الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التلاشي» جديد السينما السعودية في دبي

«التلاشي» جديد السينما السعودية في دبي
15 ابريل 2009 23:31
من بين ما يقارب مائة وسبعين فيلما عرضت في الدورة الثانية لمهرجان الخليج السينمائي الذي تنظمه هيئة دبي للثقافة والفنون (دبي للثقافة)، شاهد المتابعون والمهتمون سبعة وعشرين فيلما من السعودية، وهي تتوزع على حقول السينما الوثائقية والروائية الطويلة (فيلم واحد) والقصيرة. وهي أيضا أفلام جرى اختيارها من بين ستين فيلما قدمها السينمائيون السعوديون للمشاركة في المهرجان، أي أن ثلاثة وثلاثين فيلما (أكثر من نصف الأفلام المدفوعة للمشاركة) قد تم رفضها، فما الذي يعنيه ذلك؟ بالنسبة إلى الجهة واللجان المنظمة فهي في تقديرنا عملت على التدقيق في اختيار ما ينبغي تقديمه وما لا ينبغي. وبالنسبة إلى كاتب سعودي ناقد للظاهرة فهو يتساءل «هل هذا العدد الكبير وصناعة ستين فيلماً أمر إيجابي ومؤشر على تطور السينما السعودية، وألا يعد رفض 30 فيلماً أمراً سلبياً من ناحية أخرى؟». ويقف الكاتب/ الناقد بين اعتبار أن «في النهاية عدد الأفلام السعودية المشاركة في المهرجان لا تعني أننا الأفضل! بل قد نكون الأسوأ إذا ما نظرنا من زاوية أن 30 فيلماً سعودياً تم رفضها من المهرجان»، لكنه يعود ليقول «يجب أن نتفاعل بهذه الأرقام. لنقل إن هناك ستين فيلماً هذا العام، وستين مخرجاً وستين فكرة وستين رؤية مختلفة». ثم يرى هذا الكاتب «أن الرفض قد يكون إيجابياً أحياناً، فرفض فيلم لمخرج شاب لا يعني النهاية لهذا المخرج، بل قد يعني عودته في الدورة التالية بفيلم أكثر إتقاناً، وهذا أفضل من مجاملته واستمراره في عملية صنع أفلام بنفس المستوى، فمسألة قبول أفلام رديئة هي تشجيع ودعم لهذه الرداءة»، ويختم بالتقويم قائلا إن هذه المشاركة هي «استمرار لمرحلة «المراهقة» التي تشهدها صناعة الفيلم القصير في السعودية، على العكس من السينما الإماراتية التي اتجهت من مرحلة الكم إلى الكيف هذا العام». خلال السنوات الماضية قدمت السينما السعودية تجارب سينمائية متميزة، من بينها أفلام وثائقية «السينما 500 كم» لعبد الله آل عياف، و»نساء بلا ظل» لهيفاء المنصور التي سبق وقدمت قبله ثلاثة أفلام سينمائية هي «من؟»، «الرحيل المر»، و»أنا والآخر»، ومن التجارب السينمائية السعودية الفيلم الروائي «ظلال الصمت» لعبد الله المحيسن، الذي قدم مجموعة كبيرة من الأفلام الوثائقية، من بينها فيلم «اغتيال مدينة»، «الإسلام جسر المستقبل»، وفيلم «الصدمة». جماعة «التلاشي» من بين الظواهر التي برزت في هذا المهرجان في ما يخص السينما السعودية ظاهرة تمثلت في عرض مجموعة من الأفلام الجديدة لمخرجين ينتمون إلى جماعة تطلق على نفسها اسم «التلاشي» IN, FEED OUT التي تتكون من عدد من المخرجين الجدد ذوي الرؤى الجديدة الداعية إلى التجاوز والتجديد وجرأة الطرح من حيث الاتجاه الفكري والمضامين الاحتجاجية أو الجريئة التي تحملها غالب هذه الأفلام. وحول هذه النقطة يوضح مدير المجموعة الكاتب السينمائي فهد الاسطاء «في الحقيقة كل فيلم يعبر عن فكر ورؤية مخرجه تماما وحتى في حالة نقاش السيناريو في لجنة السيناريو في المجموعة لا يمكن فرض أي قناعات أو تغييرات على مخرج العمل، وهذه الأفلام هي نتاج أفكار المخرجين أنفسهم، حتى لو بدت متشابهة في التوجه، فهم أصدقاء في النهاية». وثمة محاولة لإبراز الصور الاحتجاجية على رفض المجتمع للخروج عن التقاليد ومحاولته إقصاء الأشخاص ذوي التوجهات المختلفة في صورة حادة واختزال ذكي وطريف لصراع الحداثة والأصالة التقليدية». من أفلام هذه الجماعة فيلم «ظل» لمحمد الحمود الذي كان قد شارك سابقا في مهرجان الخليج في دورته الماضية بفيلم «شيزوفرينيا» ويشارك هذا العام عبر مجموعة تلاشي بفيلم «ظل» الذي صوره بلقطة واحدة في إشارة جميلة إلى قضايا الحجاب وزواج الفتيات الصغيرات كقضايا اجتماعية لطالما أثارت الجدل. قضايا الفرد والمجتمع وحول أبرز القضايا التي يقدمها السينمائيون السعوديون يقول أحد أبرز المخرجين وهو عبد الله آل عياف إن الأهم هو ما يتم من التركيز على القضايا الساخنة ومحاولة لفت أنظار المجتمع لعيوبه كأحد أهم ما تقوم به السينما من توثيق ونقاش ومعالجة، ويوضح أن «أفلام السعوديين والسعوديات منذ بداياتها تناقش قضايا كالتزمت الديني والإرهاب وقبول الآخر والعنف ضد المرأة والطفل وزواج المسيار والديمقراطية ومنع السينما وغيرها من القضايا». وبشأن طرح قضايا مثيرة لمجرد لفت الانتباه كما هو الحال مع بعض الأفلام، يقول آل عياف «أعتقد أننا كسينمائيين يجب أن نطرح قضايانا بجرأة شريطة ألا نقع في فخ الإثارة التي تعني البحث عن المواضيع الحساسة والصادمة لمجرد لفت أنظار الصحافة وعامة الناس، فمجتمعنا غني بمواضيعه وتبايناته، ومع مرور الوقت ونضوج التجربة يتم تناول القضايا باحترافية أعلى مستوى، بعد أن تهدأ زوبعة الاهتمام الإعلامي بأي فيلم سعودي يخرج للضوء بغض النظر عن قيمته». تنوع الشكل والمضمون تنوع «الأشكال» والتقنيات التي يشتغل بها المخرجون، يوازيه تعدد في الموضوعات والقضايا التي تناولتها الأفلام المشاركة، وقد جاءت المشاركات السعودية كما سبق وذكرنا ضمن مجموع التظاهرات التي نظمها المهرجان، بدءا من ظاهرة سينما الأطفال، عبر فيلم «شعر لولو المجعد» للمخرج فهمي فرحات، فرحات الذي شارك أيضا ضمن مسابقة الأفلام القصيرة الرسمية بفيلم قصير بعنوان «قصة أحمد وبابا نويل» (13 دقيقة)، هذه المسابقة التي شارك بها أكثر من عشرة أفلام قصيرة من أبرزها تجربة للمخرج سمير عارف بعنوان «عيون بلا روح» (10 دقائق)، وسوف نتطرق له في ما بعد. وفي إطار الأفلام الوثائقية تابعنا عددا من الأفلام أبرزها «الحصن» (14 دقيقة) للمخرج فيصل العتيبي، وفيلم «وادي الفردوس» (45 دقيقة) للمخرج محمد سندي وقد عرض ضمن تظاهرة «أضواء». تعدد الموضوعات والقضايا والهموم تبدى في كون الأفلام السعودية المختارة تصور قصصاً عن الحب والحياة، حيث يقدم فيلم “الموعد” للمخرج عبد الله الأحمد تصورا حول الأخطاء غير المقصودة التي نقوم بها وتأثيرها على الناس من حولنا. ويقدم المخرج بدر الحمود فيلم “شرود” الذي يخوض في معضلة الوجود. وفي ما يتعلق بالوجود أيضاً يبحث فيلم “احتباس” للمخرج عبد العزيز نجيم المحطات الفاصلة للحياة والعلاقة بين الماضي والمستقبل. من السبعة والعشرين فيلما لا نجد أفلاما روائية طويلة سوى الفيلم الروائي الطويل “الانتقام” للمخرج الشاب فواز قادري البالغ من العمر 22 عاماً، وهو فيلم «إثارة» يروي قصة أربعة إخوة يتورطون مع عصابات المخدرات، وتتغير حياتهم وتنحدر نحو الهاوية حين يقتل الصغير أخاه الكبير، وتبدأ رحلة الانتقام. أفلام ومخرجون ويمكن أخيرا الوقوف على بعض التفاصيل من خلال عدد من الأفلام. فوثائقيا يقف فيلم المخرجة هناء عبد الله الموسيقي «بعيدا عن الكلام» لينطلق من تساؤلٍ عن قدرة الموسيقى على أن تكون وسيلة للتواصل بين البشر عوضاً عن الكلمات، حيث تلتقي في الفيلم فرقة تانغو قادمة من الأرجنتين وفرقة دار عنيزة للتراث الشعبي من السعودية، فيتحاور أعضاء الفرقتين عن طريق الموسيقى فقط. تجربة تصفها المخرجة «بالشاقة الممتعة» لكونها تجربتها الأولى التي خرجت منها بكثير من الخبرة. تقول هناء «كان يجب علي التعامل مع ما تتطلبه الموسيقى من احتياجات تقنية في ظل عدم توفر كوادر احترافية في صناعة الأفلام في السعودية» وتضيف «طبيعة موضوع فيلمي تطلبت مني أن أكون يقظة لأن الشخوص هم الذين يحددون مسار الفيلم ولا أحد يستطيع التنبؤ بما سيحدث لعازفي تانغو يتحاورون مع فرقة شعبية سعودية أول مرة». أما فيلم «الصمت» الذي كتبه وأخرجه توفيق الزايدي فهو عبارة عن فيلم قصير يتحدث عن عائلة صماء تعاني فقدان الأب والأم في حادث مروري ويحاول بطل العمل التعبير عن ذلك من خلال العزف على الجيتار. الفيلم مدته 15 دقيقة وتم اشتغاله بطريقة احترافية عالية، فقد كان في خلفية إنتاجه أن يكون بحسب المعايير المحددة للمشاركة في مهرجان كان من إخراج وتصوير وإضاءة، وهو من إنتاج شركة (در ألفا). وتظهر حياة الطلاب السعوديين في جامعة فالباريسو بولاية إنديانا الأميركية في فيلم «وادي الفردوس» (45 دقيقة) للمخرج محمد سندي، ويحكي من خلال اللقاءات والحوارات والمشاهدات كيفية اندماج هؤلاء الطلبة في المجتمع الأميركي، كما يحكي عن دورهم في تغيير صورة وثقافة الإسلام التي تضررت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ومشكلة هذا الفيلم أنه ناطق بالإنجليزية لا يسمح إلا لمن يعرف هذه اللغة جيدا بفهم حواراته، وكأنه موجه إلى «الآخر» وليس لنا نحن العرب. ويقدم المخرج السعودي سمير عارف في فيلمه «عيون بلا روح» فكرة مثيرة من خلال عمل بصري خالص، ويطرح الفيلم أسئلة حول العيون التي لا روح لها، وما الذي تراه، وما الذي ستفعله لو دبّت فيها الروح. فيلم يقوم على قدر من الرمزية حيث الهدايا يمكن أن تكون مسمومة أو سببا في كارثة ما للطرف الذي يتلقاها. فالهدية الأولى تتلقاها من شاب تعرفت عليه بالمراسلة (الإلكترونية ربما) وتحتار كيف تخفي هديتها عن أهلها، ثم يكتشف شقيقها الصغير الهدية ويخرج بها لوالده معترفا أنه وجدها في غرفة شقيقته، لكنها تنكر ذلك، فتتسبب بمشكلة لشقيقها. الهدية الثانية يقدمها شخصان لطفلة يريدان الانتقام من والدها فيخفيان المخدرات في الدمية ويبادران بإخبار الشرطة. وهكذا، فنحن أمام طيف واسع من الأفلام التي يبدو أن الغالبية منها هي من صناعة جيل جديد ما يزال يجرب ويحاول بحثا عن ذاته وبصمته الخاصة، لكن ذلك يبدو صعبا في بلد ما يزال المخرجون فيه يخضعون للكثير من المحرمات، بلد يفتقر حتى إلى دور السينما التي يستطيع تقديم أعماله فيها لجمهوره. «رحلة الأحلام» فيلم فلسطيني قصير عن عبور الحواجز والآلام فلسطين أصبحت ممزقة الأوصال، فالوصول إلى مدينة من مدنها بالنسبة للمواطن الفلسطيني بات صعباً كما الوصول للقمر وربما كان الوصول للقمر أسهل لو توفر المال والكفاءة الصحية، وإذا كانت زيارة مدينة محاصرة ومحاطة بالحواجز العسكرية، كنابلس مثلاً، ممكنة ولكنها عسيرة؛ فإن زيارة قطاع غزة مستحيلة، وأصبح الوطن أوطاناً ممزقة نحلم بالسفر إليه. ولأن الأمل هو الحياة، فإن مجموعة من الفنانين من الضفة الغربية عزمت على زيارة مدينة غزة، متجاهلين الحواجز العسكرية وكل الإجراءات المعقدة وغير الممكنة. تجمع الناس في حافلة انطلقت من وسط مدينة رام الله وضمت عدداً من الفنانين والفنانات الفلسطينيين؛ من بينهم الفنان حسين نخلة والفنانة نجاح أبو الهيجا والمنتج المهندس بكر الأغبر والفنان حمزة إسعيد والفنان التشكيلي وليد أيوب، وغيرهم. وبدأ الكل يتحدث مع جليسه المجاور له عن حلمه في السفر لزيارة غزة والشوق والحنين. ولكن الحلم لم يتحقق، وعادت الحافلة أدراجها عبد أن اصطدمت بجنود الاحتلال المتوقفين على الحواجز الفاصلة بين غزة والضفة الغربية أي بين شطري الوطن. كانت هذه فكرة المخرج حمزة إسعيد في إنتاج الفيلم التسجيلي «رحلة الأحلام». والفيلم هو عمل فلسطيني يترجم أحلام المواطنين. مدة الفيلم لا تتجاوز الربع ساعة، ولكن المضمون يعبر عن عبء كبير من هموم الناس. ومن المتوقع أن يشارك الفيلم في مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©