حجاج غزة... في مهب الريح

مازالت أجواء الترقب والانتظار تسيطر على الفلسطينيين الراغبين في أداء مناسك الحج لهذا العام على ضوء تفاقم الخلافات بين حكومة تسيير الأعمال في رام الله بالضفة الغربية، والحكومة المقالة بغزة حول المسؤولية عن هؤلاء الحجاج· ولم يخف العديد من الفلسطينيين الراغبين في الحج امتعاضهم الشديد من امتداد الخلاف بين الأشقاء في رام الله وغزة إلى هذه الدرجة، بحيث تطول أحد الشعائر التعبدية في الإســلام، وباتت تهدد موسم الحج برمته· ووسط تبادل الاتهامات بين وزارتي الأوقاف في الحكومة المقالة برئاسة حركة حماس التي تسيطر على الأوضاع في قطاع غزة، والحكومة المكلفة من الرئيس محمود عباس الذي يتزعم حركة فتح من جهة، وإغلاق المعابر والحصار القائم من جهة أخرى، صدم حجاج قطاع غزة بنكسة قد تعطل أداءهم الفريضة الشرعية لهذا العام· فقد قال مهدي وقد انتابه الذهول من هذه الخلافات :''هذا الشيء الذي يعد فعلاً في قمة الاستياء الذي يصل حد الشعور بالعار، فيبدو أنه حتى طاعة الله وأداء شعائره لن تسلم من خلافات فتح وحماس''· وتابع قائلا ''سجلنا أسماءنا في عهد وفاق الحركتين قبل أكثر من أربعة شهور، وعندما حان موعد القرعة كما هو معتاد سنوياً، وبدأت تحضيراتنا لموسم الحج الذي ينتظره الجميع، نفاجأ بهذه الخلافات التي قد تصل للآسف لحرماننا من موسم الحج''· كانت وزارة الأوقاف في الحكومة المقالة اتهمت في بيان لها، الحكومة المكلفــة بالسيطرة على حسابــات هيئة الحج والعمرة، مشيرة إلى أن ذلك سيؤدي إلى شل قدرة وزارة الأوقاف في محافظات غزة على القيام بواجبها في خدمة المعتمرين والحجاج للعام الحالي· وفي المقابل، حملت وزارة الأوقاف في الحكومة المكلفة الجهات التي وصفتها بفاقدة الشرعية والحكومة المقالة، مسؤولية أي ضرر يلحق بحجاج المحافظات الجنوبية لهذا العام، محذرةً من تعطيل موسم الحج في حال تدخلت حركة حماس بشؤونه· شعور الغضب والاستياء هو ذاته الذي تملك الفلسطيني فاروق أبو جاد -من غزة أيضاً- بينما كان يراجع بصحبة والدته المسنة لدى وزارة الأوقاف في غزة آخر التجهيزات لموسم الحج -بعد صدور اسمه في القرعة التي أجرتها حكومة حماس- وهو يردد بنبرات ساخرة: ''ما يكفي علينا الحصار الإسرائيلي، كمان إحنا بنقف لبعض''· كما أشار أبو جاد (47 عاماً) الذي ينوي أداء الفريضة هذا العام بعد أن سجل اسمه مع والدته، غير أنه أصيب بخيبة أمل شديدة بعد سماعه عن الخلافات التي جعلته لا يعرف الآن أية قرعة ستعتمد، وعبر أي معبر سيسافر الحجاج، ولا بأية وسيلة سيتم التنسيق والترتيب لهم، وقال إن الحج فريضة شرعية والخلاف حولها لا محالة سيعطلها، وأكد كذلك على أن الجميع مسؤول ومدان أمام الشعب، مطالباً باتفاق عاجل على القضايا التي تهم وتمس المواطنين الفلسطينيين وتمس القضية سياسياً، وإبعاد الخلاف القائم حاليا عنها حتى الوصول لتفاهمات نهائية حول الأزمة الراهنة ''فالتصالح والحوار والتفاهم اقصر الطرق للتغلب على الخلافات''· وكان الأمر وصل وفقاً لوزارة الأوقاف في رام الله لدرجة تهديد مسؤولي شركات الحج والعمرة في محافظات غزة، ومنعهم من إرسال أسماء الحجاج للهيئة في رام الله، لإجراء القرعة الأمر الذي من شأنه أن يحرم مواطني محافظات غزة من أداء فريضة الحج· وأكد وزير الأوقاف ''جمال بواطنة'' بصفته رئيس مجلس إدارة هيئة الحج والعمرة، أن جهة الاختصاص فيما يتعلق بالقرعة وبجميع ترتيبات الحج هي هيئة الحج والعمرة، بهيكليتها وتشكيلتها الحالية المقرة من مجلس وزراء الحكومة الشرعية، وأن أي إجراءات من قبل الجهات غير الشرعية في غزة لن يتم التعامل معها· ودعا ''بواطنة'' شركات الحج والعمرة العاملة في قطاع غزة إلى الإسراع في إرسال أسماء المتقدمين للحج إلى الهيئــة قبل فوات الأوان ''لكــي يتم الانتهــاء من القرعة والإجراءات الرسمية من دون تأخير''· ومن جهته، قلل صالح الرقب وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في الحكومة المقالة -والذي عينته حركة حماس قبل عام بمنصبه- من قيمة التصريحات التي أدلى بها مسؤولون في رام الله حول حرمان حجاج قطاع غزة من السفر بسبب سيطرة أوقاف غزة على مكاتب الحج والعمرة· وقال الرقب: ''إنه لن تستطيع الحكومة الحالية منع أهالي غزة من الحج لبيت الله الحرام''، لافتاً إلى أن موسم الحج ما يزال يحتاج إلى أكثر من ثلاثة أشهر ''ونحن على أتم الاستعداد''· وكان وزير الإعلام الفلسطيني في حكومة رام الله رياض المالكي حذر من مشكلة معقدة فيما يخص حجاج قطاع غزة، قد تفضي إلى عدم خروج أي حاج من القطاع هذا العام، مشيراً إلى أن الأوقاف في رام الله أتمت قوائم الحجاج ليتم فرزها وتحديد الأسماء التي ستذهب لأداء فريضة الحج، إلا أن حجاج غزة يواجهون مشكلة بسبب إصرار أوقاف ''حماس'' على العمل بهذا الملف· واعتبر ''الرقب'' أن هذه التصريحات تأتي من باب التشويش على عملية الحج والتأليب ضد ''حماس'' ليس إلا· وأشار الرقب إلى أن الوزارة المقالة أجرت القرعة برعاية رئيس الوزراء المقــال إسماعيل هنيـة وعــدد من نواب ووجهاء غزة، حيث تم اختيار 2200 حاج من أصل 11 ألفا سجلوا للحج هذا العام· فيما أوضحت وزارة الأوقاف في الحكومة الحالية أن الأسماء التي أفرزتها قرعة الحكومة المقالة في قطاع غزة مؤخراً غير معتمدة ''لأنها صادرة عن جهة غير مسؤولة وأن التنسيق مع الجهات المختصة بموضوع الحج والعمرة في الأردن ومصر والسعودية يتم من خلال الحكومة الشرعية فقط''· وبين مسلسل الخلافات والتباينات في غزة ورام الله يقف حجاج غزة عاجزين أمام تراجع القضية الوطنية سياسياً وإنسانياً، متسائلين هل تصل الخلافات حد حرمانهم من فريضة شرعية وتعطيلها بأيد فلسطينية· محمد أبو عبده - غزة