الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التضحية بالحياة الأميركية

17 سبتمبر 2007 00:25
هل يمكن أن يفكر المتعصبون في نسف المصاعد؟ ضحكت ''شذى الموسوي'' عندما سألتها عن ذلك قائلة: ''الصعود على السلم أكثر أمانا'' هذا ما خطر ببالي وأنا أشاهد النقل التلفزيوني الحي للشهادة التي أدلى بها كل من ''ديفيد بيترايوس'' و''رايان كروكر'' أمام الكونجرس· و''موسوي'' عضوة شيعية معتدلة في البرلمان العراقي، ورغم إسهابها في الحديث وصوتها الرقيق، إلا أن الانطباع الذي يتولد لدى المرء أن هناك حاجزا نفسيا يفصلها عن السنة، حاجز نشأ بسب الاضطهاد والتعذيب الذي تعرضت له طائفتها أثناء حكم صدام، ثم ترسخ بسبب العنف الدائر بين تلك الطائفة وبين السنة بعد سقوطه· ترى أن الصراع مع السنة لا يتعلق بالنفط بقدر ما يتعلق بالكرامة، ولذلك فهي تريد منهم الاعتراف بحقيقة ظلمهم للشيعة تاريخيا والاعتذار عن هذا الظلم· الطريقة التي تتحدث بها شذى، والمنطق الذي تستخدمه هما نفساهما الطريقة والمنطق اللذان يتحدث بهما العديد من الفلسطينيين والإسرائيليين عن بعضهما بعضا؛ فعندما تتحول الصراعات إلى محاولات مستميتة من أجل إثبات التفوق الأخلاقي لطرف على آخر، يسعى كلا الطرفين إلى تحميل الآخر المسؤولية عن اندلاع الصراع واستمراره، وقتها تستمر تلك الصراعات إلى ما لا نهاية· والكلام الذي تقوله''الموسوي'' ليس سوى دليل آخر على أن العراق لن يعود أبدا لما كان عليه من قبل، وإن إعادة توحيد العراق في كيان واحد ليس الخيار المفضل بالنسبة للولايات المتحدة التي ترى أن أفضل ما يمكن عمله لذلك البلد، العمل من أجل كبح جماح العنف لإتاحة الفرصة للعراقيين لتلمس الطريق نحو الانقسام· نعم·· إننا نحاول أن نمهد طريقا للانفصال على ضوء ذلك النوع من الحرب الأهلية المنخفضة الشدة التي تدور رحاها في العراق في الوقت الراهن، وعندما نفعل ذلك فإننا في الحقيقة نحول دون تدهور الأمور نحو الأسوأ، ونمنع وقوع مذبحة جماعية شاملة· في نفس الوقت الذي كنت أشاهد فيه شهادة ''بيترايوس'' و''كروكر'' أمام الكونجرس، كنت أفكر في ''شذى موسوى'' الطائفية ومنطقها، تقافزت في ذهني خلال ذلك أسئلة من قبيل: كم حياة أميركية سوف نضطر إلى التضحية بها من أجل إنقاذ عراقي أو عراقية مثلها؟·· وهل من الواقع أن نعتقد أن القوات الأميركية يمكن أن تساعد العراقيين على التحرك على هذا المسار الأقل بربرية؟! إذا ما نظرنا حولنا في الوقت الراهن فسوف ندرك أن الوقت الحالي ليس الوقت المناسب للتخلي عن الأمل، فالظروف السائدة في العراق في الوقت الراهن أفضل مما كانت عليه في الربيع الماضي· فأولا، هناك أدلة أكثر وضوحا على أن القوات الأميركية فقط هي التي يمكنها كبح جماح العنف، فعلى الرغم من كافة السجالات التي دارت حول البيانات المتعلقة بزيادة حوادث العنف أو انخفاضها، فإن الحقيقة أن ذلك العنف يسير إلى انخفاض· ثانيا: إن الجزء الأسوأ من التطهير العرقي ربما يكون قد انتهى، فلسنوات كان السنة والشيعة يقومون بتصفية بعضهم بعضا في المدن والأحياء، بيد أن كافة الشواهد تشير في الوقت الراهن إلى أن هذه العملية البشعة تقترب من نهايتها· ثالثا، إن التمرد العشائري ضد القاعدة حقيقي ومتصاعد، على الرغم من أن القليلين توقعوا ذلك· رابعا: إن القادة الأميركيين قد أصبح لديهم أخيرا تعريف واقعي لمهمتهم· كما قال الجنرال ''بيترايوس''نحن لا نحاول أن نقرر الشكل المستقبلي للعراق، وإنما نحاول فقط أن نضمن أن طوائف العراق سوف تتنافس على السلطة بطرق أقل عنفا''· خامسا: إن الدبلوماسيين الأميركيين لم يعودوا يعتمدون على ما يفعله رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والدليل -حسب ما أدلى به السفير ''كروكر''- بأن النخب العراقية اكتشفت أخيرا فضائل اقتسام السلطة· إذن يمكن لنا القول، إن ما أصبح لدينا الآن طائفة من التطورات أو الأحداث التي التقت كلها في نقطة واحدة، أو سلسلة من العمليات التي لم تكن تحدث منذ أربعة شهور؛ ومن الواضح أنها محدودة، ولكن من الغباء أن نتخلى عنها أو نتجاهلها، خصوصا إذا ما وضعنا في اعتبارنا العواقب التي يمكن أن تترتب على ذلك· إن شذى الموسوي واحدة من العراقيين والعراقيات غير الراغبين في المصالحة-مما يجعلها جزءا من المشكلة- ولكنها في نفس الوقت- مثل الكثيرين والكثيرات غيرها- لا تريد أن تموت في حرب أهلية عبثية· ومع التطورات التي تحدث حاليا في العراق، قد تكون الولايات المتحدة قادرة- الآن- على أن تفعل شيئا من أجلها، أما إذا ما انتظرنا حتى المستقبل فقد تتغير المعطيات، ويغدو تقديم ذلك العون أمرا غير ممكن· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©