السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتمان السر

16 سبتمبر 2007 23:49
كان المنصور يقول: الملك يحتمل كل شيء من أصحابه إلا ثلاثاً: إفشاء السر، والتعريض للحر، والقدح في الملك· وكان يقول: سرك من دمك فانظر من تملكه· وكان يقول: سرك لا تطلع عليه غيرك، وإن من أنفذ البصائر كتمان السر حتى يبرم المبروم· وقيل لأبي مسلم: بأي شيء أدركت هذا الأمر؟ قال: ارتديت بالكتمان، واتزرت بالحزم، وحالفت الصبر، وساعدت المقادير، فأدركت طلبتي، وحزت بغيتي؛ وأنشد في ذلك: أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت عنه ملوك بنـــي مــــروان إذ حشــــــدوا ما زلت أسعى عليهـــم في ديارهــــــم والقــوم في ملكهــــــم بالشام قد رقـدوا حتى ضربتهم بالسيف فانتبـهـوا من نومة لم ينمها قبلـهـم أحـد ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعـيهـا الأسـد· وقال عبد الملك بن مروان للشعبي، لما دخل عليه: جنبني خصالاً أربعاً: لا تطريني في وجهي، ولا تجرين علي كذبة، ولا تغتابن عندي أحداً، ولا تفشين لي سراً، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ''استعينوا على إنجاح حوائجكم بكتمان السر فإن كل ذي نعمة محسود''· وأنشد اليزيدي في ذلك: النجم أقرب من سر إذا اشتملت مني على السر أضلاع وأحشاء وقال غيره: ونفسك فاحفظها ولا تفش للعـدى من السر ما يطوي عليه ضميرها فما يحفظ المكتوم مــن سر أهـلــــه إذا عقــــد الأسرار ضاع كثـيرهـا من القوم إلا ذو عفـاف يعـينــــــــــه على ذاك منه صدق نفس وخيرها· وكان يقال: لكاتم سره من كتمانه إحدى فضيلتين: الظفر بحاجته والسلامة من شره، فمن أحسن فليحمد الله وله المنة عليه، ومن أساء فليستغفر الله· وقال بعضهم: كتمانك سرك يعقبك السلامة، وإفشاؤك سرك يعقبك الندامة، والصبر على كتمان السر أيسر من الندم على إفشائه· وقال بعضهم: ما أقبح بالإنسان أن يخاف على ما في يده من اللصوص فيخفيه، ويمكن عدوه من نفسه بإظهاره ما في قلبه من سر نفسه وسر أخيه؛ ومن عجز عن تقويم أمره فلا يلومن إلا نفسه إن لم يستقم له· وقال معاوية: ما أفشيت سري إلى أحد إلا أعقبني طول الندم، وشدة الأسف، ولا أودعته جوانح صدري فحكمته بين أضلاعي، إلا أكسبني مجداً وذكراً، وسناء ورفعة· فقيل: ولا ابن العاص· قال: ولا ابن العاص· وكان يقول: ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك· وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كتم سره كانت الخيرة في يده، ومن عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن؛ وضع أمر أخيك على أحسنه، ولا تظن بكلمة خرجت منه سواء ما كنت واجداً لها في الخير مذهباً، وما كافأت من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله جل اسمه فيه، وعليك باخوان الصدق فإنهم زينة عند الرخاء، وعصمة عند البلاء· وحدث إبراهيم بن عيسى قال: ذاكرت المنصور، ذات يوم، في أبي مسلم، وصونه السر، وكتمه حتى فعل ما فعل، فأنشد: تقسمني أمران لم أفتتحـهـمـا بحزم ولم تعركهما لي الكراكر وما ساور الأحشاء مثل دفـينة من الهم ردتها إليك المعـاذر وقد علمت أفناء عدنــــان أنــــنـي على مثلها مقدامة متجـاسـر وقال آخر: صن السر بالكتمان يرضك غبـه فقــــــد يظهر السر المضيــــع فـينـدم ولا تفشين سراً إلى غير أهـلــــــــه فيظهر خرق الشر من حيث يكتم وما زلت في الكتمان حتى كأنني برجع جواب السائلي عنه أعجـم لنسلم من قول الوشاة وتسلـمــي سلمت وهل حي على الدهر يسلم· وقال آخر: أمني تخاف انتشار الحديث وحظي في ستره أوفـر ولو لم أصنــه لبقيــــا علـيــــــــك نظرت لنفسي كما تنظر وقال المبرد: أحسن ما سمعت في حفظ اللسان والسر ما روي لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه: لعمرك إن وشاة الـرجــال لا يتركون أديماً صحيحا فلا تبـــد ســــــرك إلا إلـــــيك فإن لكــــل نصيح نصـيحــــا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©