الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحمى «مجهولة السبب» تنذر بوجود أمراض مزمنة

الحمى «مجهولة السبب» تنذر بوجود أمراض مزمنة
10 فبراير 2012
لا يوجد سر طبي أكثر غموضاً وتحدياً من الحمى مجهولة السبب. ويُعرف الأطباء هذا النوع من الحمى بارتفاع درجة حرارة الجسم لثلاثة أو أربعة أسابيع دون سبب. ولذلك فإنهم ينصحون كل شخص أن يقيس درجة حرارة جسمه في يوم يتمتع فيه بصحة جيدة في الصباح والظهر والمساء، ويحفظ معدلات هذه القياسات كمراجع يستند إليها عند الشك أو الرغبة في الاطمئنان على حاله، أو للتأكد مما إذا كانت درجة حرارة جسمه طبيعيةً أم مرتفعةً، أو حمى مجهولة السبب في حال أطالت المُقام في جسده. من بين الأمثلة الشهيرة عن حالات الحمى مجهولة السبب في الولايات المتحدة الأميركية حالة تعود إلى سنة 1962، حيث أُدخلت امرأة عمرها 77 سنةً إلى أحد مستشفيات نيويورك الكبرى وهي مصابة بحمى مجهولة السبب لازمتها نحو ستة أسابيع. واشتهرت حالة هذه المرأة لأسباب عدة من بينها تأخر اكتشاف سبب طول الحمى التي أصابت جسدها الواهن الذي شارف الثمانين خريفاً. وكانت هذه المرأة المسنة قد فقدت كميةً مهمةً من وزنها خلال السنة التي سبقت إصابتها بالحمى مجهولة السبب، كما تلقت العديد من عمليات نقل الدم عندما فشل نخاع عظمها في إنتاج كريات دم حمراء. وإلى جانب إخضاع صدرها لاختبارات الأشعة السينية التي كشفت عن إصابتها بجرح قديم، كانت جميع نتائج فحوصها المختبرية سلبيةً. وظل أطباؤها، بمن فيهم فطاحلة الطب في تلك الأيام، محبَطين وحائرين بسبب عدم تمكنهم من تحديد سبب إصابتها بالحمى لهذه المدة الطويلة. وقبل بضع أسابيع من قبول هذه المرأة المسنة، كانت إليانور روزفلت، الزعيمة السياسية الشهيرة والسيدة الأولى فترة حكم زوجها فرانكلين روزفلت الولايات المتحدة، قد توفيت في شقتها بنيويورك، بعد أن تسبب لها زرع نخاع العظم في نمو بكتيريا السل. وأظهر إخضاعها للتشريح أن سبب الوفاة كان السل الدرني، وهو شكل نادر من مرض تنتشر فيه عصيات السل عبر مجرى الدم، فتُعدي أعضاء مختلفة من الجسم. وأصبحت هذه البكتيريا مُقاومةً للمضادات الحيوية التي كانت مُتاحةً آنذاك، بحيث تمكنت من قتل السيدة الأولى السابقة لأميركا حتى بعد أن تم تشخيص مرضها بشكل فوري ودقيق. ويعتبر الأطباء أن حالات الحمى مجهولة السبب تستحق دوماً المزيد من البحوث والدراسات لأنها تنتج عن أسباب متعددة، بما فيها الأمراض المزمنة. العدوى أولاً قد يعتقد المرء أن حالات الحمى مجهولة السبب يُفترض أن تكون أقل شُيُوعاً في الوقت الحالي مقارنةً مع العقود السابقة بفضل وجود تقنيات التشخيص المتطورة والمعقدة، لكن واقع الحال يقول إن عدد المصابين بها سنوياً يفوق ما كان عليه الحال في الماضي! ولا أحد يعلم علم اليقين سبب ذلك. فعدوى الالتهابات تكون وراء الإصابة بحمى مجهولة السبب في 20% من الحالات. وهي تشمل التهاب بطانة القلب الذي يصيب صمامات القلب، وعدوى الفيروس المضخم للخلايا، وفيروس إبشتاين-بار (من عائلة فيروسات الهربس)، وطفيليات داء القطط. وفي بدايات الثمانينيات من القرن الفائت، ربط الأطباء بين زيادة الإصابة بأمراض مناعية كفيروس فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) وزيادة أنواع عدوى فيروسية وفطرية لها قاسم مشترك واحد هو القدرة على إصابة المريض بحمى طويلة الأمد تمتد لأسابيع متواصلة. واليوم، أصبحت الأمراض المناعية أقل شُيُوعاً في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان بفضل تطور المقاربات العلاجية التي تستهدف مرضى الإيدز. ويتسبب مرض السرطان في الإصابة بما بين 20% و30% من حالات الحمى مجهولة السبب، وهذا لم يشهد تغيراً يُذكر خلال الخمسين سنةً الماضية. وتُعد الأورام اللمفاوية، وخصوصاً شذوذ النظام اللمفاوي الذي يُصطلح عليه «داءُ هودجكن» من أكثر الأورام السرطانية التي تُسبب الحمى طويلة الأمد. كما يُصنف سرطان الكبد وسرطان القولون أيضاً من بين أنواع السرطان المسببة للحمى لفترة طويلة ممتدة. وحتى عندما تكون هذه الأورام صغيرةً، فإنه يصعُب السيطرة عليها. ويمكن للحمى طويلة الأمد أن تنشأ عن الإصابة باضطرابات مرضية ما مثل التهاب النسيج الضام، الذي يعمل بمثابة غراء لاصق يربط الخلايا مع بعضها. أمراض وأدوية تُعتبر أمراض الروماتيزم مثل ألم العضلات الروماتيزمي والتهاب المفاصل الرثياني والذئبة الحمامية المجموعية من بين مسببات الحمى مجهولة السبب، فهي كلها من الأمراض التي يمكن أن تتسبب في رفع درجة الحرارة قبل ظهور أعراض المرض المعروفة بفترة طويلة. والشيء نفسه قد ينطبق على أمراض التهاب الأمعاء من قبيل التهاب القولون التقرحي وداء كرون (التهاب الأمعاء المزمن). وبالإضافة إلى هذه الأمراض، يمكن لبعض الأدوية أيضاً أن تكون مسؤولةً عن الإصابة بحمى مجهولة السبب، حتى لو كان المريض لم يستخدمها إلا فترةً قصيرةً. ومن بين المسببات الأخرى التي تُوجه إليها أصابع الاتهام عقاقيرُ السلفا المشتقة من السلفانيلاميد، التي تُستخدَم لوقف نمو البكتيريا وتكاثرها لإتاحة الفرصة لقوى الجسم الدفاعية للقضاء عليها، وأدوية الفينيتوين، وأدوية الألوبيورينول المستعملة كمسكنات ومثبطات مريحة، وعقارات ميثيلدوبا المستخدَمة في علاج ارتفاع ضغط الدم، وأدوية الإيزونيازيد المشتقة من الحمض الإيزونيكوتيني والمستعملة في علاج السل. الحرارة الطبيعية بما أن الحمى قد تكون مؤشراً للعديد من الاضطرابات والمشكلات الصحية، فإنه من المهم جداً معرفة مستوى ارتفاع حرارة الجسم الباعث على القلق. ومن المعلوم في الأوساط الطبية أن أكثر جزء في الجسد يتيح لنا التعرف على حرارة الجسم الداخلية بدقة هو الشرج. فدرجة الحرارة الشرجية قد تتراوح ما بين 36,61 صباحاً إلى 38 درجة سيلسيوس عصراً. أما قياسات درجة الحرارة التي تؤخذ عن طريق وضع المحرار في الفم، أو تحت الإبط، أو الأذن، فتكون أقل دقةً، وتتغير حسب العوامل البيئية المحيطة بالشخص. وتُعتبر حرارة الجسم طبيعيةً إذا كان قياسها عبر الإبط لا يتجاوز 34.72 درجة سيلسيوس. ومن شأن كل شخص أن يعرف ما إذا كانت درجة حرارة جسمه طبيعيةً أم لا، من خلال اختيار أحد أجزاء جسمه، وقياس درجة حرارته في الصباح والظهر والمساء بمعدل ثلاث مرات في اليوم، شرط أن يكون بخير ويشعر بالراحة، ثم يحسب معدل حرارة جسمه الداخلية في كل لحظة من هذه اللحظات اليومية الثلاث (صباح وظهر ومساء). وإذا تبين أن حرارة جسمه زادت على أي معدل من المعدلات الثلاثة ذات يوم، فليعلم أن الأمر يتعلق بحمى، وإنْ استمرت هذه الحمى لثلاثة أو خمسة أيام متواصلة دون ظهور أية أعراض مصاحبة لها، فليعلم أنها قد تكون حمى مجهولة السبب، وهي ما يُحتم عليه الهرولة إلى أقرب عيادة للاطمئنان على نفسه قبل فوات الأوان. هشام أحناش عن «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©