الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تراسل بالقرآن

تراسل بالقرآن
14 سبتمبر 2007 01:15
قيل إن سديد الملك أبا الحسن علي بن منقذ كان معروفاً بحدة الذكاء والفطنة·· وكان يتردد على حلب وصاحبها آنذاك كان يدعى تاج الملوك محمود بن صالح بن مرداس، وكانت بينهما صلة طيبة، لولا أن الوشاة سعوا بينهما حتى خاف سديد الملك على نفسه من محمود بن صالح، فترك حلب وتوجه إلى طرابلس الشام، وأقام لدى صاحبها جلال الملك بن عمار، ولكن محمود بن مرداس صاحب حلب أمر كاتبه أبا نصر محمد بن الحسين أن يكتب إلى سديد الملك يستعطفه ويستدعيه للمجيء إلى حلب، وعلم الكاتب أنه يستدعيه ناوياً قتله، وكان الكاتب أبونصر يحب سديد الملك فكتب الكتاب كما أمر به، غير أنه لما بلغ آخره فجاء عند جملة (إن شاء الله) فوضع على النون من لفظ (إن) شدة وفتحة فصارت (إنَّ)، فلما وصل الكتاب لسديد الملك كتب ردا جميلاً يعد فيه بالمجيء قريبا إلى حلب وأنه لا يستغني عن زيارتها، بيد أنه في آخره كتب جملة هي (إنا الخادم المقر بالإنعام) ووضع همزة أسفل ألف أنا وشدة على النون، فلما وصل الرد قال كاتب محمود بن صالح إنه فهم قصدي وأجاب عنه· وتفسيره أن الكاتب لما كتب (إنَّ) قصد منها قوله تعالى (يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) (القصص: 20) ولما ورد فكتب (إنا) قصد (وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها) (المائدة: 22)· الامتحان المغلوط سمع أهل العراق بالإمام البخاري فدعوه عندهم فلما أزمع الذهاب وتلبية الدعوى أراد أهل العلم فيها أن يعرفوا قدر علم الرجل· فوضعوا امتحاناً يكاد يكون مُعجزاً· إذ انتقوا من بينهم عشرة علماء، وأتوا بمائة حديث، فعزلوا كل متن حديثٍ عن سنده· ونسبوا -على سبيل المثال- متن الحديث الأول، إلى سند الحديث العشرين وهكذا بالمائة حديث حتى أصبحت مغلوطة كلها· وحفظ كل عالم من العشرة عشرة أحاديث بالطريقة المغلوطة، ولما جاء البخاري واستقر به المجلس وقد أحاطت به آلاف الناس ابتدره العالم الأول وسأله عن علمه بالحديث كذا سارداً له السند والمتن بالطريقة المغلوطة، فيقول البخاري لا أعرفه وهكذا إجابته في المائة حديث، حتى تأكد العلماء أنه ليس في العلم على الدرجة التي كانوا يظنون· فلما سكتوا قال لهم: أليس من أسئلة أخرى؟ قالوا نعم· لقد انتهت الأسئلة· قال لهم اذاً اسمعوا·· أما عن السائل الأول فقد سألني عن عشرة أحاديث لا تتفق مسانيدها مع متونها، والأحاديث كما سمعتها هي: وسرد العشرة أحاديث بالطريقة المغلوطة التي سمعها ثم تولى تصحيحها بإسناد كل متن إلى سنده الصحيح، وهكذا فعل بالمائة حديث، يسرد ما سمع كما سمع لا يقدم حديثاً عن حديث ولا يؤخر حديثا عن حديث ولا يتمهل للتفكر ولم يفته شيء كأنما يقرأ الأمر من كتاب مفتوح، فإذا العلماء يقومون إليه بين مقبل ليده وبين لاثم لرأسه وبين متمسح بثوبه! وجميل في ذلك تعليق الحافظ ابن حجر العسقلاني، إذ يقول: وليس من الغريب أن يصحح البخاري تلك الأحاديث فذلك علمه وفنه، وإنما العجب كل العجب من حفظه إياها بالطريقة المغلوطة وسردها كما سمعها وهي مائة حديث!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©