الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكواكبي محامي الحرية وعدو الاستبداد

الكواكبي محامي الحرية وعدو الاستبداد
16 سبتمبر 2007 23:47
الشيخ الكاتب عبدالرحمن الكواكبي واحد من أهم رواد الحرية والإصلاح في الشرق العربي، ظهر في حلب الشام في أوج هيمنة الاحتلال العثماني، حيث أكثر فترات التاريخ العربي تخلفاً، ووقف مشروعه الاصلاحي على مقاومة الظلم والاستبداد والدعوة لاصلاح الفكر الاسلامي وتجديده، وتحمل في سبيل دعوته اهوالاً، وكان مثالاً للمصلح الاجتماعي والمفكر السياسي والمجدد الديني الراسخ المستنير، وكان له فضل الرائد المؤسس في بناء القومية العربية وإيقاظ الروح الاسلامية في عز فترات الركود، وطوال مسيرته ألزم نفسه بمهمة النقد الايجابي والتبصير الهادئ· الشيخ عبدالرحمن الكواكبي ينتمي لاسرة عربية شريفة، ترجع من الاب والام الى الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه، وولد في مدينة حلب السورية ،1854 وعندما بلغ السادسة من عمره توفيت والدته السيدة عفيفة آل النقيب، فأرسله أبوه إلى خالته صفية بأنطاكية، فحضنته وعلمته القراءة والكتابة واللغة التركية، ثم عاد إلى حلب ليتابع دراسته في المدرسة الكواكبية، وكان أبوه مديراً لها ومدرساً فيها، فتعلم مبادئ الدين واللغة العربية، ثم تلقى العلوم العصرية كالرياضة والطبيعة وأتقن اللغتين التركية والفارسية تكلماً وكتابة، وكانت صحف اسطنبول تصل إلى حلب وفيها خير المترجمات من العلوم والآداب الغربية، فراح يعب منها حتى استقام لسانه واتسع أفقه· وعندما بلغ الثانية والعشرين من عمره عين محرراً غير رسمي لجريدة ''فرات''، وهي الجريدة الرسمية التي كانت تصدرها الحكومة باللغتين العربية والتركية، وبعد عام أصبح محرراً رسمياً لهذه الجريدة براتب شهري قدره 800 قرش· وفي عام 1878 أنشأ الكواكبي جريدة الشهباء، وراح يحرر فيها بالاشتراك مع هاشم العطار، وهي أول جريدة خاصة، وأول جريدة عربية تصدر في حلب، ولكن الوالي كامل باشا أغلقها، بعدما صدر منها 15 عدداً فقط، فأنشأ الكواكبي عام 1879 جريدة الاعتدال فألغاها الوالي شريف باشا· وخلال الفترة من 1879 الى 1886 تقلد الكواكبي عدة وظائف حكومية منها ادارة مطبعة الولاية ورئاسة لجنة الاشغال، وكان فيها موضع الثقة والإعجاب لسمو نفسه وسعة مداركه وحبه للناس وسعيه للاصلاح، غير أن والي حلب لم يتركه في حاله، وترصد دعوته الاصلاحية ووقف له في حلب بالمرصاد، فاضطر للاستقالة من الوظيفة الحكومية· المحاماة وافتتح الكواكبي مكتباً خاصاً للمحاماة، يفتي فيه أصحاب الدعاوى، ويحرر معروضات المتظلمين من الحكام لتقدم إلى المراجع العليا، ويفيد المراجعين من المحامين، ويرشدهم فيما يشكل عليهم من أحكام الأنظمة والقوانين، وأصبح مكتبه ندوة يأوي إليها المتظلمون فيدلهم على الطريق الذي يتوصلون به إلى التخلص من الظلم، ويشجعهم على رفع مظالمهم، ويتولى بنفسه تحرير الشكاوى المرسلة عبر البريد أو البرق، ولذلك سموه في حلب ''أبا الضعفاء''· وفي تلك الفترة عرف الكواكبي بمقالاته الاصلاحية الجريئة، سواء في حلب أو خارجها، وكانت مقالاته تفضح فساد الولاة، لذلك ناصبوه العداء، ولم يدخروا أي جهد لإيذائه، فقد استغلت السلطة محاولة اغتيال ''أو تهديد'' والي حلب ''جميل باشا'' من قبل شاب ''أرمني'' يتدرب على المحاماة في مكتب الكواكبي، وألقت القبض عليه بتهمة التحريض على قتل الوالي، لكنه خرج من هذه التهمة بريئاً، ورغم ذلك لم يتخلص من مضايقات ولاة حلب، فقد اتهمه الوالي ''عارف باشا'' بالتآمر مع الأرمن لإثارة المشاكل في حلب، واستغل حادثة تعرض القنصل الإيطالي للإصابة بحجر قرب بيت الكواكبي، ليثبت هذه التهمة عليه، وقبض على الكواكبي وصودرت أملاكه، وحكم عليه بالإعدام في محكمة حلب، وكان رئيسها من أعوان الوالي، فقدم الكواكبي استئنافاً لإعادة محاكمته في بيروت، نظراً للخلاف بينه وبين الوالي، حيث بُرّئ وعُزل الوالي، بعد أن عانى الكواكبي من السجن مدة عام تقريباً في حلب وبيروت· ولم تكتفِ السلطة بمصادرة حريته الصحفية بمنعه من إصدار صحيفة، ومصادرة حريته الشخصية بالسجن والاستيلاء على أملاكه، بل وصل الأمر الى أن اغتصبت منه نقابة الأشراف، رغم ان اسرة الكواكبي تتوارثها في حلب والأستانة وبغداد، باعتبارهم من آل البيت من جهتي الأم والأب منذ أيام أحمد الكواكبي في منتصف القرن الحادي عشر الهجري· وفي عام 1892 عين الكواكبي رئيساً للبلدية في حلب، وقام بجهود جبارة في الإصلاح والإنشاء والتعمير، ولكن سياسته الحاسمة هيجت عليه تجار حلب فطالبوا بعزله، وعزل وعيِّن بعدها رئيساً لغرفة التجارة مع رئاسة المصرف الزراعي، لكنه لم يستمر طويلاً في أي وظيفة بسبب مضايقات الوالي العثماني، فاضطر الى السفر الى اسطنبول، وانزوى في أحد خاناتها فترة يتأمل الأوضاع، ويدرس بنفسه طبائع الاستبداد، ثم عاد الى حلب عام 1894 وعيّن رئيساً لكتاب المحكمة الشرعية، وبعد سنتين فقط نُحِّي ليعين رئيساً للجنة البيع في الأراضي الأميرية، ثم رئيساً لغرفة التجارة بحلب· وقد أظهر خلال المناصب والمراتب التي تقلدها كفاءة في الإدارة وتعففاً عن المال وإخلاصاً للمصلحة العامة وحباً للشعب ودفعاً للظلم وثورة على الاستبداد ونقضاً لأحكام الفوضى والرشوة، فحرض الوالي عليه الأشرار، فاعتدوا عليه، واغتصبوا أراضي مزرعته، فضاقت به حلب، وهاجر سراً إلى مصر عام ·1899 وسكن الكواكبي في القاهرة بشارع الإمام الحسين بالقرب من الأزهر، وسرعان ما عرف في مصر واشتهر أمره عندما نشر كتابه ''أم القرى'' الذي سمى نفسه فيه السيد الفراتي، وكان قد ألفه في حلب قبل سفره إلى مصر· ثم نشر باسم مستعار هو الرحالة في جريدة المؤيد القاهرية مقالات عن الاستبداد ما لبث أن نقحها وزاد عليها، في كتابه الشهير ''طبائع الاستبداد''· وبتكليف من الخديوي عباس حلمي ليحصل على المبايعة له بالخلافة، قام الكواكبي، مقابل راتب شهري قدره 50 جنيهاً، بجولة في شبه الجزيرة العربية وسواحلها والهند ودول شرق آسيا، وفي سواحل إفريقية الشرقية والغربية، دامت ستة أشهر، وبعد عودته بثلاثة أشهر توفي ''يقال مسموماً'' مساء الخميس الموافق 14 يونيو عام ،1902 ودفن على نفقة الخديوي عباس في مقبرة باب الوزير، ثم نقلت رفاته باحتفال ديني إلى مقبرة خاصة ببعض مشاهير الرجال في نهاية شارع العفيفي، وقد كتب على لوح من المرمر ثبت على قبره بيتا حافظ إبراهيم في رثائه: هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى قفوا واقرؤا أم الكتاب وسلموا هنا خير مظلوم هنا خير كاتب عليــــه فهذا القبر قبر الكواكبـــــي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©