعدد ممن كان يجب توجيه الاتهامات بحقهم· ومن بين التساؤلات الحائرة التي أثارتها الإجراءات تلك: هل تمكن بعض المشاركين في الحادثة من النجاة بجرمهم من دون أن يسائلهم عليه أحد؟ ولماذا أسقط كل هذا العدد من التهم المثارة أصلاً بحق المتهمين؟ ولأي مدى مضت العملية القضائية الخاصة بتلك الحادثة في مجراها الطبيعي وصولاً إلى مرحلة النطق بالحكم والإدانة؟ لكن وفي الإجابة عن هذه الأسئلة جميعاً، فإنه يجب القول إن المحاكمة الفعلية للمتهمين في تلك الحادثة لم تبدأ بعد، وعليه فلا يزال الأمل في أن تكون المحاكمة هذه، نموذجاً يحتذى في ممارسة قضائنا العسكري· لكن وفي المقابل، فإن هناك محكمة أخرى بالغة الأهمية فيما يتصل بجرائم الحرب، لم يتسن لها أن تمضي كما يرام في طريق تحقيق العدالة، يقصد بهذه محاكمة المتهمين بارتكاب فضائح سجن أبوغريب، والذي يثير القلق فعلاً أن كبار الضباط المتهمين جرى توبيخهم إدارياً وليس قضائياً، والضابط الوحيد ''ستيفن جوردان''، الذي اتهم بين كبار الضباط المتورطين في تلك الفضائح، أسقطت عنه جميع الاتهامات المتعلقة بالمسؤولية الجنائية عن إساءة معاملة سجناء أبوغريب· وبصرف النظر عما إذا كان هذا الضابط بريئاً أم مذنباً، فإن ما يستدعي الملاحظة هو أن إجراءات الادعاء بحقه لم تتم بما يلزم من مهنية في ممارسة القضاء· وفي هذه القضية بالذات، تكشف ضعف القضاة العسكريين أمام المحامين المدنيين الأكثر تمرساً في المهنة ودراية منهم بحيل التقاضي والترافع في المحاكم، وهو ضعف لا بد للقضاء العسكري تجاوزه على صعيد الممارسة العملية وليس التأهيل الأكاديمي غير المشكوك فيه· قاضي ادعاء سابق بقوات المارينز وأستاذ القانون الحربي بجامعة جورج تاون ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©