الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لاكويلا هنا

15 ابريل 2009 23:12
''لا كويلا !··· أين تقع؟ لقد ظللت استمع إلى هذا السؤال طيلة ما يقرب من 20 عاما، وتحديداً منذ أن غادرت إيطاليا إلى الولايات المتحدة، سعياً للدراسة في إحدى جامعاتها، والاستقرار فيها فيما بعد· كان من السهل على من يسألني من أي مكان في إيطاليا أنا، أن أقول إنني من روما فأريح نفسه وأريحه، لكن لم أكن استطيع إقناع نفسي بذلك، فظللت أقول إنني من ''لا كويلا''، وظللت بالتالي أسمع هذا السؤال طيلة تلك السنوات· قبل أن يقع زلزال الأسبوع الماضي الذي دمر جزءاً كبيرا من المدينة، كـــان سكانهـــا يشعرون أن مدينتهم بحاجــة إلى المزيد من الاهتمام من جانب السلطات، ولكن كان مكتوباً على ''لا كويلا'' أن تظل غير معروفة ممـــا كـــان يدفع سكانها دومــاً إلى الإعلان عن مدينتهم بوسائل شتى مثل إقامة الحفلات الفنية والاجتماعات السياسيـــة والمباريات الرياضيــــة، وخصوصـــاً في لعبة كرة القدم، التي كانت ترفع فيها الرايات المكتوب عليها ''لا كويلا هنـــا''· عندما كنت أعيش في ''لا كويلا'' قبل أن أغادرها للولايات المتحدة، كنت أشعر أحيانا بالضيق من الجبال التي تحيط بمدينتي مثل سجن صخري، وكنت أفكر في الشعار المعروف الذي كنت أراه مكتوباً على الرايات في بعض المناسبات، وهي أن ''لا كويلا'' هي ''المدينة الصامدة ضد الزمن'' وكأنه مكتوب عليها أن تبقى هكذا في الوقت الذي كانت بقية مدن العالم تتغير فيه· وعندما كنت أعود إلى'' لا كويلا'' أثناء عطلاتي الصيفية كنت أحس أنني أعود إلى جذوري··· إلى الأرض والناس والشجر، والجو النقي· وينابيع المياة العذبة والأطعمة والمشروبات التي أعشقها، وجلسات السمر· كنت أحس دوماً أن المدينة''صامدة ضد الزمن'' فعلاً· خلال مواسم الصيف الثلاثة الماضية حرصت على تعريف طلابي في جامعة ''جورج تاون'' بكنوز ''لا كويلا'' التاريخية: القلاع والحصون وأماكن العبادة، ومقابر شخصياتها التاريخية· وخلال الأسابيع القليلة الماضية التي ظلت فيها الهزات الأرضية الخفيفة تهز استقرار ''لا كويلا '' كان قلق عائلتي وأصدقائي يتزايد· كان صوت صفارات الإنذار يخترق صمت الليل في المدينة، كما لو كانت المدينة في حالة حرب· خلال هذه الفترة حاولت أن أبقي القلق بعيداً بعدما أكد لي الخبراء أنه ليس هناك ما يدعو للقلق وأن هذه الهزات سوف تمر· إلى أن جاء ذلك المساء الذي قررت فيه قبل نومي أن أطالع الأخبار لمزيد من الإطمئنان فقرأت أن زلزالا مدمراً قد ضرب إيطاليا، وأن مركز الزلزال يقع على مبعدة 70 ميلا إلى الشمال الشرقي من روما· عندها هرعت إلى سماعة الهاتف، وبدأت في الاتصال بأرقام معارفي وأصدقائي في القرية واحداً تلو الآخر دون أن أتلقى رداً· وبعد ساعة كاملة، تمكنت من الاتصـال بصديق حكى لي ما حل بمدينتي· كان ما سمعته منه في ذلك اليوم لا يختلف عما سمعته بعد ذلك من أفراد عائلتي وأصدقائي: قصص الناس الذين رفضوا مغادرة حطام منازلهم، وهؤلاء الذين أصيبوا بالفزع ولم يدروا ماذا يفعلون· وكانت الصور التي رأيتها بعد ذلك للقرية هي صور لمدينة أشباح، تخلو شوارعها من كل أثر للحياة، وتتناثر ركام مبانيها المنهارة في كل مكان بعد أن عجزت عن الصمود في وجه الزمن· والآن بعد أن ضرب الزلزال ''لا كويلا'' أصبح الجميع يعرفون أين تقع بالضبط، ولكن بعد أن أظهرت الطبيعة مرة أخرى عبث جميع الأقوال البشرية ومنها مقولة إن ''لا كويلا هنا''· لورا بنديتي استاذة اللغة الإيطالية بجامعة جورج تاون ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©