الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

باموك: الطفولة جزء مني ولا أريدها أن تغادرني

باموك: الطفولة جزء مني ولا أريدها أن تغادرني
13 سبتمبر 2007 00:21
تزامن صدور كتاب أورهان باموك الجديد ''ألوان أخرى Other Colours'' عن دار فايبر آند فايبر الإنجليزية - وهو أول كتاب يصدر له بعد فوزه بنوبل 2006 - مع الأمسية الحيوية التي أقامها مؤخراً في قاعة الملكة إليزابيث، كبرى قاعات الساوث بانك في لندن وحضرها قرابة ألف شخص من جماهير مختلطة الأعراق والألوان واللغات· وقد بدا باموك في أمسيته أكثر عفوية وطفولة، مما يتوقع المرء من كاتبٍ حاصرته الأضواء مؤخراً وتوزعته الأسئلة الكبرى - والطفولة صفة يلحّ باموك على عدم التخلّي عنها برغم ما يتخللها من حماقات صغيرة وزلاّت وبراءة تقترب من السذاجة، حيث قال: إنها جزء مني لا أريدها أن تغادرني وأنا أجلس معكم الآن· وبالفعل، فقد تحدّث باموك بحماس طفل واستطرد في نقش الوقت بتفاصيل صغيرة وحميمة بل ومضحكة أحياناً، مما جعل الحضور أكثر تفاعلاً وقرباً· لقد حضرت استامبول وسنوات الطفولة والشباب وعلاقته الوثيقة بابنته الوحيدة ''رؤيا'' وعلاقتها هي الأخرى بالمدرسة التي يأخذها إليها كل صباح والتي يشترك معها في النفور منها ومن أسوارها، مثلما حضر ديستويفسكي وبروست والقراءات الأولى· بدأ باموك الأمسية بقراءة مقاطع من كتاب ''ألوان أخرى''، وهو كتاب جمع في حضنه نصوصاً ومقالات وفتات من سيرة ذاتية ومقطوعات تأملية في الأدب والفن والسياسة، كتبها على مدى أكثر من عقدين من الزمن، كما احتوى على نصّ الخطبة التي ألقاها في حفل تسلّم جائزة نوبل، والتي حملت عنوان ''حقيبة أبي''، ثم انتقل بعدها للإجابة عن أسئلة المُحاور التي خصّت مرحلة التشكل ودور الكاتب في تركيا والعلاقة بين الشرق والغرب قبل أن يفتح باموك صدره لأسئلة الحضور التي بدأت بالسؤال عن علاقة الرسم بالرواية من منظور شخصي، وعما إذا كان باموك الرسّام قد ساهم في بلورة أعمال باموك الكاتب، وهو أمر أكد عليه ونعرف أن ''اسمي أحمر'' هي واحدة من تجلياته، وانتهت بسؤال أحدهم عن لذّة الاكتشاف وكيميائية العلاقة بين الأشياء، التي منحها باموك جزءاً من حديث الأمسية، مؤكداً أنها تكمن أحياناً في الشؤون اليومية التي يقتسمها الناس دون أن يفطنوا إلى وجودها وحاول أن يمرّر رسالة صغيرة مفادها أن السعادة موجودة في أبسط الأمور، كشرب الماء مثلاً، وأنه من العبث أن يحاول الإنسان رصدها في لحظة مجمّدة أو أن يفني سنوات عمره في البحث عنها· حول ''الحياة الجديدة'' التالي ترجمة لمقطع من كتابه الجديد ''ألوان أخرى'': بدأتُ كتابة ''الحياة الجديدة'' وأنا في منتصف رواية أخرى وبطريقة لم أكن لأتنبأ بها· كنت أعمل على الرواية التي ستكون ''اسمي أحمر''، وقد دُعيت إلى مهرجان في أستراليا ووصلت إلى هناك بعد رحلة طويلة· أخذوني وحفنة من الكتاب المدعوّين إلى الفندق ثم خرج ثلاثة منّا إلى الشاطئ: طبيب الأمراض العصبية أوليفر ساكس والشاعر ميروسلاف هولاب وأنا· كان الساحل لا نهائياً، والسماء رمادية وبدا البحر هادئاً ورمادياً تقريباً والهواء ساكناً· كنت أقف على حافة القارة التي كنت أنظر إليها كرأس حصان في طفولتي· غادر ''ساكس'' ومعه لوحة ألوانه مبتعداً إلى طرف الشاطئ، فيما ذهب ''هولاب'' للبحث عن الحصى والمحار قبل أن يختفي بسرعة عن ناظري، وبقيت أنا وحيداً أمام الساحل اللانهائي· كانت لحظة غامضة تلك التي ذكّرت فيها نفسي ''أنا كاتب''· كنت سعيداً لأنني على وجه الحياة، ولأنني واقف في تلك البقعة، ولأنني في هذا العالم· في ذلك المساء أقاموا حفلاً كبيراً على شرفنا نحن الكتّاب، لكنني كنت متعباً ولم أذهب· شاهدت الحفل من شرفة الفندق، وكانت الأصوات والأضواء ترشح عبر أوراق الأشجار، وبالنسبة لي فإن مشاهدة الحفل عن بعد كانت تشبه موقف الكاتب من الحياة نفسها· وفي عين تلك اللحظة، دخل أوليفر ساكس من الباب المجاور فأخبرته أنني لم أستطع النوم بعد تلك الرحلة الطويلة· جلب لي قرصا منوما من غرفته قائلاً ''أنا الآخر لم أستطع النوم، دعنا نقتسم هذه الأقراص'' فأجبته كمن ينفي عن نفسه تهمة تعاطي المخدرات ''لم يسبق لي أن أخذت أقراصاً منومة''· قال ''ولا أنا، لكنها العلاج الوحيد لتعب الرحلة''· إنه طبيب أعصاب وكاتب أكبره، ولذا فقد تناولت القرص من راحة يده، وشكرته، وعدت إلى غرفتي، وابتلعت القرص، ثم ذهبت إلى فراشي منتظراً النوم الموعود، غير أنه لم يأت· وكان الخاطر الذي راودني سابقاً عن كوني كاتباً قد امتزج الآن بتوقي للـ''صفاء''، للحقيقة· كنت مستلقياً على سريري في الظلمة، أفكّر في الحياة، وقد شعرت بأن السعادة بكتابة شيء جميل هي الأمر الوحيد الخليق بأن يجلب لي الراحة· نهضت من سريري مثل من يمشي نائماً، وأخرجت دفتر ملاحظاتي الذي يرافقني دائماً، وجلست على الطاولة في تلك الغرفة الكبيرة، وبدأت في الكتابة: ''قرأت كتاباً ذات يومٍ، فتغيرت حياتي كلها''· كانت هذه الجملة تسكنني منذ سنوات، وكنت كثيراً ما أردت أن أبدأ رواية بمثل هذه الجملة، ويكون بطلها مثلي· سوف لن يعرف القرّاء ما الكتاب الذي قرأه البطل، وسيعرفون فقط ما حدث له بعد انتهائه من قراءة الكتاب· وسيستخدم القرّاء بعض المعلومات المطروحة ليتعرفوا على نوعية الكتاب الذي قرأه الشاب· إنني بهذه الطريقة بدأت في كتابة رواية ''الحياة الجديدة''، ولم يمض وقت حتى وجدتني مأخوذاً بها وقد كنت سعيداً بذلك· لقد أخذت إجازة من ''اسمي أحمر''، واستغرقت في كتابة هذه الرواية طيلة سنتين، وقد بقيت مخلصاً للشكل الذي جاءت عليه، وهو شكل القصيدة·
المصدر: لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©