الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفرد والمجتمع في التشريع الإسلامي

13 سبتمبر 2007 01:02
أسأل الله تعالى وأدعوه أن يجعل شهرنا هذا شهر بركة ونصر وفتح على الأمة الإسلامية التي تملأ المرارة نفوس أفرادها، ويتربع الألم على صدورهم، ينشدون الرفعة والعزة والكرامة لاسيما وهم يرفلون هذه الأيام فيما لا يتمنون ويكلل جباههم ما لا يريدون· أخواتنا يُغتصبن، وإخواننا يذبحون، والأرامل يصرخن، والمكبوتون يئنون وهم يرون ما تقشعر له الأبدان، المهابة لم تعد لنا لحبنا الحياة وكرهنا للموت، نملك الأموال وأعدادنا كثيرة منتشرة في كل مكان، ومواقعنا محورية، ومع ذلك نستجيب بوعي وبدونه لمن يخطط لإبادتنا وذبحنا، وأصبحت منطقتنا منطقة البؤساء ومحيطهم، وإن بقي هذا المحيط فليبق ضعيفاً مفككاً، نسأل الله العافية والسلامة· وأجد نفسي وأنا أحاول أن ألتقط أفكار مقالاتي الرمضانية هذه حائراً في موضوعها، ووجدت أخيراً أن الكتابة عن الفرد والجماعة وحقوقهما في التشريع الإسلامي مهمة خصوصاً في هذا الوقت العصيب، عسى الله أن يجعل صيامنا جميعاً مقبولاً، وقيامنا خالصاً لوجهه الكريم· إن الفرد هو منطلق النشاط في المجتمع، ومن الواجب أن يُعطى الفرصة دون تمييز، والجماعة هي الهدف الذي يتجه نحوه النشاط الفردي، وهي الحد الذي ينتهي معه حق الفرد في ممارسة نشاطه، وفيما عدا القيد الجماعي فإن الفرد حر في تصرفاته وفي الاستفادة من نتائجها· والجماعة ممثلة في ولي الأمر مسؤولة عن تأهيل الفرد، ومسؤولة عن إجباره على التعلم، ومسؤولة عن ضمان معاشه، إذ إنه نقطة الانطلاق إلى الجماعة التي هي هدف نشاطه وجهده· من هذه المقدمة نعلم أن إشكالية الفرد والجماعة هي من أهم القضايا في هذا العصر، وتتفرع من هذه الإشكالية مسائل فرعية كثيرة، فحقوق الفرد والجماعة تحتاج إلى موازنة مستمرة دائمة· إن هذا الصراع حسب ما يراه الاشتراكيون يتمثل في تركيز الجهد على مصلحة الجماعة وإغفال الفرد، بل عدم الاعتراف بوجوده أصلاً، مما أدى إلى حرمانه من ثمرات جهوده وتجريده من كرامته ومعظم حقوقه، نعم: حرص على توفير غذائه وكسائه وحماه ضد البطالة، ولكنه سلبه حقوقه الاجتماعية والسياسية وحريته الشخصية، وكبح جماح طاقته -لأجل ألا تضر بالمجتمع كما يزعمون- حتى لو كان من الممكن استثمارها لخير المجموع، وفي آخر الأمر تضرر المجتمع وانخفضت الإنتاجية لانعدام الحافز· أما العالم المادي الحر فعلى العكس تماماً إذ يغض الطرف أحياناً عن مغالاة بعض الأفراد في ممارسة حقوقهم بشكل تُضارُّ معه الجماعة، نعم: هو يهتم بالحقوق الاقتصادية، ولكنه لا يضمن للفرد الكساء والغذاء· والفجوة بين هذين العالمين- كما هو واضح الآن- بدأت تضيق، فبدأ الاشتراكيون في منح الفرد حقوقه في الملكية، وبدأ كبح جماح بعض الأفراد عند الماديين بتشريعات تقيد التملك والمنافسات غير المشروعة، والفجوة هذه أدت إلى أن نظاماً واحداً هو السائد -أوالذي سيسود- في العالم اليوم، نظام يعطي للفرد كيانه وكرامته وحقوقه ليستخدمها لهدف أساسي هو مصلحة الجماعة دون أن تتجاوز حقوقه هذه المصلحة، وهذا النظام الواحد هو صورة للنظام الإسلامي الذي يجعل الجماعة أمراً مقدساً ينطلق الأفراد داخله· فمنذ عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم برزت الفكرة الجماعية وطبقت عملياً، وتبع ذلك فقهاؤنا رحمهم الله تعالى· فالتكافل الاجتماعي عندنا معشرَ المسلمين موجود، ومعناه أن الفرد في كفالة جماعته، وعليه أن تتضافر جهوده حسب طاقته وعمله لخدمة جماعته، قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وفي حديث آخر رواه الشيخان يقول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)· د· عبد الله فدعق فقيه ومفكر سعودي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©