الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العبودية

العبودية
16 سبتمبر 2007 05:05
يفخر المسلم بأنه عبد لله، ويعلم أن هذا من أجل النعم عليه من الله، فأعظم الفخر لنا أنه سبحانه لنا رب ونحن له عبيد· وللعبودية آداب وواجبات، فمنها الذلة والانكسار والخضوع لله· وما أجملها من كلمة إذا كانت لله، وما أحقرها وأذلها إذا كانت لغير الله، فالمسلم يؤمن بأنه عبد لله، ويلتزم بذلك الأدب مع ربه، فهو يعلم أنه أعظم تشريف له أن يوصف بأنه عبد لله، والله تعالى يقول في صفات من يحبهم (وعباد الرحمن) (الفرقان: 63)، بل ويحميهم من كيد الشيطان الرجيم حينما يدور هذا الحوار المهيب بين الله العظيم وبين الشيطان الرجيم، فيخاطب الله تبارك وتعالى إبليس ويقول له (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) (الحجر: 42)· خضوع وإنابة ومن أعظم التشريف ما وصف به ربنا جل وعلا حبيبنا سيد البشرية محمدا بن عبد الله فشرفه وقال له (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) [الإسراء: 1)، ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نلتزم بحق العبودية مع الله حينما ندعوه فنظهر لله الذل والانكسار، فعلمنا صلى الله عليه وسلم أن كل من أصابه هم أو غم يلتزم بهذا الأدب في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي ''اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك''، فتضمن هذا الحديث أموراً من التوحيد والمعرفة والعبودية، منها أن الداعي بهذا الدعاء يصدر دعاءه بقوله ''إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك''، وهذا يتناول من فوقه من آبائه وأمهاته إلى آدم وحواء، وفي ذلك ذل وانكسار بين يدي الله عز وجل واعتراف بأنه مملوكه وآباءه مماليكه، وأن العبد ليس له غير باب سيده وفضله وإحسانه وأن سيده إن أهمله وتخلى عنه هلك ولم يأوه أحد ولم يعطف عليه أحد، بل يضيع أعظم ضيعة· وكأن معنى هذا الدعاء أنني لا غنى لي عنك طرفة عين، وليس لي من أعوذ به وألوذ به غير سيدي الذي أنا عبده، والمسلم بهذه الأقوال في دعائه يعلم أنه عبد لله يلتزم بعبوديته وما يصاحبها من خضوع وإنابة وامتثال أوامر سيده واجتناب نواهيه ودوام الافتقار إليه واللجوء إليه والاستعانة به والتوكل عليه· وأيضاً يعني هذا القول إنني عبدك، أي عبد من جميع الوجوه صغيراً وكبيراً، حياً وميتاً، مطيعاً وعاصياً، معافى ومبتلى بالروح والقلب والجسد والجوارح واللسان، وأيضاً أن مالي ونفسي ملك لك، وأن كل ما هو أنا فيه من نعمة أنت يارب الذي مننت علي بها فكله من إنعامك على عبدك، وإني لا أملك لنفسي موتا ولا حياة ولا نشوراً، فالمسلم يعلم أن لله سبحانه وتعالى على عبده أمرا أمره به وقضاء يقضيه عليه ونعمة ينعم بها عليه فلا ينفك من هذه الثلاثة· ·· وامتثال وإخلاص والقضاء على البشر نوعان يعلمهما المسلم ويسلم بهما، فالقضاء إما مصائب وإما معايب، وله عليه عبودية في هذه المراتب كلها، فأحب الخلق إلى الله من عرف عبوديته في هذه المراتب ووفاها حقها، وحينما يلتزم المسلم بهذا الحق مع ربه يكون من أقرب الخلق إليه، وأبعدهم من الله من جهل عبوديته في هذه المراتب فعطلها علماً وعملاً، فعبوديته في الأمر امتثاله إخلاصاً واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي النهي اجتنابه خوفاً منه وإجلالاً ومحبة، وعبوديته في قضاء المصائب الصبر عليها ثم الرضا بها وهو أعلى منه ثم الشكر عليها وهو أعلى من الرضا، وهذا إنما يتأتى منه إذا تمكن حبه من قلبه وعلم حسن اختياره له وبره ولطفه وإحسانه إليه بالمصيبة وإن كره، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين في كتابه الكريم (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة: 216)، وعبوديته في قضاء المعايب المبادرة إلى التوبة منها والوقوف في مقام الاعتذار والانكسار، عالماً بأنه لا يرفعها عنه إلا هو ولا يقيه شرها سواه، وأنها إن استمرت أبعدته من قربه وطردته من بابه فيراها من الضر الذي لا يكشفه إلا الله تبارك وتعالى، حتى أنه ليراها أعظم من ضر البدن، وأما عبودية النعم، فمعرفتها والاعتراف بها أولاً ثم العياذ به أن يقع في قلبه نسبتها وإضافتها إلى سواه، وإن سبباً من الأسباب فهو مسببه ومقيمه، فالنعمة منه وحده بكل وجه واعتبار ثم الثناء بها عليه ومحبته عليها وشكره بأن يستعملها في طاعته· ومن الآداب الواجبة في العبودية وحق النعمة أن يستكثر العبد قليلها عليه، ويستقل كثير شكره عليها، ويعلم أنها وصلت إليه من سيده من غير ثمن بذله فيها ولا وسيلة منه توسل بها إليه ولا استحقاق منه لها، وأنها لله في الحقيقة لا للعبد فلا تزيده النعمة إلا انكساراً وذلاً لله تبارك وتعالى، وكلما أحدث الله تبارك وتعالى له شهرة أحدث هو لله رضاً، وكلما ارتكب ذنباً أحدث له توبة وانكساراً وذلاً، فهذا هو العبد المسلم الكيس الفطن الذي يعلم أن الله مالكه وهو عبده، فسبحان الملك الذي خلق العباد وجعل يتودد إليهم برحمته ونعمه وعفوه وكرمه وإحسانه وجوده، والعبد يقابل مولاه وسيده وخالقه بالمعاصي والذنوب، بالكبائر والصغائر، فإذا ما أقبل على الله بالتوبة أقبل الله عليه بالمغفرة والفرحة فما أعظمه من إله· ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©