الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

المطر وأهوال التعبير

المطر وأهوال التعبير
14 سبتمبر 2007 00:49
من سوء الحظ أن يعيش الإنسان فكرة واحدة عن الحياة، ويسمع أو يقرأ عن الأخرى، بل والتعددات الأخرى للفكرة نفسها، وإن كان الكلام سينحو نحو المطر وتشكيلاته، إلا أنه يدخل في كل نطاق، لأن كل مادة هي بحد ذاتها إشارة ودليل لكل ما دونها، حتى وإن اختلفت الفروق، باطنية وظاهرة· أذكر أن خلافاً قديماً حدث بين فكرتين عن طريق فريقين يتحاوران، الأول؛ قضى بأنه يجب ألا نكتب عن النورس ونحن لم نره في حياتنا، يجب أن نعيشه ونشعر بحياته واختلاف طيرانه عن العصافير مثلاً، لأن ذلك سينقص من البنية الحاضنة للغة عند القارئ، والفريق الآخر؛ لم يرفض الفكرة، لكنه لا يحب اعتمادها وحدها، ولكل كاتب أو بالأحرى كل متخيل حرية مطلقة في استعاراته، حتى ولو قام باختراع أو نحت مفردات ليس لها في الواقع مصدر تعود إليه، فاللغة حياة لا تعتمد على الوقائع فقط· لكل جغرافية مناخها، وأوضاع مطرها، حتى أن الرذاذ تختلف طبيعة حضوره من الريف إلى الصحراء، فبينما في مكان ما يكون الرذاذ علامة على بدء هطول المطر، يكون في آخر هو المطر نفسه، أي لا يكون علامة إلا على نفسه· ويكون ذلك وغيره من تشكيلات وضعاً من أوضاع حرية الطبيعة، فالطبيعة لا تتجزأ طريقتها في التعبير طبقاً لقرار خارجي، إلا عندما يتم التدخل - بشرياً أو يكون مرتبطاً بتحولات الكون - وعلى مسافات زمنية بعيدة، تنتمي بالضرورة إلى الرغبة في التآلف من جديد، طبقاً لقوة تأثير المتغير، وما الأعاصير والزلازل والبراكين إلا أوضح الإنباءات للبشر والحيوان والنبات، بل وللطبيعة نفسها، بأن متغيراً ما يحدث، ستزول الديناصورات بكل عصورها، وتنتهي حضارات وأمم، وتتشكل قارات جديدة، وبحار تجف وأخرى تنشأ، لكن العقل الذي يحكم الجميع؛ هو وبعد انتهاء كل تغير/ كارثة، يعود الكل لتضميد الحاصل، والرضى بالموجود، إننا نعيش دائماً أفكاراً مختلفة وجديدة لبدايات دائمة، لا تنتهي· والحلم بالعيش في مجتمعات أخرى دائماً، الحلم بالهجرة من مكان إلى مكان، الحلم بالتغيير، الحلم بتعديل الأوضاع القاسية طبقاً لاختلاف في المنظومات المفاهيمية من شخص لآخر، من نسق لآخر، هو من إحدى سمات الشعر، أي اللغة، أي التفكير، ··إن الإنسان بشكل ما هو حالات المطر المتعددة من الرَّذاذ : السَّاكن الصَّغير القطر كالغبار، والطَّلُّ: أخفُّ المطر وأضعفه، الرَّشّ والطَّشّ : أول المطر، والدِّيمة : المطر الذي يدوم أياماً في سكون بلا رعد وبرق، والمُزْنَة : المطْرة، والنَّضْح والبَغْش والدَّثُ والرَّكّ والرِّهْمَة: أقوى من الرذاذ، والهَطْل والتَّهْتَان : المطر الغزير السُّقوط، والغَيْث: الذي يأتي عند الحاجة إليه، والحَيا : الذي يُحيي الأرض بعد موتها، العُباب : المطر الكثير، والوابِل والصَّنْدِيْد، والجَوْد: المطر الضَّخم القطر الشَّديد الوقع، والوَدْق: المطر المستمر، ··· إلخ· إنها أهوال ليس إلا، على اللغة توثيقها، مثلما فعل إنسان الكهوف وسجل مغامراته الأولى، حتى يقي نفسه من أشياء، ويتعلم أشياء· eachpattern@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©