السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مثقَّفو المواقف النبيلة

14 سبتمبر 2007 23:20
في تسعينات القرن الماضي، كان الحصار العالمي المفروض على الشعب العراقي قد نخر، من بين ما نخر، الوضع الثقافي في البلاد· وكان المثقَّفون العراقيون، وكذلك الجامعات والمؤسسات الثقافية قد تأثروا كثيراً بنتائج ذلك الحصار الجائر· في ظل تلك الأجواء المحزنة، عمل الكثير من المثقَّفين العرب على كسر الحصار لتخفيف شأن الحصار على أقرانهم العراقيين· ومعلوم أن الكتاب أو المجلة أو البحث أو الدراسة، هي عدة الباحث أو الكاتب أو المثقف عموماً في عمله، لكن الحصول على بعض من ذلك كان غصة في حياة الباحث؛ فالحصار الشامل أدى إلى حرمان المثقَّفين العراقيين من قراءتهم للمنجزات الثقافية والفكرية والفلسفية والأدبية تلك التي ينتجها أقرانهم العرب بل والغربيين· من بين المثقَّفين العرب الذين كسروا ذلك الحصار، كان المفكِّر المغربي سالم يفوت، الذي تربطني به علاقة صداقة تعود إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي· كان يفوت؛ الإنسان الرقيق والمثقَّف العربي الصادق الشمائل، حريصاً على إيصال مؤلَّفاته إلى المثقَّفين العراقيين، خصوصاً المتخصِّصين في الحقل الفلسفي، ومنهم كاتب هذا المقال، بل حريص أيضاً على توصيلهم بعدد من المؤلفات الفلسفية لمؤلفين آخرين، وكانت تلك خصلة يفوتية كبيرة الأثر في نفوس المثقَّفين العراقيين أجمعين· جاء يفوت بغداد ليراها وهي تئنُّ تحت وطأة جور الحصار، ليعود إلى الرّباط بألم المثقَّف العربي الأصيل الذي تغصُّ نفسه حسرات زافرة على ما يجري لبغداد من دمار، ولما يجري للعراقيين، كل العراقيين فيها، من تدمير آدمي مهول، وما يجري أيضاً للمثقَّفين العراقيين من عزلة تأكل كيانهم الذاتي وتقوِّض طموحاتهم، لكنه، وفي الوقت نفسه، كان يعلم أن العطاء الإبداعي العراقي لا يحدُّه جور جائر ولا حصار ماخر· سنوات طويلة مرَّت لم ألتق سالم يفوت، لا في بغداد ولا في عمان ولا في بنغازي ولا في طرابلس ليبيا، وهي المدن التي عشتُ فيها سنوات الغربة في وطننا العربي، لكن الأقدار جاءت بيفوت إلى أبوظبي في محاضرة له بـ ''المجمع الثقافي'' سابقاً ''هيئة أبوظبي للثقافة والتراث'' راهناً· وما كان اللقاء بيننا متوقعاً؛ فبينما كان يفوت يلقي محاضرته تداخلتُ معه بسؤال ليُفاجأ بوجودي داخل القاعة، وعند الانتهاء كان لنا حديث عن مسائل فكرية وفلسفية عدَّة، وأحاديث لذكريات ماضية· سالم يفوت إنسان إنساني بامتياز، يحب الإنسان لأنه كذلك، وهو مفكِّر إنساني بامتياز يحب الفلاسفة والعُلماء والمفكِّرين والمثقَّفين كما يحب الفلسفة والعلم والفكر والثقافة· ومن جمال الإنسان أن يكون نبيلاً في مواقفه، والأجمل أن يكون فيلسوفاً ومفكِّراً ومثقَّفاً نبيلاً في مواقفه أيضاً، وهذا ما كرَّسه سالم يفوت في حياته، وفي علاقاته مع المثقَّفين العرب في حلهم وترحالهم، خصوصاً أولئك الذين مسَّهُم حيف الوجود، وجرحهُم ظلم الموجود، ونالت منهم فواجع الحياة ومخالب البُغاة· فألف تحية لسالم يفوت إنساناً ومفكِّراً، ضيف ''صفحة فكر'' في هذا الأسبوع· rasmad8@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©