الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صيادون على الأسفلت

صيادون على الأسفلت
14 سبتمبر 2007 23:49
يحتاج كثير من الباحثين إلى مرجع معين قديم أو جديـــد في موضوع بحثهم، أو عدد قديم من دورية توقــــفت عن الصدور، أو كتب نادرة لم تعد موجودة، هناك من هو حاضر لكي يجدها لهذا الباحث· ليس هذا وحسب بل يمكن إيجاد كتب ودوريات ليست موجودة في كبريات المكتـــــبات العامة في البلد· إنهم المخزن الذي يمكن أن يُـــخرج أي كتاب يحتاجه أي باحــــث· إنهم باعة كتب الرصيف· وإذا كانت كتب الرصيف التي نجدها على أسوار الحدائق وتحت الجسور، هي ذات أسعار مخفـــضة وتساعد القارئ على اقتــــناء الكتاب في زمن الـــغلاء الفاحش، وتردي الأوضاع المالية للشرائح الشابة وازدياد الضغوط من كل صوب· ولكن وراء هذه الكتب الرخيصة هــــناك كتــب قديمة ولكن ثمنها مرتفع، بمعنى أن هناك تجارة خلفية فيها الكثير من المال، لا تتوافر في تجارة الكتب الجديدة· من أجل كتاب يقول بعض العاملــــين في هذا المجال، إنهم قد يشـــترون مكتبة لا قيمة لها من أجل كتاب واحد، وما يدفعونه يستردونه من ثمن هذا الكتاب، أو من أجـــل عدد من دورية، لا تكتمل أعدادها بدونه، ويكون في أغلب الأوقات عدد قد مُنع في وقته فاصبح نادراً، ولا تكتمل الدورية من دونه، ولا يكتمل ثمنها حتى يجد البائع هذا العدد أو الأعداد التي منعت، الدوريات الكاملة لها زبائنها من الجامعات والمراكز، حتى الجامعات والمراكز الأجنبية، ويدفع لها ثمن جيد يستحق معاناة جمعها التي تستغرق أحياناً أعواماً وفي كثير من الحالات تعتمد على الحظ في إيجاد الأعداد الممنوعة· وهناك كتب وطبعات قديمة عليها طلب من جامعي الكتب، مثل طبعة بولاق الأصلية من ألف ليلة وليلة ، وأصحاب مكتبات الرصيف يعرفون هذه الكتب النادرة، وكثيراً ما تحتوي المكتبات العائلية القديمة في دمشق بعض هذه الكتب التي لا يعرفها سوى أصحاب هذه المهنة، وعندما يشترون مكتبة صغيرة من أجل كتاب لا يصرحون بأنهم يشترونها من أجل هذا الكتاب، ولا يطلبون شراء الكتاب وحده· إنهم يتعاملون مع المكتبة صغيرة أو كبيرة كحقل صيد، كصياد يجول أحدهم على الكتب، يقتنص الكتب المهمة، وبعدها يبدأ المساومة بأن يعتبرها لا تستحق عناء المساومة· تحوي مكتبات الرصيف كماً كبيراً ومتنوعاً من الكتب السياسية والدينية والفلسفية والأدبية والتعليمية والفنية والتاريخية والتراثية والطبية العربية والأجنبية، إلى جانب عدد كبير من الكتب التي تتنوع موضوعاتها وعناوينها بين الأعشاب والأبراج والشعوذات، وعدد كبير من أعداد الدوريات الفكرية والعلمية التي انقطع بعضها عن الصدور، وبعضها الآخر مازال يصدر، والمجلات التي تتنوع بين السياسية والاجتماعية، وتجذب يومياً طيفاً واسعاً من المثقفين والكتاب والباحثين والطلاب للبحث بين أكوام الكتب والمجلات القديمة كلّ حسب اهتماماته الثقافية واتجاهاته الفكرية والعلمية· المحمولة والمتنقلة تضم مدينة دمشق عدداً كبيراً من هذه المكتبات المحمولة والمتنقلة، يتوافد أصحابها مع ساعات الصباح الأولى إلى محيط جامعة دمشق، يفترشون بحمولتهم الثقافية أرصفة شارع البارودي وأسوار التكية السليمانية وأسوار مباني الجامعة· وأصبح هذا المكان الاستراتيجي في قلب العاصمة سوقاً للكتب المستعملة لا تتم فيه عمليات بيع وشراء الكتب القديمة والمستعملة فحسب، بل أصبحت حركة البيع والشراء فيه مقياساً للحركة الثقافية، حسب ادعاء العاملين في هذا السوق، المبني مثل شبكة الكمبيوتر العنكبوتية، حيث كل الباعة يتصلون ببعضهم بعضاً، عندما يتم طلب كتاب معين من بائع، يقول للزبون أعطني العنوان، ويسأل الآخرين عنه، وتبدأ المساومات بين بعضهم بعضاً، قبل أن يعود هو إلى مساومة الزبون من جديد، إنها مهنة فيها الكثير من متعة الاصطياد سواء اصطياد الكتاب الغالي بسعر رخيص، أو اصطياد الزبون القادر على الدفع·
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©