الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

حـرب الغـذاء علـى الأبـواب

حـرب الغـذاء علـى الأبـواب
13 سبتمبر 2007 23:24
يبدو أن العالم أصبح على أعتاب حرب ضروس على الطعام والغذاء بعد ان قفزت أسعار المحاصيل الزراعية والحبوب كالشعير والذرة والأرز بمعدل 12 في المئة في بريطانيا في العام الماضي بينما شهدت أسعار الحليب في السوق العالمية ارتفاعاً يقارب معدل الـ 60 في المئة· وباختصار فإن التعداد السكاني العالمي ربما اقترب من نهاية عصر الأغذية والأطعمة الرخيصة الثمن ذلك العصر الذي ولى فيما يبدو بدون عودة وبالنسبة لأولئك الذين عاشوا في فترة ما قبل الحرب في بريطانيا فإن أسعار الغذاء كانت تسلك طريقاً واحداً الى الانخفاض· فقبل 60 عاماً من الآن كانت الأسرة البريطانية تنفق في المتوسط أكثر من ثلث دخلها على الطعام· وعلى الرغم من ان هذه النسبة تراجعت الى العشر حالياً إلا أنه ولأول مرة منذ أجيال عديدة فقد بدأت السلع الزراعية تشهد طفرة في أسعارها الى الدرجة التي بات فيها المحللون يحذرون من نتائج وخيمة لا يمكن التنبؤ بمدى آثارها وخطورتها على البشرية جمعاء· ''التضخم الزراعي'' يجتاح العالم وكما ورد في صحيفة الإندبندنت اللندنية مؤخراً فإن هذه الظاهرة شأنها شأن جميع الظواهر الأخرى التي اجتاحت العالم قد اتخذت لنفسها اسماً خاصاً بها وهو "Agflation" اي ما يمكن ترجمته الى ''التضخم الزراعي'' وهو ما يؤكد ان الطعام الرخيص قد أصبح شيئاً من الماضي· وبالنسبة لأولئك الذين يؤمنون بأن هذا التضخم قد أصبح حقيقة على أرض الواقع فإن تعريف وتفسير هذا التعبير الجديد يعني الزيادة في الأسعار كنتيجة للطلب المتنامي في الاستهلاك البشري بالاضافة الى التحول في استخدام الحبوب الزراعية كمصادر بديلة للطاقة·· ومن ناحية أخرى فإن النمو السكاني بملايين البشر في الصين والهند قد أدى من جانبه الى طفرة في الطلب على الغذاء وهم لا يقنعون بالحمية التي درج آباؤهم وأجدادهم على اتباعها، بل يتناولون ويطلبون المزيد من اللحوم· وعلى الجانب الآخر استمر استخدام الحبوب الغذائية كمصدر للطاقة بديلاً عن النفط فيما أصبح يعرف بتمدد وازدهار إنتاج الوقود الحيوي في جميع انحاء العالم· ولكن يبدو ان اشتراك هذين العاملين وتضامنهما في عالم اليوم أخذ يدق أجراس الحذر من دون كلل أو توقف· ؟ النمو السكاني وتزايد إنتاج الوقود الحيوي والفيضانات والجفاف أهم الأسباب \\ ؟ ارتفاع في أسعار جميع السلع الغذائية بما يشبه تداعي أحجار الدومينو لقد أصبحت أسعار الأرز الى ارتفاع في جميع أنحاء المعمورة وارتفعت كذلك أسعار الزبدة في جميع الأنحاء الأوروبية بمعدل 40 في المئة في العام الماضي· أما أسعار القمح المستقبلية فقد أصبح التداول بها في الأسواق العالمية يتم بأعلى مستويات لها خلال عقد كامل· وفي الوقت الذي شهدت فيه أسعار فول الصويا ارتفاعاً بمقدار النصف فقد ازدادت أسعار اللحوم في الصين بمعدل وصل الى 20 في المئة في العام الماضي قبل ان يصبح مؤشر أسعار الأغذية يشهد الارتفاع عاماً بعد عام بنسبة 11 في المئة· أما في المكسيك فقد اندلعت الاضطرابات وأعمال العنف بضراوة غير مسبوقة في يونيو الماضي في ردة فعل على ارتفاع تكاليف الذرة بمعدل غير مسبوق أيضاً بلغ 60 في المئة· بل ان الأمر برمته قد جدد فيما يبدو الجدل الذي أثاره المفكر البريطاني روبرت مالثوس في القرن الثامن عشر في كتابه الذي تنبأ فيه بأن النمو في التعداد السكاني العالمي لا محالة سوف يتجاوز بكثير القدرة على انتاج الأغذية والطعام وبشكل يؤدي إلى مجاعة جماعية· وحتى الآن فإن بريطانيا تبدو محصنة من الآثار المبكرة لهذه الارتفاعات في الأسعار جراء الطبيعة التنافسية في نظامها الخاص بالبيع بالتجزئة· ولكن محال السوبر ماركت لن يصبح بإمكانها تقديم هذه الحماية لوقت طويل· ولن يعود بإمكان المفوضية الأوروبية توفير الاحتياطيات المالية اللازمة لمساعدة واسناد مواطنيها في قادم السنوات وبخاصة بعد الاصلاحات التي اعتمدتها مؤخراً في سياستها الزراعية الأوروبية· ثم هناك الذرة اي نوع الحبوب الأكثر أهمية على الاطلاق في حياة البشر والاقتصاد الزراعي التي يتم استهلاك معظم إنتاجها بصورة غير مباشرة أيضاً· فالحليب والبيض والجبن والزبدة والدجاج واللحوم وحتى الآيس كريم واليوغورت المتواجد في كل ثلاجة تقريباً جميعها يتم إنتاجها عبر تناول واستخدام الذرة كما ان سعر أي من هذه المنتجات يتأثر بسعر الذرة، والى الدرجة التي يمكن فيها القول إن كل ثلاجة في أي مكان ممتلئة بالذرة· والى ذلك فقد شهدت أسعار الذرة العالمية ارتفاعاً الى ضعفها في خلال فترة الاثنى عشر شهراً الماضية· وفي الوقت الذي ظل فيه الهدف المستمر للزراعة انتاج كميات الغذاء الكافية حتى موسم الحصاد المقبل فقد درجت البشرية في غضون السنوات السبع الماضية على استهلاك كميات أكثر من الذرة المنتجة· وكنتيجة لذلك فقد تضاءلت احتياطيات الحبوب العالمية الى كمية لا تكفي سوى لفترة 57 يوماً فقط في أقل مستوى لاحتياطي الحبوب في العالم طوال فترة 34 سنة· ولا شك في أن السبب الرئيسي في طفرة الأسعار يعود الى ذلك التحول في استخدام الحبوب في انتاج الايثانول· إذ إن 30 في المئة من حصاد الحبوب في الولايات المتحدة في العام المقبل سوف يذهب مباشرة الى مصانع تقطير الايثانول· ولما كانت الولايات المتحدة تمون العالم بأكثر من ثلثي وارداته من الحبوب فإن هذه الخطوة غير المسبوقة من شأنها ان تدلي بتأثيرات وخيمة على أسعار الأغذية في كل أنحاء المعمورة· أما في أوروبا فقد بدأ المزارعون يتحولون بطلباتهم نحو انتاج محاصيل الوقود حتى يتمكنوا من مقابلة متطلبات الاتحاد الأوروبي التي تستهدف ان يشكل الوقود الحيوي 20 في المئة من خليط الطاقة في القارة العجوز· ومن دون شك فإن الايثانول اصبح يتلقى شعبية جارفة في أوساط السياسيين في جميع أنحاء العالم بحيث يتيح لهم اخطار الناخبين بإمكانية استمرارهم في قيادة السيارات· وفي الوقت الذي سيساعد فيه الوقود الحيوي على حل مشكلة انبعاثات غاز الدفينة الأكثر اضراراً بالبيئة الا ان هذا الوقود الحيوي لم يعد يعتبر ''الكفارة الخضراء'' التي لا يأتيها الباطل ولا تشوبها المعيبات كما يقول الاقتصادي المتنفذ ليستر براون في معهد سياسات الأرض في ايجازه أمام الكونجرس في الشهر الماضي ''ان المسرح أصبح معداً لمنافسة شرسة على الحبوب بين 800 مليون شخص يمتلكون السيارات وبين ملياري شخص اخرين هم الأفقر على وجه البسيطة''· وهناك مؤشرات باتت تدل أصلاً على ان الاقتصاد الغذائي قد بدأ في الاندماج والتكامل مع اقتصاد الوقود· فالازدهار في انتاج الايثانول بدأ يشهد ارتفاعاً في أسعار السكر يحاكي ذلك الذي تشهده أسعار النفط كما ان الأمر نفسه بدأ يحدث في أسعار الحبوب· وكما يقول براون ''مع كل ارتفاع في أسعار النفط بدأنا نشهد ارتفاعاً في أسعار الغذاء واذا ما قفز سعر البرميل من 70 الى 80 دولاراً يمكنك ان تراهن على ان فاتورة السوبر ماركت سوف تشهد ارتفاعاً بالمستوى نفسه''· وبالنسبة للعالم المتقدم فإن هذا الأمر سوف يعني مجرد تغيير في نمط الحياة المعيشية· أما في أماكن أخرى فإن هذا التغيير ربما يطال ويكلف حياة أفراد بأكملها· فالطفرة في أسعار الغذاء أدت أصلاً الى إشعال الاضطرابات وأعمال العنف في العديد من الدول الفقيرة التي تعتمد على واردات الحبوب وسوف يتبعهم المزيد من الضحايا· فمنظمة الأمم المتحدة سجلت مؤخراً 34 دولة في العالم في قائمة الأكثر حاجة لمساعدات غذائية ولما كانت برامج التغذية لديها ميزانيات ثابتة فإن تضاعف أسعار الحبوب قد أدى في النهاية الى نقصان المساعدات الغذائية بمقدار النصف تقريباً· وفي هذا الشهر تجلت مشاعر الغضب بوضوح عندما وجه جان زيجلر المندوب الخاص للأمم المتحدة في مجال الغذاء اتهامات شرسة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنهما يمارسان نوعاً من ''النفاق الشامل'' عبر الترويج لانتاج الايثانول من أجل تقليل اعتمادها على النفط المستورد ومضى يشير الى ان انتاج الايثانول عوضاً عن الغذاء سوف يبعث بمئات الألوف من الأشخاص الى حافة الموت بسبب الجوع والمسغبة· والى ذلك فقد تداعت كبار محال السوبر ماركت الغربية الى التحذير من أن أيام أسعار الأطعمة الرخيصة قد اقتربت كثيراً من نهايتها بعد ان تقلص الانتاج عالمياً أكثر من أي وقت مضى وتكريس المزيد من الأراضي لأنواع الوقود الصديقة للبيئة· ويقول روبرت سكوفيلد الرئيس التنفيذي لشركة بريميير فودز الأكبر في بريطانيا في انتاج مختلف أنواع الأغذية ''لقد شهدنا اتجاهاً عاماً في فترة السنوات العشر أو العشرين الأخيرة ظلت فيها أسعار الأغذية رخيصة بشكل بدأ وكأنه مستدام·· ولكننا أصبحنا نشهد الآن فترة من التضخم في الغذاء لم يشهدها العالم منذ أوائل حقبة التسعينيات ويبدو انها سوف تستمر الى وقت طويل قادم''· وذكرت شركة بريميير التي تمتد قائمة أطعمتها ابتداءً من المخللات من نوع برانستون الى المرق من ماركة باتشلور انها أصبحت تعاني الأمرين من ارتفاع أسعار القمح طوال فترة موسم الصيف وقررت في هذا الشهر ان تمرر هذه الزيادات الى عاتق زبائن السوبر ماركت· ولم ينس سكوفيلد ان يحذر من انه سوف يلجأ الى المزيد من رفع الأسعار حال استمرار أسعار القمح الى ارتفاع· وتأتي هذه الأنباء بعد شهر واحد من التحذير الذي أطلقته شركة ديلويت للاستشارات من أن أسعار اللحوم سوف يتعين عليها ان تشهد الارتفاع من أجل المساعدة في حماية تربية المواشي· الحليب·· أغلى من النفط أدت مجموعة من العوامل المتزامنة والمشتركة من بينها التغيرات المناخية والسياسات التجارية والمنافسة الشرسة ما بين منتجي الوقود الحيوي على أعلاف المواشي الى ارتفاع عالمي غير مسبوق الى مستوى الضعف في أسعار الحليب خلال فترة العامين الماضيين· ففي بعض أجزاء الولايات المتحدة الأميركية أصبح الحليب أكثر غلاءً بكثير من الجازولين والى الدرجة التي أصبحت فيها الشرطة الأميركية تتلقى العديد من البلاغات من سرقة الأبقار في مختلف الولايات· وكما يقول فيليب جود مدير السياسات الدولية في شركة داياري أستراليا في كانبيرا ''يبدو أن هنالك نقصا مريعا في كميات الحليب العالمية''· ولعل أكبر عامل ظل يقف خلف هذا الارتفاع الجنوني في أسعار الحليب هو ذلك الذي ظل يرفع أسعار السلع التقليدية الأخرى مثل النحاس وخام الحديد والمتمثل في النشاط الهائل الذي يشهده الاقتصاد العالمي· إذ أن ارتفاع المداخيل في الصين والهند وفي أميركا اللاتينية ومنطقة الشرق الأوسط أدى الى خروج ملايين الأشخاص من وهدة الفقر ودفع بهم الاحتلال المقاعد الوثيرة في الطبقة الوسطى· وكما ورد في صحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون مؤخراً، فإلى جانب السيارات الفخمة وأجهزة تليفزيون الشاشات الكريستالية أصبح الحليب يمثل علامة للأموال الجديدة كمصدر هام للبروتين الذي يدخل في تصنيع معظم منتجات الأغذية التي يحتاجها الإنسان، بل إن الحليب يستخدم أيضاً في جل أطعمة الأطفال مثل الشوكولاته والآيس كريم والجبن، كما أن معظم الأغذية المحفوظة والمغلفة تحتوي على كميات من الزبد، بينما أن العديد من كبريات الشركات المنتجة للقهوة مثل ستاربكس درجت على بيع كميات من الحليب أكثر من القهوة نفسها· ومن أجل مقابلة هذا الطلب المتنامي يقول اليكس دونكان الاقتصادي في مؤسسة فونتيرا، الجمعية التعاونية المهيمنة على إنتاج الحليب في نيوزيلندا والمصدرة الأكبر في العالم للحليب أن العالم بات يحتاج الى كمية إضافية في كل عام تعادل كامل إنتاج نيوزيلندا السنوي من الحليب، وهي كمية هائلة بكل المقاييس إذ أن نيوزيلندا تعتبر أحد أكبر منتجي الحليب في العام، ولكنها المصدرة الأكبر على الإطلاق للحليب وفقاً لمركز بحوث الألبان (آي إف سي إن) في ألمانيا· إلا أن بعض الاقتصاديين والخبراء في مجال إنتاج الحليب يشككون في أن تتمكن العجول والأبقار في العالم من الاضطلاع بهذه المهمة الشاقة· وأشاروا أيضاً الى أن النقص الحالي في الحليب ربما يمتد وينتشر الى أجزاء أخرى في العالم· وذكر آخرون بأن هنالك العديد من الأماكن التي يمكن فيها إنتاج المزيد من الحليب في حال أن استمرت السلعة تشهد أسعاراً مناسبة· ولكنهم اتفقوا جميعاً على أمر واحد هو أن أسعار الحليب باتت من المرجح لها أن تبقى في مستوياتها العالية وأن تشهد المزيد من الارتفاع· بيد أن الأمر الاستثنائي والمربك في بعض الأحيان أن الطفرة في أسعار الحليب مقارنة بالارتفاع في أسعار السلع الأخرى أن الحليب على خلاف سلعة النفط لا يمكن تعبئته في براميل أو تخزينه في مستودعات بسبب سرعة تعرضه للتلف· وحتى إنتاجه في شكل بودرة، أي النسخة الأكثر قدرة على التبادل التجاري فإن الحليب يبقى محكوماً أيضاً بفترة صلاحية· وكنتيجة لذلك فإن حوالى 7 في المائة فقط من جميع كميات الحليب المنتجة عالمياً يتم تداولها تجارياً عبر الحدود· أما البقية فيتم استهلاكها محلياً محمية جغرافياً وفي بعض الأحيان بوسائل الرسوم أو الدعم· لذا فقد درج كبار المشترين مثل مصنعي حلوى الشيكولاته أو محلات البقالة الكبرى على شراء حليبهم بموجب عقود طويلة الأجل حتى يتمكنوا من التحوط ضد أي مخاطر مفاجئة لارتفاع أو تدني في الأسعار· وبذلك فإن الآثار الشاملة للمخزون العالمي ظلت تختلف من دولة الى أخرى بحيث أن ليس جميع المستهلكين حتى الآن قد تأثروا بهذه الارتفاعات في الأسعار· ولكن وبسبب الطبيعة المحلية للسوق لم تتبق سوى سعة قليلة للتخزين· ففي الماضي كان العالم يعتمد دائماً على الولايات المتحدة وأوروبا على تغطية النقص عبر تصدير بعض مخزوناتهم المدعومة من الجبن والزبد وبودرة الحليب، إلا أن الولايات المتحدة بدأت تسحب بكثافة من رصيدها في مخزونات هذه السلع في نفس الوقت الذي شرعت فيه أوروبا في خفض دعمها الممنوح لصناعة الألبان منذ عام 1993 وبشكل جعل هذه السعة التخزينية فارغة بالكامل· أما أستراليا، أحد أكبر المصدرين، فقد ظلت تعاني من القحط والجفاف لسنوات متصلة عديدة وبشكل أدى الى تدمير وتدهور إنتاج الحليب جراء موت الأعشاب التي تتناولها الأبقار· ويتخوف العديدون في أستراليا أن لا تصبح هذه الأزمة مجرد مشكلة مؤقتة إذ أن الجفاف قد انتشر نتيجة للاحتباس الحراري· لذا فإن الحليب ومنتجات الألبان لا يمكن لها أن تعود الى سيرتها الأولى مرة أخرى في هذه البلاد· ونتيجة لذلك فقد بات الخبراء يعتقدون أن هذا الطلب المتنامي يمكن تلبيته من دول مثل الصين والأرجنتين وخاصة ان ارتفاع الأسعار سوف يعتبر أداة جيدة لتحفيز الاستثمارات الهائلة في الصناعة· أما البعض الآخر فيرى أن الولايات المتحدة يمكن أن تمثل مورداً إضافياً آخر لتموين العالم بالحليب، فالأسعار العالمية تجاوزت الآن الأسعار المدعومة للحليب هناك مما يجعل من المربح لشركات الألبان الأميركية الشروع فوراً في تصدير الحليب ومشتقاته· مربحة أكثر من المنتجات التقليدية الأغذية العضوية تنعش حظوظ المزارعين الأوروبيين يبدو أن الثورة العضوية بدأت تجتاح جميع الأنحاء الأوروبية بعد أن تضاعفت مساحة الأراضي المخصصة لإنتاج الغذاء الصديق للبيئة والخالي من السماد والمبيدات الى أكثر من ضعفها خلال فترة العقد الماضي· وباتت الزراعة العضوية تتمدد الآن في أكثر من 4 في المائة من إجمالي الأرض الزراعية في الاتحاد الأوروبي، أي الى أكثر من ضعفها في عام ،1998 كما يشير تقرير صدر مؤخراً فإن هذا النمو المتسارع الوتيرة يعود بشكل جزئي الى المزارعين الأوروبيين الذين شعروا فيما يبدو أنهم متخلفون في المجال بعد أن تفوق عليهم المزارعون في دول أخرى مثل البرازيل في المنتجات المستوردة· وبالنسبة لمعظم هؤلاء المزارعين فإن الأغذية العضوية أصبحت تمثل لهم السبيل الأهم لإعادة تجديد وإنعاش مزارعهم المتعثرة· وكما يقول مايكل مان المتحدث الرسمي لمفوضية الزراعة في الاتحاد الأوروبي ''يبدو أن المزارعين وقعوا تحت ضغوط عاتية من المنتجين من ذوي التكلفة المنخفضة في الخارج· لذا بات يتعين عليهم أن يتحلوا بالمزيد من الذكاء والتفكير جدياً في زيادة هوامش أرباحهم عبر التوسع في زراعة الأغذية العضوية''· ونسبة لإدراكهم لأهمية هذا السوق المتنامي اتفق وزراء الزراعة في 27 دولة أوروبية قبل شهرين من الآن على ورقة مبادئ ولوائح إلزامية يتم إنفاذها ابتداء من العام ·2009 وتعمل هذه الورقة على ضمان أن 95 في المائة من المنتجات والمقادير الزراعية على الأقل خالية تماماً من الكيماويات كما أن الواردات سوف تخضع لنفس القوانين واللوائح، ولكنها تسمح أيضاً بوجود نسبة تصل الى 0,9 في المائة من الأنظمة العضوية في الأغذية المعدلة جينياً، وهو المستوى الذي أثار غضب العديد من الجماعات الناشطة في حماية البيئة· وفي الأعوام الأخيرة أظهر العديد من المستهلكين الأوروبيين رغبة واضحة في دفع المزيد من الأموال مقابل المنتجات العضوية، ما يعكس النأي عن المواد الكيميائية المصاحبة للأغذية وعن تفضيل متنام لتقنيات الزراعة الطبيعية عوضاً عن الكثافة العالية للإنتاج التي أصبح يقع عليها اللوم في حدوث الأزمات مثل انتشار مرض جنون البقر· وإدراكاً منها لهذه الحقائق فقد عكفت بروكسل مؤخراً على توفير كميات هائلة من المساعدات المالية للزراعة العضوية وبمستويات أكبر من تلك التي تقدمها لزراعة الخضروات والفواكه غير العضوية· وفي المملكة المتحدة الرائدة في مجال الزراعة العضوية تمت زراعة أكثر من 600 ألف هكتار من الأراضي الزراعية بصورة عضوية في عام 2005 ما جعلها تحتل مكانة الصدارة أمام فرنسا، الدولة التي يزيد حجمها على ضعف حجم الأراضي البريطانية· ارتفاع أسعار الأعلاف إلى مستويات غير مسبوقة ذكرت النقابة الوطنية للمزارعين في بريطانيا ان العديد من المزارعين أخذوا يقللون ويتخلصون من المواشي التي بحوزتهم بعد ان عكفوا على دراسة فكرة التخلي نهائياً عن تربية المواشي لتعذر امكانية بقائهم في السوق في ظل الأسعار الحالية المتدنية التي يتلقونها مقابل اللحوم وخاصة بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف الى مستويات غير مسبوقة· وكانت شركة تايسون الأميركية الأكبر في الدولة في انتاج اللحوم قد حذرت في الأسبوع الماضي من ان الارتفاع المفاجئ في أسعار المواشي والخنازير سوف يؤدي الى فقدانها لسقف الإيرادات المستهدف لكامل العام على الرغم من الجهود التي تبذلها الشركة لتمرير ارتفاع تكاليف منتجاتها على عاتق المستهلك· ولعل المسألة برمتها أصبحت أشبه بتداعي قطع أحجار الدومينو بعد ان حذر المجلس البريطاني للبطاطس من ان رقائق البطاطس هي الأخرى بات من المؤكد ان تشهد ارتفاعاً في أسعارها بسبب انتشار الآفات الزراعية في محصول البطاطا لفترة طالت الخمس سنوات· وأعلن المجلس عن ان عدد البلاغات الاجمالي بلغت 80 حالة حتى الآن في جميع الانحاء البريطانية مشيراً الى ان المشكلة قد فاقمتها هذا العام كميات الفيضانات الهائلة التي ضربت الجزر البريطانية مؤخراً· واذا ما كان الفيضان قد تسبب في هذه المشكلة في هذا الجزء من العالم فإن الجفاف من جانبه ايضاً استمر يدلي بدلوه في تفاقم مشكلة النقص في المياه والغذاء وبخاصة في استراليا· ليس ذلك فحسب بل ان جميع كبريات محال السوبر ماركت البريطانية قد اتفقت في أوائل هذا الشهر على ضرورة رفع أسعار جميع السلع الغذائية بعد ان طالبات أكبر الشركات البريطانية المصنعة للأغذية والأطعمة من جميع محال السوبر ماركت ان تتوقع زيادة هائلة في الأسعار سيفرضها المزودون الذين أصبحوا من جانبهم أيضاً يعانون الأمرين من ارتفاعات حادة في تكاليف المقادير المستخدمة في إنتاج الأطعمة· أما الأهم من ذلك فإن رغيف العيش قد أصبح يتصدر قائمة السلع المرشحة للارتفاع على الرغم من حرب الأسعار الدائرة بين كبريات محال السوبر ماركت العالمية بقيادة شركتي تيسك وآسدا· الإيثانول يشعل أسعار الذرة في المكسيك ظلت المكسيك مشتعلة تحت ألسنة النيران والغضب العام طوال فترة أسبوع بأكمله في أواخر يناير الماضي بعد أن اندفع الآلاف من المواطنين الى الطرقات الرئيسية في المدن مطالبين رئيس الدولة بضرورة توقف الظاهرة التي أصبحت تهدد حياة الملايين من المكسيكيين· وكما ورد في صحيفة ''الاندبندنت'' البريطانية فقد شهدت أسعار دقيق الذرة في المكسيك خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت الاضطرابات ارتفاعاً بمعدل وصل الى 400 في المائة على الرغم من أن المكسيك تعتبر رابع أكبر دولة في العالم منتجة للذرة وأحد كبار المستوردين للذرة الأميركية الأرخص ثمناً· وحينها اكتشف المكسيكيون أن أحد موارد الغذاء الرخيصة الثمن المتوافرة لديهم قد أصبحت فجأة بعيدة المنال· إذ أن فقراء المكسيك الذين اعتادوا على تخصيص ثلث رواتبهم لشراء دقيق الذرة ظلوا على الدوام عرضة لتقلبات الأسعار في سوق الذرة، إلا أن الزيادة الأخيرة الى أربعة أضعاف السعر المتداول لم يسمعوا بها من قبل واعتبرت كارثية فيما يبدو· على أن السبب في مثل هذه الزيادة الهائلة يتجذر فيما يبدو في شمال الحدود الإقليمية للمكسيك· فمن أجل أن تنأى بنفسها من حالة إدمانها للنفط تحولت الولايات المتحدة الأميركية الى صناعة الوقود الحيوي المنتج من الذرة الصناعية وبشكل غير مسبوق· وكذلك اتجه المزارعون في المكسيك وفي معظم الأنحاء الأفريقية الى استبدال محاصيلهم الزراعية بالذرة الصناعية التي يمكن معالجتها لاحقاً لإنتاج الوقود الإحيائي، مما أدى الى انخفاض مريع في كميات الذرة المتوافرة في الأسواق المفتوحة· وفي الوقت الذي استمرت فيه واردات الذرة والإنتاج المحلي تشهد المزيد من التراجع والانخفاض فقد شرع المحتكرون من تجار الجملة في المكسيك في إخفاء وتخزين كميات هائلة من المحاصيل وبشكل أجبر الأسعار على الارتفاع الى أرقام فلكية· ولما أصبح من الصعوبة بمكان على جموع الفقراء الحصول على وجبة من دقيق الخبز لم يجدوا مفراً من النزول الى الشوارع ليضرموا النيران في كل شيء وإغلاق الطرقات بالمتاريس· وبذلك فقد وجد الرئيس المكسيكي كالديرون نفسه في ورطة بين سندان مستوردي الذرة وكبار الشركات المتعددة الجنسيات التي لا ترحم أي حكومة تتدخل في آليات وسياسات التجارة الحرة، ومطرقة جموع الفقراء الهادرة في الشوارع المكسيكية، أي غالبية التعداد السكاني للدولة وهم في حاجة ماسة الى أبسط أنواع الطعام· وفي نهاية المطاف اضطر كالديرون للانحناء في وجه العاصفة وعمد الى خفض سعر كيلو الدقيق الى 78 سنتاً· وعلى الرغم من أن الأسعار بدأت تشهد نوعاً من الاستقرار والثبات، إلا أن العديد من الأشخاص ما زال يتخوف من حرب التورتيا - الوجبة الرئيسية في الدولة والمصنوعة من الذرة - التي اندلعت مؤخراً ربما أصبحت مؤشراً للمزيد من الكوارث في السنوات المقبلة· أسعاره تحلق لأعلى متأثرة بالأحوال الجوية زراعة القمح تمر بسنوات عجاف قفزت أسعار مبيعات القمح الآجلة في شيكاغو الى أعلى مستوى لها في شهر واحد في مايو المنصرم بعد أن أدت الفيضانات والرياح في الأودية والهضاب الجنوبية للولايات المتحدة الأميركية الى إلحاق أضرار جسيمة بالنباتات التي تعاني أصلاً من الضعف الذي ألحقته بها الأجواء المتجمدة في ابريل· ويقول فريد جيسر متنبئ الأرصاد الجوية في محطة بلانا ليتيكز في وين بولاية بنسلفانيا إن أجزاء من كانساس قد شهدت أمطاراً غزيرة متواصلة بلغت 7 بوصات أو 18 سنتيمتراً في بعض الأحيان ما أدى الى تحطم سيقان النباتات التي كانت تعاني أصلاً من الضعف والهشاشة منذ السابع من أبريل عندما انخفضت درجات الحرارة الى أقل من 17 درجة فهرنهايت أو ناقص 8 درجات مئوية· وكما ورد في صحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون مؤخراً فإن المبيعات المستقبلية للقمح لتسليمات يوليو الماضي شهدت ارتفاعاً آنذاك بمعدل 15 في المائة الى 4,91 دولار للبوشل الواحد (مكيال للحبوب يعادل 8 جالونات أو 33 لتراً ونصف) في بورصة شيكاغو للسلع· وكانت معظم التعاملات الآجلة قد قفزت في العام الماضي بنسبة بلغت 19 في المئة بعد أن وصلت الى أعلى مستوى لها طوال عشر سنوات الى 5,57 دولار في أكتوبر الماضي بعد أن ضرب الجفاف العديد من المناطق وأدى الى انخفاض مريع في الإنتاج العالمي· ولكن هذه الأسعار باتت مرشحة لأن تشهد المزيد من الارتفاع وسط مخاوف من استمرار الجفاف في أوكرانيا وأستراليا ونيوزيلندا بشكل يلحق أضراراً جسيمة بزراعة القمح· وبات من المتوقع أيضاً أن تستمر درجات الحرارة الأعلى من الاعتيادية المتزامنة مع موجات الجفاف طوال فترة السنوات السبع أو العشر القادمة، كما تشير محطة مترولوجيكس التي تتخذ من ووب وورن بولاية ماساشوسيتس مقراً لها· مخاوف من تجمد صناعة الآيس كريم للوهلة الأولى لا يبدو أن هنالك علاقة تربط ما بين الوقود الحيوي المنتج من الذرة والآيس كريم الشهي المصنوع من الفانيلا والحليب، سوى أن الوقود الحيوي بات يعتبر المسؤول الرئيسي عن ارتفاع أسعار الآيس كريم· وكما ورد في صحيفة التايمز اللندنية مؤخراً فإن أسعار الحليب الشهر الجاري شهدت ارتفاعاً قياسياً في الولايات المتحدة الأميركية بسبب ارتفاع تكاليف تغذية وإطعام قطيع من المواشي في مزرعة للألبان بعد أن قفزت أسعار الحبوب المستخدمة في إطعام المواشي الى ضعف مستوياتها تقريباً في عام واحد جراء الطلب المتنامي على الحبوب المستخدمة في إنتاج الإيثانول· وتشير كريستينا سيد التي درجت عائلتها على إنتاج الآيس كريم في مصنع تشاينا تاون للآيس كريم منذ 28 عاماً الى أنها اتفقت مع العديد من منافسيها على زيادة أسعار منتجاتها على المدى القصير وهي تقول ''لقد ظللنا نتحمل الكثير من المعاناة، لذا فمن المؤكد أن الأسعار سوف تخضع للارتفاع''· والآن فإن قُمع الآيس كريم من إنتاج شركة آمي جرين إيفانا في لينكولن ونبراسكا قد ارتفع سعره أصلاً الى مستوى 3,5 دولار قبل الضريبة للقُمع الصغير مقارنة بسعر 2,95 دولار قبل أشهر قليلة مضت· وتقدر كريستينا أنه سوف يتعين عليها دفع مبلغ إضافي بمقدار 150 دولاراً في الأسبوع مقابل كميات الزبدة التي نستخدمها في صناعة الآيس كريم· على أن الضغوط الهائلة التي أصبحت تعاني منها الشركات المصنعة للآيس كريم والشوكولاته والبيتزا والتي تستخدم جميعها منتجات الألبان كمادة خام بات من المرجح لها أن تعمد الى زيادة أسعارها في الوقت الذي ازداد فيه سعر جالون الحليب في الولايات المتحدة الأميركية بمعدل بلغ 55 في المائة خلال فترة الاثني عشر شهراً الماضية في معظم الولايات المتحدة الأميركية والى أكثر من سعر جالون البترول، بل إن أسعار الألبان ومنتجاتها أصبحت تمضي الى ارتفاع وبسرعة تفوق تلك الخاصة بتكلفة الوقود· وهنالك العديد من الأسباب الأخرى التي تقف خلف ارتفاع أسعار منتجات الألبان من أهمها الطلب المتزايد من الصين ومنطقة الشرق الأوسط بالتزامن مع الجفاف في أستراليا وخفض الدعم في الاتحاد الأوروبي بالإضافة الى الارتفاع الصاروخي في تكلفة إنتاج الحبوب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©