السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التبتيون وفرصة الوطن الفريد

التبتيون وفرصة الوطن الفريد
25 مارس 2008 02:11
عندما التقيت في ليلة من ليالي الشتاء الأخيرة في أحدث ناد ليلي في ''لهاسا'' مقاول صيني -وهو مالك المهلى أيضا-، قال لي: ''الثقافة التبتية لها جذور قوية هنا، ولذلك، فلا أعتقد أنها ستتأثر -وهو أمر مهم بالنسبة للتجارة''، ولكن حين نظرت حولي، لم أر موظفين تبتيين، ولم يكن التبتيون يشكلون سوى عدد قليل من الزبائن، فقد كان معظم زبائن النادي الليلي من رجال الأعمال وضباط الجيش الصينيين، الذين قد تصل فواتيرهم إلى 2000 دولار، أي أضعــاف دخل الفرد في التبت· تصريحات مالك النادي الليلي هذه، تُبرز المشكلة التي يواجهها التبتيون مع الحكم الصيني، فقد تم استغلال ثقافتهم من أجل السياحة، فازدهرت التجارة، ولكنهم لم يحصلوا على نصيب من الرخاء، وهذا في الواقع -أكثر من حقوق الإنسان والحرية الدينية- هو ما غذى أعمال الشغب التي اندلعت في الرابع عشر من مارس في ''لهاسا'' ومناطق أخرى من التبت، والتي تعد الأكبر والأعنف من نوعها منذ انتفاضة 1959 حين ثار التبتيون على الحكم الصيني، فاليوم، يقف التبتيون على عتبة مرحلة اقتصادية جديدة، على وشك أن يغمرهم فيها تسونامي التوسع الصيني الكبير على نحوٍ قد يكون أكثر تدميرا من العقود السابقة للحكم القمعي· مما لا شك فيه، أن انتهاكات حقوق الإنسان مازالت مستمرة في التبت، ومن ذلك السجن والتعذيب وطرد التبتيين من مزارعهم والقيود المفروضة على الأنشطة والأفكار داخل المعابد، وإذا كانت هذه القيود هي التي أطلقت شرارة المقاومة الأخيرة، فإن الاضطراب في ''لهاسا'' كان أكثر وضوحا من حيث تركيزه على أعراض التغيير الاقتصادي، ذلك أن ما بدأ كاحتجاجات لبضع مئات من رجال الدين من معابد ''لهاسا''، سرعان ما تحول إلى أعمال شغب جلبت أصحاب المحلات والتجار والمزارعين إلى الشوارع أيضا· ولم تكن أهداف التدمير والعنف اعتباطية أو عشوائية، ذلك أن السيارات التي كانت مقلوبة تحترق أمام معبد جوكهانغ -المكان المقدس الذي يعود للقرن السابع في وسط المدينة العتيقة في ''لهاسا'' وعلى الشارع الشرقي المجاور كانت سيارات غالية مثل ''تويوتا لاندكروزر'' وسيارات ''هوندا'' و''آودي'' الفاخرة، ترمز إلى الطبقة الأعلى من المجتمع التبتي البيروقراطي والمهاجرين الحاكمين من إقليم ''هان'' الصيني· كما أن المحلات والمتاجر التي أُضرمت فيها النار كانت لصينيين، والعديد منها أُنشئ منذ أن جددت بكين جهودها لجلب تنمية مكثفة وتشجيع الهجرة من ''هان'' إلى التبت المتمتع بالحكم الذاتي في أواخر التسعينيات· خلال أول زيارة لي إلى التبت قبل ست سنوات، كان من الممكن وصف ''لهاسا'' بأنها مدينة يتمتع فيها الصينيون بنفوذ كبير، ولكنها رغم ذلك كانت تتميز بهندستها التبتية القديمة، ومنتوجاتها التبتية، وسكانها التبتيين بطبيعة الحال· وكان الصينيون الذين يقيمون هناك كثيرا ما يغادرون المنطقة في فصل الشتاء حين تنخفض درجات الحرارة تحت درجة التجمد، وتلفح المدينةَ الواقعة على ارتفاع 12000 قدم الرياح القادمة من جبال الهمالايا· ولكنني فوجئت خلال زياراتي الأربع اللاحقة حين رأيت التغيير الكبير الذي طرأ على المدينة، فقد انفجر عدد السكان من 250 ألفا إلى 500 ألف نسمة، وبالرغم من الأرقام الرسمية التي كانت تقول بعكس ذلك، إلا أن قلة قليلة فقط من المهاجرين الجدد كانوا تبتيين، كما أن الوافدين الجدد يمكثون في المدينة على مدار السنة· في أكتوبر 2006 تجمع عدة مئات من التبتيين المتعلمين وغيرهم من التبتيين ''الحديثين'' أمام المكاتب الإدارية للحكومة المحلية في ''لهاسا'' -في ما بات يُنظر إليه اليوم على أنه نذر الاضطرابات الواسعة التي اندلعت في التبت في الرابع عشر من مارس الجاري- لم يكن دافعهم الاعتراض على القمع الديني أو شكاوى حقوق الإنسان-، وإنما القوانين الجائرة التي تسم عالمهم الاقتصادي الجديد، فقد كانوا غاضبين ومستائين لأنه بالرغم من مستواهم التعليمي ومكانتهم كطبقة وسطى، إلا أن الوظائف كانت تذهب إلى الصينيين القادمين من ''هان'' بدلا من أن تذهب إليهم· يصف الصينيون ما يحدث في التبت بأنه ''تقدم''، ولكـــن سياساتهـــم كانــت تهـدف على مــا يبدو إلى شيء آخر، فقد انتهجت الصين على الدوام سياسة ''تدجين'' مناطقها الغربية النائية عبر الدمج العرقي والاقتصادي، حيث وضعت محفزات ضريبية لتشجيع أصحاب المشاريع التجارية في إقليم ''هان'' على التوجه من المدن الشرقية نحو الغرب وخففت قوانين الهجرة، كما قامت الشركات الصينية التي تديرها الدولة بتوظيف المقاولين والعمال الصينيين من ''هان'' في مشاريع البناء الكبرى مثل إنشاء خط السكة الحديدية، بل وحتى بناء الطرق المحلية· نتيجة لذلك، فإن كل التوسع والثروة التي وصلت إلى التيبت لم تفد التبتيين إلا قليلا؛ إذ بالرغم من مرور عقود على قدوم الاستثمارات، إلا أن نسبة الأمية ما زالت ضعف ما هو موجود في إقليم ''سيشوان'' المجاور بأربع مرات، كما أن عدد المدارس المهنية بالتبت قياسا بعدد السكان أقل بحوالي الربع مقارنة مع بقية الصين· الواقع أن الألعاب الأولمبية المقبلة في بكين توفر للتبتيين -والكثير من الصينيين المضطهدين الآخرين- ما قد يكون آخر فرصة ذهبية للفت انتباه العالم للطابع غير العادل لمعجزة الصين الاقتصادية، وربما تشكل بالنسبة للتبتيين فرصتهم الأخيرة للتمسك بوطن فريد اقتصاديا ودينيا وعرقيا قبل أن يُفقد إلى الأبد، هذا في الواقع هو ما يجعل انتفاضة 2008 مختلفةً عن تلك التي اندلعت في ،1989 وهو ما يدفع التبتيين للخروج إلى الشارع· أبراهام لاستجارتن مؤلف كتاب مقبل حول الصين والتبت ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©