الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدينار الأحمدي.. فخر الدولة الطولونية

الدينار الأحمدي.. فخر الدولة الطولونية
13 سبتمبر 2007 01:03
في العصور الوسطي كان ''الدينار الأحمدي'' الاسم العلم على الذهب الجيد الذي لا مثيل له، والذي ينسب اليه هذا الدينار هو والي مصر الأشهر أحمد بن طولون· وتولى هذا الأمير التركي الأصل ولاية مصر في عهد الخليفة العباسي المعتمد على الله في وقت كانت الخلافة تحرص فيه على توزيع الصلاحيات الادارية في ولاياتها على عدد من الموظفين خشية استقلال الولاة الأتراك بهذه الولايات كما جرى الأمر في بعض الأقاليم الشرقية، ولذا كانت ولاية ابن طولون تقتصر على إمرة الحرب والصلاة، فيما تولى ابن المدبر أمر الخراج ''المالية'' وكان هناك ايضا صاحب للبريد ''الاتصالات''· ولكن أحمد بن طولون منذ وصوله الى مصر في عام 254هـ تحدى هذا التوزيع للصلاحيات وشرع يناهض سلطة ابن المدبر، وأصدر فلوسا نحاسية باسمه وإن لم يستطع أن يسجل اسمه على الدنانير الذهبية التي بقيت تحمل اسم المعتمد وولي عهده المفوض الى الله· وإزاء نجاح أحمد بن طولون في التحكم بما يرد الى بغداد من خراج مصر سعى ''الموفق طلحة'' شقيق الخليفة والمسؤول عن حرب العباسيين ضد ثورة الزنج الى الاستيلاء على ايرادات مصر لتمويل الحرب، ولكن ابن طولون لم يرسل له سوى أقل من ثلاثة ملايين من الدنانير، فغضب الموفق وحاول عزل أحمد بن طولون عن ولاية مصر وتعيين ''تحرير الخادم'' مكانه، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل، وخلفت وراءها بعض الدنانير التي ضربت في بغداد وهي تحمل اسم دار الضرب مصر واسم ''تحرير'' أسفل اسم الخليفة المعتمد· ورغم نجاح ابن طولون في تثبيت سلطته بمصر وتأسيسه لمدينة جديدة صارت عاصمة لولايته وهي مدينة ''القطائع'' التي لم يبق منها سوى جامعه الكبير، إلا أنه لم يفكر في تسجيل اسمه على الدنانير الذهبية الا ابتداء من عام 266هـ، وعرفت هذه الدنانير بالأحمدية لأنها حملت اسم أحمد بن طولون الى جانب اسم الخليفة المعتمد، وهي تتماشى في طرازها العام مع طراز الدنانير العباسية السائدة آنذاك ولا يفرقها عن غيرها سوى أسماء دور الضرب التابعة لنفوذ الطولونيين في مصر والشام مثل دمشق وحمص والرملة بالاضافة الى اسم الوالي الطولوني· أوزان شرعية اكتسبت الدنانير الأحمدية شهرتها في الشرق الاسلامي بفضل وزنها القريب دوما من الوزن الشرعي للدينار الاسلامي ''4,25 جرام'' وارتفاع عيارها الذي وصل الى 23,5 قيراط وهو أعلى عيار عرفته الدنانير الاسلامية في تاريخها الطويل كعملة دولية للتجارة في العصور الوسطي· التعدين وهناك عوامل مختلفة ساعدت الطولونيين على تجويد عيار دنانيرهم، فبالاضافة الى احتفاظهم بالجزء الأكبر من خراج مصر لجأ ابن طولون الى تنشيط جهود التعدين في صحراء العلاقي بالصحراء الشرقية الى الجنوب الشرقي من أسوان، فاندفع المغامرون والباحثون عن الثراء الى هذه المنطقة التي شهدت نشاطا تعدينيا محموما في المناجم القديمة التي طالما استغلها الفراعنة، وكانت الخزانة الطولونية تحصل فقط على خمس تبر الذهب الذي يستخرج من هذه المناجم· واضافة الى هذا المصدر فقد نظمت الدولة نوعا آخر من التعدين وهو ''المطالب'' وذلك تعبير يشير الى البحث في مقابر الفراعنة عن مقتنياتهم الذهبية، وعثر في تلك الفترة على كميات كبيرة من المشغولات الذهبية· وحسب بعض الروايات التاريخية فإن ابن طولون عني بتجويد دنانيره استجابة لتحدي كتابة هيروغليفية عثر عليها في كنز قديم وكان صاحبها ملك يباهي نظراءه بجودة ذهبه· ولا يمكن التقليل من أهمية ''المطالب''، إذ يكفي أن نشير الى ان الذهب الذي عثر عليه في مقبرة توت غنخ آمون في اوائل العشرينات من القرن الماضي كان يعادل آنذاك الغطاء الذهبي للجنيه المصري في البنك الأهلي علما بأن توت غنخ كان من الفراعنة القليلي الشأن اذ مات وهو في عامه الثالث من الحكم الذي تولاه صبيا· وسار خمارويه بن أحمد بن طولون على نهج والده من حيث الحرص على دقة وزن الدنانير وارتفاع عيارها وإن تميزت دنانيره التي ضربت في بلاد الشام بانخفاض أوزانها بشكل واضح عن تلك التي ضربت في مصر، لأن هذا الوزن كان كفيلا بإبراء المعاملات التجارية في هذه البلاد· وعلى الرغم من الإنفاق الترفي الذي واكب تجهيز موكب قطر الندى ابنة خمارويه التي تزوجها الخليفة العباسي المعتضد فإن الدنانير الطولونية ظلت تضرب بذات الأوزان الوافية والعيارات العالية التي اشتهر بها الدينار الأحمدي فيما تبقى من عمر الدولة خلال حكم خمارويه وابنه أبي العساكر ثم هارون بن خمارويه· ويبدو أن طلبا قد نشأ على الدنانير الطولونية من أجل اكتنازها، ولذا وصل الينا منها اعداد كبيرة فيما لم تصل أي من أجزاء الدنانير الأنصاف والأرباع والتي يبدو أنها كانت تبقى بالتداول حتى يتم سحبها وإعادة سبكها· دنانير فضية إضافة الى الدنانير الذهبية ضرب الطولونيون الدراهم الفضية التي حملت أسماء الأمراء الطولونيين، ولكن لم يصل منها سوى أربعة عشر درهما موزعة على عدد من المتاحف العالية، ولا يعود ذلك الى قلة أعداد الدراهم الطولونية ولكن الى أنه لم يكن هناك أي اقبال على اكتنازها مع وجود الدنانير الذهبية الجيدة ولذا كانت الدراهم تتعرض لعمليات السحب وإعادة السبك المتكررة· أما الفلوس النحاسية التي كانت تستخدم حسب اصطلاح المقريزي لشراء ''المحقرات من الأشياء'' كالخضروات اليومية فقد وصلت منها أعداد قليلة ولكنها تميزت بقيام دار الضرب بتمييزها عن غيرها من المسكوكات النحاسية المتداولة بعلامة زخرفية تشبه شكل ماسة على جانبيها قضيبان· وقد انتشر استخدام هذا العنصر الزخرفي في الفلوس التي سكها ولاة من قبل الطولونيين في شمال سوريا، إذ عثرت البعثة الأثرية الأميركية بطرسوس على فلوس ضربت هناك عام 279هـ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©