الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القوات البريطانية في البصرة... وتداعيات الانسحاب

القوات البريطانية في البصرة... وتداعيات الانسحاب
17 سبتمبر 2007 22:36
عندما احتلت القوات البريطانية البصرة في السادس من إبريل 2003 حطمت مدفعيتها تمثالا يصور جنديا عراقيا يركب فوق سمكة قرش ضخمة، كان صدام حسين قد أمر ببنائه لتخليد ذكرى انتهاء الحرب مع إيران عام ،1988 وفيما بعد سرق اللصوص الجندي، فيما بقيت سمكة القرش التي كان يقصد بها إيران· فنفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية محسوس بشكل قوي في البصرة، التي تنخرط فيها الأحزاب والمليشيات والعصابات الإجرامية في معارك دامية ضد بعضها بعضا، ويكثر الحديث في شوارعها عن خلايا نائمة تلقت تدريبها في إيران وتنتظر اللحظة المناسبة· بعد خروج قسم من القوات البريطانية من المدينة، سادت حالة من عدم اليقين والترقب في انتظار معرفة، ما إذا كانت إيران سترسخ قبضتها الاستراتيجية على المدينة؟ أم أن المليشيات ستتمكن من السيطرة على الشوارع؟ أم سيتمكن الجيش العراقي من الحيلولة دون اقتتال الأحزاب والمليشيات المتنافسة؟ والحقيقة أن ما يحدث في البصرة يمكن أن يوفر نافذة نستطيع الإطلاع من خلالها على لمحة لما يمكن حدوثه في العراق ككل· إن العنف في البصرة لا يتم بين سنة وشيعة كما هو الحال في أجزاء كبيرة من العراق، كما أن القاعدة غير موجودة هناك، وهو ما يدلل على أن العنف في العراق ليس طائفيا فقط، وليس نتيجة للتمرد فقط، وإنما هو محصلة لمنافسات وحزازات سياسية وعشائرية عميقة الجذور، ولطموح شديد للسلطة· بعد رحيل القوات البريطانية إلى مواقع خارج المدينة ادعى جيش المهدي الذي يعد من أبرز القوى في الساحة، أنه قد حقق النصر على تلك القوات، خصوصا وأن قواته -تبلغ 17 ألف مقاتل في البصرة- هي التي كانت تقوم بمقاومة الوجود البريطاني منذ بداية الاحتلال· وبعد خروج القوات البريطانية من البصرة يتوقع العديد من المراقبين أن يوجه جيش المهدي أسلحته لمنافسه الرئيسي وهو لواء بدر الذراع العسكرية للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق -من الأحزاب الرئيسية في الائتلاف الحاكم- والمعروف أن قواته قد تلقت تدريبها على أيدي الإيرانيين· ومنذ عام 2005 شهدت تلك المحافظات معارك دامية بين جيش المهدي وجيش بدر، وقد شهد الشهر الماضي اغتيال اثنين من كبار ''البدريين''، وهــو ما دفــع المراقبين إلى توقــع أن تشهـــد الفترة المقبلة زيــادة فــــي عمليــات الاغتيــال المتبادلــة بين الجيشين· هناك حزب آخر له وجود ملموس في البصرة يسمى حزب'' ثأر الله'' يشير إليه سكان البصرة باعتباره دليلا على تغلغل النفوذ الإيراني في المدينة، وعندما التقينا بزعيم الحزب ''يوسف الموسوي'' في مقر الحزب بالمدينة وسألناه عن كيفية نشأة حزب ''ثأر الله''، بدا الرجل عدائيا لوهلة قبل أن يعترف بعد أن ألححنا عليه بالأسئلة، أن إنشاءه تم عام 1995 كي يقوم بعمليات ضد النظام السابق انطلاقا من قواعده الواقعة في المستنقعات المحاذية للحدود الإيرانية· وقد عمل الموسوي على تعزيز وضعه في البصرة من خلال عقد تحالف، يعرف في البصرة الآن بـاسم ''البيت الخماسي'' ويضم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وفروعه، ومنظمة بدر- الاسم الجديد للواء بدر-، ومؤسسة شهيد المحراب، وحركة سيد الشهداء، وحركة حزب الله (لاعلاقة لها بحزب الله اللبناني)- يهدف إلى الإطاحة بمحافظ البصرة ''محمد الوائلي'' -عضو في حزب الفضيلة- المتهم بإساءة إدارة الأموال العامة، والفساد، واستخدام قوة حماية منشآت النفط المكونة من 15 ألف جندي -يسيطر عليها رجال حزب الفضيلة- كوحدة متخصصة في سرقة النفط الخام، كما يتهمه بعض منتقديه أيضا بأنه عميل للقوات البريطانية· من المعروف أن حزب الفضيلة يستقي تعاليمه من''محمد صادق الصدر'' والد مقتدى الصدر، ولكنه لا يعترف بأن مقتدى الصدر يصلح لحمل الرسالة الصدرية، وقام ''آية الله محمد اليعقوبي'' بتشكيل الحزب ليكون في الأساس حزبا شيعيا عربيا معارضا لإيران؛ وقد أدى ذلك إلى توتير علاقة الحزب مع جيش المهدي، كما وضعه على خط الصدام المباشر مع حزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الموالي لإيران· ووسط هذه الصورة المعقدة والشديدة الاضطراب بذلت الحكومة المركزية في بغداد، محاولات لانتزاع السيطرة على هذه المدينة الحيوية التي تمثل قيمة الصادرات النفطية فيها ما نسبته 90 بالمائة من عوائد بغداد· ففي شهر يونيو الماضي أعلن المالكي حالة الطوارئ في البصرة وعين اللواء ''موحان حافظ'' كي يكون مسؤولا عن ''مركز عمليات البصرة'' الذي يتولى مسؤولية المحافظة على الأمن في المحافظة بالتعاون مع البريطانيين· علاوة على ذلك قام المالكي بتعيين اللواء ''جليل خلف'' كقائد لشرطة البصرة بغرض تطهيرها من عناصر المليشيات· أما عن نفوذ بريطانيا في البصرة فيصفه ''مارتين نافياس'' -محلل في مركز الدراسات الدفاعية البريطانية- بالقول: الحقيقة أن أسلوب ''اللمسة الخفيفة'' الذي اتبعته بريطانيا هنا قد أدى إلى ظهور العديد من الجماعات المتنافسة الشريرة وتعاظم نفوذها، وهو ما أدى بالضرورة وبشكل تدريجي إلى تقلص نفوذ البريطانيين، بحيث يمكن القول إن وجودهم هنا قد غدا هامشيا· وفي الحقيقة أن البريطانيين اهتموا بصفة رئيسية بتدريب قوات الشرطة، وبتأمين الطرق للكويت، وحماية أنفسهم من هجمات المليشيات؛ وباستثناء ذلك فقد تركوا الجماعات الإسلامية تتصارع فيما بينها· وفي إشارة إلى استمرار تقلص الدور البريطاني في البصرة، قال ''جوردون براون'' -رئيس الوزراء البريطاني يوم الجمعة الماضي-: إن مسؤولية الحفاظ على الأمن، سيتم تسليمها إلى العراقيين بنهاية هذا العام، وأن دور البريطانيين سيقتصر على الإشراف وحماية طرق الإمداد· وعندما سُئل ''بيترايوس'' عمن سيملأ الفراغ في البصرة بعد رحيل البريطانيين، قال إنه سيتم إرسال المزيد من جنود الجيش العراقي للبصرة وأن جنودا من القوات الخاصة الأميركية سيكلفون بالقيام بمهام محددة مع نظرائهم العراقيين· في شهادته أمام الكونجرس الأسبوع الماضي وصف ''بيترايوس'' النفوذ الإيراني المتغلغل في العراق وخصوصا في محافظات الجنوب، بأنه من أكثر التطورات إثارة للقلق في العراق، ولكنه أضاف ''أن الأحزاب الإسلامية المختلفة في البصرة والمليشيات قد توصلت إلى طريقة أو تفاهم يقبل بموجبه كل منها بوجود الآخر من أجل استمرار الحياة في البصرة، وأن الشيء اللافت للنظر، أن هناك نوعا من التسوية يتبلور في الوقت الراهن، وهو في الحقيقة نمط من الأنماط العراقية في حل المشكلات في الجنوب، يبعث على التفاؤل، واعتقد أن أفضل تفسير للوضع في البصرة هو من خلال القول إننا نتبع نهجا يعتمد على الانتظار لرؤية ما سيحدث هناك، في نفس الوقت الذي نرى فيه دلائل قوية تدفعنا للاعتقاد بأن مشكلات البصرة سوف تحل في النهاية على أيدي العراقيين''· مراسل كريستيان ساينس مونيتور في البصرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©