الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ملهمون أميركيون غذوا فكر الزعيم النازي

ملهمون أميركيون غذوا فكر الزعيم النازي
15 ابريل 2009 23:26
يقول المؤلف إنه لو أنّ أحداً اطّلع على جرد لمحتويات مكتبة هتلر دون أن يعرف صاحبها لانتهى إلى القول إنّ صاحب المكتبة له ذوق أدبي رفيع في اختيار الكتب الكلاسيكيّة، وأنّه محبّ للحرب، ولكن لا شيء يدلّ في مطالعاته أنّه هو الرّجل الذي أشعل أوروبّا ناراً، وقاد حروباً مدمرة، فهتلر كان، على سبيل المثال، معجباً بروايات وليام شكسبير، ومن أهمها مسرحية «هملت»، وكانت مكتبته تضم روايات لأشهر الكتاب والفلاسفة والمفكرين. وكتاب «في المكتبة الخاصة لهتلر» يقع في 450 صفحة، وهو ليس جرداً لقائمة الكتب فقط، فقد سعى المؤلّف، من خلال دراسته لنوعيّة الكتب المفضّلة لدى هتلر، وقراءته في الملاحظات المدوّنة على بعض صفحاتها بقلم الرصاص، أن يصل إلى فهم بعض ملامح شخصيّة الزّعيم النّازي، والغوص إلى عمق تفكيره، ذلك أنّ الملاحظات التي وضعها هتلر على بعض صفحات الكتب التي طالعها دوّنها في لحظات وحدته، وربّما تكون مختلفة في فحواها ومعناها عن الخطب العامّة التي كان يلهب بها النّاس أيّام حكمه. وقد عثر المؤلّف، إلى جانب الكتب الأدبية الكلاسيكية، على عديد الكتب المنادية بالعنصريّة والمعادية للسّاميّة مثل مؤلّفات أنطون دريكسلار Anton Drexler المتعصّب للجنس الألماني، وكتب بول لاغارد Paul Lagarde، وكتب هايتريتش Heinrich class، وأستاذ الرياضة أوتو دي كال Otto Dickel وجلها كتب تمتدح العرق الألماني وتعتبره الأرقى والأنقى. ويؤكد المؤلف أن من مطالعات هتلر المفضّلة: مؤلّفات إيمانويل كانط، وجول سيزار، والروائي ألكسندر الأكبر. الطيب بشير هذا كتاب اعتبرته «الواشنطن بوست» الأميركيّة أفضل كتاب تاريخي في عام 2008، ألّفه الصّحفي الأميركي تيموثي ريباك Timothy Rayback وعنوانه: «في المكتبة الخاصة لهتلر» Dans la bibliothèque privée de Hitler، وصدرت ترجمته إلى الفرنسيّة يوم 12 مارس 2009. أتى المؤرّخون والنقّاد والسياسيّون على كلّ كبيرة وصغيرة في حياة هتلر، ومسيرته وتفكيره السياسي وخططه الحربيّة، ولكن لا أحد قبل هذا المؤلّف خطر له أن يعد جرداً لمكتبة هتلر وقراءة في فحواها، فقد تفحّص المؤلّف 12 ألف كتاب كانت ملكاً للزعيم النّازي في مكتبته الخاصّة أغلبها مهدى إليه بتوقيع مؤلّفيها، وبعضها مهدى من كبار الكتاب والفلاسفة الألمان مع كلمات إهداء تعبر عن الإعجاب بـ»الفوهرر»، وقد أمضى المؤلف ستّة أعوام بأكملها لجمع مادّة كتابه وتحريرها، وتعلم اللغة الألمانية خصيصاً من أجل كتابه. وأكّد المؤلّف أنّ مكتبة «الفوهرر» الخاصّة كانت تضمّ ستّة عشر ألف كتاب بقي منها اليوم 12 ألفاً، ويتبين من الكتاب أنّ الدّكتاتور الألماني، وهو رجل عصامي، كان محبّاً للكتب، نهماً في مطالعتها، ومغرماً بجمعها، وبعد هزيمة ألمانيا عام 1945 وانتحاره، نهب الجنود الروس والفرنسيّون مكتبة هتلر، كما استولى الأميركيّون على أكبر كميّة منها ونقلوها معهم إلى مكتبة الكونجرس الأميركي وبعض الجامعات الأميركيّة الأخرى. هنري فورد الملهم انقطع هتلر عن متابعة الدراسة وهو في سنّ الخامسة عشرة، وكان بسبب ذلك يعاني من عقدة نفسيّة إزاء الثّقافة والكتب، ولذلك، فإنّه سعى طيلة حياته إلى تعويض ما ينقصه بالتهام آلاف الكتب. وإلى يوم انتحاره كان الزّعيم النّازي يطالع كتاباً كلّ ليلة، وكانت مكتبته الخاصّة العامرة موزّعة بين مخبئه في برلين وبقيّة منازله. وقد اكتسبت مكتبته صيتاً في فترة حكمه حتّى أنّ جريدة «ذي نيويوركر» نشرت عام 1935 ريبورتاجاً مصوراً خاصّاً عنها. قسّم المؤلّف الكتب التي طالعها هتلر إلى ثلاثة أصناف، وهي الكتب التي اقتناها في شبابه، وأثّرت فيه، والكتب التي استغلّها لإثراء خطبه ومن بينها الإنجيل، والكتب التي سبغت أفكاره وغذت آيديولوجيته، وهي مؤلّفات معادية للسّاميّة، وتتّسم بالعنصريّة ومن أهمّها كتابان أميركيّان الأوّل للمحامي ماديسون غراند Madisson Grant وعنوانه: «انحدار العرق النّبيل» الصّادر عام 1916 والذي يقطر عنصريّة، وقد دعا فيه مؤلفه الى طرد المهاجرين الجدد وعدم قبولهم، أمّا الكتاب الثّاني فهو لهنري فورد الصناعي الأميركي وصاحب طراز السيّارات الشّهيرة وعنوانه «اليهودي الدولي: أكبر مشكلة في العالم»، وقد أكّد هتلر ذات مرّة أنّه يعتبر هنري فورد أحد أهمّ ملهميه، كما أن هنري فورد كان يكن إعجاباً كبيراً بالزعيم النازي. إدعاءات وتساؤلات يذكر الكاتب أنّ هتلر كان يكنّ كراهيّة للمثقّفين، وخاصّة منهم اليهود، ويستنتج من خلال قراءته لاختيارات هتلر لمطالعاته أنّه رجل مستعدّ دائماً للخصام والصّدام أكثر من حرصه على المناقشة والجدال، كما أنّه استنتج أن الثّقافة لا يمكن أن تكون حصناً ضدّ النّزعة البربريّة للإنسان، فالكتب المفضّلة التي كانت تهمّ هتلر هي خليط من كتب جادة مفيدة، وأخرى تدعو إلى العنصرية والكراهية، فهتلر يطالع للفيلسوف الألماني غوته، والى جانب ذلك كان متلهّفاً على متابعة العديد من الكتب المتّسمة بالعنصريّة. ويجزم المؤلّف أنّ أدولف هتلر لم يكن يطالع شيئاً من أجل إثراء ثقافته، فهو لم يكن متفتّحاً على الثّقافات والأفكار الأخرى، ولكنّه كان يبحث عما يغذّي قناعاته السّياسيّة. وفي هذا السّياق يتساءل قائلاً: ما الذي استفاده هتلر مثلاً من مطالعته لكتب فيلسوف الأنوار الفرنسي جان جاك روسو؟ وحتى التّعليقات التي دوّنها هتلر على الهامش في الكتب التي كان يطالعها تؤكّد ضيق أفقه وحدّة طبعه. والأكيد أنّ هتلر كان شخصاً معقّداً بسبب انقطاعه المبكّر عن الدراسة وثقافته المحدودة، وكان يحلم بأن يكون رجل فكر وفن، وذهب إلى حد إيهام من حوله بأنّه شغوف بالكتب الفلسفيّة لشوبنهاور، وأنّه وضع تمثالاً صغيراً له على مكتبه تعبيراً عن إعجابه به في حين أنّ الحقيقة ـ كما جاء في الكتاب ـ أنّ هتلر لم يكن يجيد حتّى كتابة اسم الفيلسوف بشكل صحيح، كما إنّه كان يعبّر أيضا عن إعجابه بالكاتب فيشت Fichte الذي كان يتفاخر بالاستشهاد به في خطبه. ويتساءل المؤلّف: هل يمكن لرجل مثل هتلر يدّعي إعجابه ومطالعته لكبار الفلاسفة والشّعراء والأدباء أن يصبح رجل سياسة دموياً يقتل مئات الآلاف من الأشخاص ويخوض حروباً دموية؟ المكتبة لا تكذب ومن خلال تحليل ملاحظات هتلر على بعض صفحات الكتب التي طالعها، فإن المؤلف استنتج أنّ مطالعته للكتب كانت تتّسم بالسّطحيّة، وأنّه لم يكن يطلع لإثراء زاده المعرفي، وإنّما بحثاً عمّا يساند ويؤكّد نظريّته السّياسيّة التي طرحها في كتابه: «ماي كانف» (كفاحي)، وأورد الصحفي الاميركي قول هتلر «إنّ المطالعة يجب أن تكون مفيدة». إنّ اختيارات هتلر للكتب تعكس بلا شكّ شخصيّته، فهو يقول إنّ المطالعة ليست غاية في حدّ ذاتها ولكنّها وسيلة. إنّه لا يطالع لمتعة المطالعة، بل من منطلق المنفعة السياسية. وهناك رأي يقول إنّ الأيديولوجيّة النّازيّة العنصريّة التي جعل هتلر منها أساساً لمنهجه السياسي استمدّها من كتاب عنصري لديتريش إيكارت، والذي كان أحبّ الكتب إليه. وهتلر لا يمكن وصفه بأنّه رجل مثقّف ومن الأنتلجنسيا، خلافاً لستالين مثلاً، علماً بأنّ كليهما لم يكونا ديمقراطيّين. وخلافا لما استنتجه مؤلف الكتاب، فان هناك نقّاداً رأو أنّ نوعيّة الكتب التي كانت مفضّلة لدى هتلر تعكس فضولاً فكريّاً. ومن بين المؤلفات التي كان يطالعها بشغف روايات المغامرات للكاتب الألماني كارل مايو، وتدور أحداثها غالباً في الولايات المتّحدة الأميركيّة. ومن محتويات المكتبة الخاصة للزعيم النازي مؤلّفات عسكريّة، وكتب عن سيرة نابوليون بونابارت، وكتاب عن غاندي، يبدو أنّه لم يفتحه ولم يطالعه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©