الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا... النتائج العكسية الحبكة الأكثر رواجاً

أميركا... النتائج العكسية الحبكة الأكثر رواجاً
14 سبتمبر 2007 23:41
في السابع عشر من أبريل عام ،1987 قاد أسامة بن لادن 120 رجلاً من أقوى وأشرس رجاله المجاهدين العرب إلى معركة خُطط لها في شهور عدة، للهجوم على الجيش الأحمر السوفييتي الملحد، كان الهدف موقعاً للحكومة الأفغانية في ضواحي مدينة ''خوست''· بيد أن الأمور مضت على نحو سيئ؛ إذ لم يتوصل أي من المجاهدين إلى الذخيرة التي كانت محمَّلة على متن سيارة بعيدة عن ساحة المعركة، كما كانوا منهكين من حمل قذائف الهاون -لم يكن لديهم ما يكفي من البغال لنقلها- إلى درجة أن بعضهم أُغمي عليه من شدة التعب، فعادوا إلى الكهوف حتى قبل أن تبدأ المعركة· كما لم يتذكر أحد جلب الأسلاك التي تُستعمل لربط القذائف بالصواعق، وكانوا قد أثاروا الضوضاء التي نبهت جنود القوات الحكومية التي حاصرتهم قبل أن يأمرهم ابن لادن بالتراجع· كانت السيناريوهات من هذا القبيل هي ما يحدث عادة في أوساط من يسمون بالأفغان العرب، وهم بضعة آلاف من المتدينين غير المنسجمين مع مجتمعاتهم العربية، والذين لم يكونـــوا مهتمين بتحرير أفغانستان بقدر ما كانوا مهتمين بالجهاد العالمي· أما الأفغان الحقيقيون، فقد كانوا يعتبرون هؤلاء العرب مقاتلين مهرجين وفاشلين؛ ذلك أنهم كانوا أشبه بأبطال السلسلة التلفزيونية الفكاهية ''كيستون كوبس'' منهم بالمقاتلين المحنكين· ولكن بعد شهر على ذلك، تزعم ابن لادن الأفغان العرب في أنجح جهد عسكري: الدفاع عن مخبئهم في الجبل أو ما يطلق عليه ''عرين الأسد''· كانت المعركة ناجحةً من الناحية العسكرية على اعتبار أن الجيش الأحمر المنسحب أُرغم على العودة ومواجهة المهاجمين· وفي هذا السياق، كتب ''لورانس رايت'' في كتابه "The Looming Tower" (البرج المشيَّد) الفائز بجائزة بوليتزر: ''من وجهة نظر السوفييت، فإن معركة عرين الأسد كانت لحظة صغيرة من الانسحاب التكتيكي من أفغانستان''· غير أنه بالنسبة لابن لادن وأتباعه، فقد كانت دليلاً إلاهياً على أن المجاهدين سحقوا السوفييت الجبابرة· وحسب ''رايت'' فقد كان ثمة ''إحساس كبير بأنهم يعيشون في عالم فوق طبيعي يركع فيه الواقع للعقيدة· وأصبحت معركة عرين الأسد، بالنسبة لهم، أساساً وقاعـــدة أسطورةِ هزمهم للقـــوة العظمى السوفييتية''· وهكذا، أصبح الأفغان العرب المسلحون بهذه الأسطورة، نواة تمرد جهادي عالمي يدعى ''القاعدة''· وكان ابن لادن وذراعه اليمنى أيمن الظواهري مقتنعين بأنهما بطلان في دراما تاريخية عالمية، والحال أنهما لم يكونا سوى شخصيتين ثانويتين خارج دائرة الضوء· منذ بضع سنوات، تُجادل بعض الأصوات في اليسار بأن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت مثالاً كلاسيكياً لـ''النتائج العكسية'' المترتبة عن دعم الأميركيين لكفاح المجاهدين في أفغانستان· والحال أننا ''لم نصنع ابن لادن''، بل إنه هو من صنع نفسه بنفسه· وإذا كانت ثمة قوة عظمى قد صنعته، فهي السوفييت؛ ذلك أن انسحابهم، وليس دعمنا، هو الذي أقنع المقاتلين الأجانب بأن قوتهم على الإزعاج هي التي أسقطت الدب السوفييتي· اللافت أن نظريةً جديدة يتم تطويرها اليوم حول ''النتائج العكسية''، فـ''واشنطن بوست''، ومجلة ''تايم''، ووكالة ''أسوشييتد بريس'' بعض من المؤسسات الإعلامية التي قالت إن الولايات المتحدة تعمل على تسليح السنة في العراق· وهو أمر يجانب الحقيقة، كما رد على ذلك الجنرال قائد القوات الأميركية في العراق ''ديفيد بترايوس''، في شهادته أمام الكونجرس يوم الاثنين الماضي· إلا أنه ليس من المفاجئ أن يقفز الكثير من الأشخاص إلى هذا الاستنتاج لأن حبكة ''النتائج العكسية'' المألوفة هي الحبكة المرجحة الوحيدة بالنسبة لملايين الأشخاص ممن يرون أن الحرب كانت وستبقى عملاً مجنوناً ينم عن الغرور والعجرفة· واللافت أن المناوئين للحرب شجبوا شهادة ''بترايوس'' حتى قبل أن ينبس بكلمة، ليس لأنهم يعرفون الحقائق أكثر من ''بترايوس''، وإنما لأن أي شيء لا يتناسب ويتناغم مع الحديث حول المستنقع الذي ما فتئ يزداد تدهوراً -أي العراق- لابد أنه كلام كاذب، بل إن البعض ذهب إلى التشكيك في دوافع ''بترايوس'' الشخصية· وعليه، فإن الكثيرين من مؤيدي الحرب أَرغموا الواقعَ على الركوع للعقيدة خلال السنوات الأخيرة، والحال أن الواقع لا يمكنه أن يبقى على هذا النحو لوقت طويل جداً· ولذلك، فعلى الأشخاص الذين يديرون مشروع العراق أن يغيروا النهج ويمنحوا الحقائق الاحترام الذي تستحقه· والحقيقة أن الكثير من الديمقراطيين انشقوا عن خطاب قاعدتهم مؤخراً، وإن ما زالوا يلحون على ''حل سياسي'' في العراق بدون حل عسكري مصاحب· بل وحتى المتمردين السنة أصبحوا يَعون حقيقة أن تنظيم ''القاعدة'' لا يراعي مصالح العراق· غير أن ثمة مجموعة واحدة لا تميل إلى الاعتراف بالواقع، ألا وهي ''القاعدة''· فمهمة الجهاديين، وكما هو الحال دائماً، هي خلق واقع جديد· وختاماً أقول إنه إذا كان ابن لادن قد استطاع إقناع نفسه أواخر الثمانينات بأن جماعته سددت ضربة مميتة لـ''امبراطورية الشر''، مما أدى إلى تأسيس القاعدة، فلا يسع المرء إلا أن يتصور الأمور الخطيرة التي قد يستنتجها وأمثاله من انهزام الولايات المتحدة في العراق· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©