الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسان بن ثابت عجز اليد وفروسية اللسان

14 سبتمبر 2007 23:29
ولد حسان بن ثابت في يثرب عام 563 ميلادية، وكان جده المنذر خطيب قومه، وكان الحكَم الذي احتكمت اليه القبائل في إحدى الحروب القديمة فقضى فيها، وقبِل حكمه الأوس والخزرج معاً، وكان ابوه من سادة قومه واشرافهم· وقد امتزجت في نفس حسان عراقة النسب بعراقة الادب، فكانت اسرته شاعرة، كما جاء ولده عبدالرحمن شاعراً فيما بعدُ، وكذلك ابنته ليلى· وعاش حسان طفولته وشبابه يعاني ويلات الحروب التي كانت تشتعل بين قومه الخزرج وابناء عمومته الأوس، وكعادة فتيان العرب بدأ حسان يتدرب على حمل السلاح لعله يصبح فارساً يشارك قومة حروبهم، إلا أن حسان الفتى اصيب في اثناء تدريبه بأن قطع السيف عصب الرسغ الايمن حتى أصبح عاجزاً عن حمل السلاح· وعن هذا العجز وتأثيره على حياة حسان بن ثابت أوضح الدكتور محمد داود -أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس- أن الواقعة تسببت في معاناة نفسية شديدة لدى الفتى، فهو يرى أقرانه الفتيان يذهبون ويجيئون امام عينيه يلوحون بسيوفهم ويستعرضون قدرتهم على حمل السلاح من أجل الثأر ورفع الكرامة، أما هو فلم يعد قادراً على ذلك!! ويفكر الفتى ماذا يقدم لأهله وقومه غير حمل السلاح، فهرب الى الخلاء وجلس وحيداً مستغرقاً في التفكير والبحث عن خلاص وملاذ يكفيه سخرية الاعين الصامتة، وجلس الفتى في سكون الليل يفكر في الحال الذي وصل اليه، وقرر ان يتميز في شيء يكون به في خدمة قومه ويكون الأول فيه، وتعلق حسان بحلم ان يكون شاعر قومه الاول، وبدأ يشارك بشعره ويسجل احداث الحياة من حوله ويفخر بقومه وعشيرته حتى بلغ في الشعر مدى واسعاً اعترف له به الجميع· وينطلق حسان بشعره يرحل به هنا وهناك، ويطوف بالبيت العتيق فيصفه، ثم ينطلق الى عكاظ حيث يجتمع الشعراء· واعترف له الكثير من الشعراء بالسبق، وقال له النابغة: أنت اشعر الناس، وهكذا أصبح اسم حسان بن ثابت معروفاً لكل عربي في الجزيرة حتى اصبح الشعر بالنسبة له سلاحاً يقارع به الآخرين عوضاً عن عجزه الذي حال دون حمل السلاح في ساحات القتال· ويذكر المؤرخون وكتاب السير أن حسان بن ثابت وجد في الاسلام ملاذه وخلاصه وسعادته بعيداً عن الصراعات والحروب التي تشتعل كل يوم بين الأوس والخزرج، كما رأى حسان بن ثابت في الرسول صلى الله عليه وسلم زعيماً وقائداً ومصلحاً عظيماً وداعياً الى الله تعالى الواحد، ولا يبغي من دعوته ملكاً ولا جاهاً ولا شرفاً، ولا يطمع في عرض الدنيا وإنما يبغي جهاداً في سبيل الله والحق وكرامة الانسان، ويُلقي حسان نفسه في أحضان هذا الدين الجديد، فذهب الى الرسول ليعلن اسلامه، ويقول: شهدت بإذن الله أن محمداً رسول الله الذي فوق السموات· فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ''وأنا أشهد معك''· ويقول الدكتور محمد داود عن هذه الشخصية العظيمة: إن حسان بن ثابت وجد من النبي صلى الله عليه وسلم كل الحب والقبول والرضا، كما أن الرسول الكريم أدرك منذ الوهلة الأولى أن الإعاقة الدائمة التي أصيب بها حسان في يده تمنعه من حمل السلاح، كما أدرك أن حسان رجل يجيد الشعر، فأوكل اليه أن يحمل هذا السلاح، حيث كان الرسول الكريم يرى في الشعر سلاحاً قوياً في محاربة المشركين والرد عليهم، ويقول في ذلك صلى الله عليه وسلم: ''إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه''، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الشعراء الى أن ينصروه بألسنتهم الى جانب المحاربين بسيوفهم، ويتقدم حسان بن ثابت ويلبي دعوته معتزاً بسلاح الكلمة، ويعينه الرسول على استكمال عدته الهجائية بإرساله الى أبي بكر ليأخذ عنه حديث الانساب ثم يؤيده بالدعاء· ويفلح حسان في إغاظة وإيجاع خصوم الاسلام واصابة مقاتلهم وكأنه يحمل سيفاً بتاراً، ويهب حسان بن ثابت نفسه لله منذ اسلم ويوقف لسانه، دفاعاً عن الاسلام، وحينما كان المسلمون يعدون أنفسهم للمعارك كان حسان يشحذ قريحته فيُرغِّب المسلمين في الاستشهاد ويثير حميتهم على أعدائهم· فكان حسان ''غازياً'' محارباً بالشعر وبلسانه لم يترك موضعاً من الاعداء يُطعن فيه إلا طعن، فقد كان يقاتل ويدافع عن الدعوة كلما اغار عليها عدو بلسانه، ولهذا لم يشعر بوطأة المحنة أو العجر، ويعمر حسان طويلاً ويدرك خلافة عمر بن الخطاب، وفي تلك الأيام فقد البصر وشلت يده تماماً، وكانت نهايته نهاية الفارس الذي لم ينكسر في معركة ولم تهزمه المحن·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©