الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكلام نشر وطي

الكلام نشر وطي
13 سبتمبر 2007 00:57
روي أنه في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك تعاقبت على الناس مدة أمسكت فيها السماء عن المطر، فساءت أحوال الناس، فتوجه أهل البيداء الى هشام يطلبون منه العون، فاستقبلهم هشام، وكان أحدهم قد اصطحب ولده معه، فلما استقبلهم هشام ورأى ذلك الغلام امتعض وغضب وكانت فيه غلظة، فنادى حاجبه وقال له في غضب: ما شاء أحد أن يدخل عليّ إلا دخل حتى الصبية؟! ففهم ذلك الغلام أنه بذلك القول مقصود، فوثب حتى وقف بين يدي هشام، وقال: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى إذا أعطى عبده قلباً حافظاً، ولساناً لافظاً، فقد أعطاه الخير كله، وإن للكلام نشراً وطياً ولا يُعرف طيُّه الا بنشره فإن أذن أمير المؤمنين أن أنشره نشرته إن شاء الله! فطرب هشام من الغلام لقوة جنانه وحلاوة بيانه فقال له على الفور: انشره لله درك! فقال الغلام: يا أمير المؤمنين لقد تعاقبت علينا سنون ثلاث: سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم· وفي بيوت أموالكم فضل مال، فإن كان للمسلمين فلماذا تمنعونه عن أصحابه؟ وإن كان لله فلِمَ تمنعونه عن عباده؟ وإن كان لكم فتصدقوا به، فإن الله يحب المتصدقين· فعجب هشام وقال: ما ترك الغلام واحدة من الثلاث، وأمر بفتح بيت المال وإعانة الوفود والمحتاجين، وأمر للغلام بمائة ألف درهم· وقيل: إن اسمه درواس بن حبيب، وكان في العاشرة من عمره· أخبرتك بما سألتني روى ابن عاصم الأندلسي أن عالماً رأى غلاماً يسير وهو يمسك بشمعة متقدة فأراد أن يختبره فقال له: يا غلام، أتعرف من أين يأتي هذا الضوء؟ قال: إن أخبرتني أين يذهب إذا انطفأت أخبرتك بما سألتني! أحق بمجلسك منك روي أن الوفود قدمت على عمر بن عبدالعزيز ''رحمه الله'' فاستقبلهم، وكان أحدهم اصطحب ولده معه، ولما استقر المجلس استشرف ذلك الغلام للكلام· فقال له عمر يا بُنَي دع من هو أسن منك يتكلم· فوثب الغلام حتى وقف بين يدي عمر وقال له: يا أمير المؤمنين لو أن الأمور كانت تقاس بالسن لكان في مجلسنا هذا من هو أحق بمجلسك منك! فأعجب عمر برده، وقال له: تكلم يا بني، فقال: يا أمير المؤمنين نحن وفد التهنئة، ولسنا وفد الترزئة، فقد أدركنا في زمنك ما طلبنا وأمنّا فيه ما خفنا· ففرح عمر بسماع ذلك، وكان بجواره محمد بن كعب القرظي، فقال له: يا أمير المؤمنين لا تغتر بما تسمع فإنك أعرف بنفسك من غيرك، وان قوماً غرهم الثناء فهووا الى العذاب، وأعيذك بالله تعالى أن تكون منهم، فبكى عمر، وقال: اللهم لا تحرمنا من واعظ· أيام باذنجان عن بعض أصحاب المبرد أنه قال: انصرفت من مجلس المبرد يوماً فجزت بخربة فإذا بشيخ قد خرج منها ومعه حجر فهم أن يرميني به فتترست بالمحبرة والدفتر فقال مرحباً بالشيخ، فقلت: وبك، قال: من أين أقبلت؟ قلت من مجلس المبرد، قال البارد، ثم قال ما الذي أنشدكم فكان من عادته أن يختم مجلسه ببيت أو بيتين من الشعر فقلت له أنشدنا: أعار الغيث نائلـه إذا ما ماؤه نفـدا وإن أسد شكا جبناً أعار فؤاده الأسدا فقال: أخطأ قائل هذا الشعر، قلت كيف؟ قال: ألا تعلم أنه إذا أعار الغيث نائله بقي بلا نائل وإذا عار الأسد فؤاده بقي بلا فؤاد· قلت: فكيف كان يقول فانشد: علم الغيث النـدى فـإذا ما وعاء علم البأس الأسد فإذا الغيث مقر بالـنـدى وإذا الليث مقر بالجلـد قال فكتبت وانصرفت، ثم مررت يوماً آخر بذلك المكان فإذا به قد خرج وبيده حجر فكاد يرميني فتترست منه، فضحك وقال: مرحباً بالشيخ فقلت: وبك، قال من مجلس المبرد قلت نعم، قال: ما الذي أنشدكم قلت أنشدنا: إن السماحة والمروءة والنـدى قبر يمر على الطريق الواضح فإذا مررت بقبره فأعقـر بـه كوم الجياد وكل طرف سابـح فقال: أخطأ قائل هذا الشعر، فقلت كيف؟ قال ويحك لو نحرت بخت خراسان لما أبر في حقه، قلت كيف كان يقول فأنشد: احملاني إن لم يكن لكما عقر إلى جنب قبره فاعقـرانـي وانضجا من دمي عليه فقد كان دمي من نداه لو تعـلـمـان قال: فلما عدت إلى المبرد قصصت عليه القصة فقال: أتعرفه؟ قلت: لا، قال: ذلك خالد الكاتب تأخذه السوداء أيام الباذنجان·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©