الصورة تتكلم

شاهدت على فضائية إخبارية تقريراً عن خرق الطائرات الحربية الإسرائيلية للأجواء السورية الأسبوع الماضي· وقد استوفى نص التقرير شروطه اللازمة، من ناحية المعلومة والتحليل ووجهة النظر، وترافق مع شريط مصور ظهرت فيه طائرات حربية عملاقة ممهورة بنجمة داوود تقلع وتحلق وتهبط· في التقرير غلبت الصورة الكلمة، فما ورد في النص يحتمل المناقشة، قد تقبله بمجمله أو تتحفظ على بعض ما ورد فيه، وهذا من حق كل مشاهد، أن يخضع للاختبار كل مادة إعلامية يتلقاها· لكن عندما تطغى الصورة على النص، وتملأ الشاشة طائرات مخيفة ومدمرة، فإن كل اختبار لحقائق (المشهد) يصبح كأنه مجادلة عقيمة مع الراسخ، ومحاولة فاشلة لتقويض ما أثارته الصورة من انطباعات· ومن نافلة القول إن من حق كل محطة تلفزيونية أن تدعم تقاريرها بصور تستعين بها من أرشيفها أو من أرشيف وكالات الأنباء العالمية، لكن من حق المشاهد أيضاً أن يقرأ على الشاشة أن ما يشاهده هو صور أرشيفية، فيستقيم عنده ميزان الانطباعات· والانطباعات الأولية تدوم إلى الأبد كما يقول مثل إنجليزي، أما في مجال الإعلام المرئي فهي ذات أصول نازية· فقد أسرف جوزيف جوبلز (1897 ـ 1945)، وزير إعلام هتلر، وهو صاحب نظرية (نصف الحقيقة)، في خلق رسائل إعلامية مصورة تثير انطباعات أكثر مما ترسخ حقائق· وفي هذا المجال كان جهاز جوبلز يعمد إلى بث صور لا تزيد مدتها عن جزء من الثانية خلال عرض الأفلام الروائية داخل صالات السينما· كانت تلك الصور تتضمن مشاهد (للزعيم) أو لمسيرات النازيين المشهورين بنظامهم الحديدي، فتنعكس في لاوعي رواد الصالات المعتمة انطباعات لا تقاوم· قبل سنة أعدت زميلة تحقيقاً صحافياً عن النفايات في مدينة أبوظبي· تحدثت الزميلة عن سوء سلوكيات السكان في التخلص من نفاياتهم، وعن تقصير الجهة المعنية في سرعة إزالة النفايات من المستوعبات المخصصة لها، واستعرضت الآثار السيئة لمثل هذه الظاهرة· كان التحقيق على صفحة كاملة مدعوماً بصور التقطها المصور من مكب للنفايات بجانب إحدى العمارات، فبدت الصفحة وكأنها تفيض بالزبالة ورائحتها· لكن القلم الأحمر لمدير التحرير شطب على الصفحة بكاملها قبل النشر قائلاً: إن أبوظبي ليس كذلك· وفعلاً، فإن من يتجول في شوارع أبوظبي، حتى الداخلية منها، لا يقع على حجم النفايات التي حفلت بها صفحة كاملة من موقع واحد· طبعاً، لا يقبع جوزيف جوبلز، في عقل معد التقرير الإخباري للمحطة التلفزيونية، وليس هو المثل الأعلى للزميلة النشيطة، لكن الصورة على الشاشة أو في صفحة الجريدة، قد تكون عامل تشويه للحقائق بقدر ما هي عامل ترسيخ لها· adelk85@hotmail.com