الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا.. وهزيمة اليمين المتطرف

7 مارس 2017 00:00
ثمة قضايا كثيرة ومتنوعة تتصدر النقاش في سياق الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة خلال الشهرين المقبلين، ليس أقلها تحدي الإرهاب والتجارة وتحديد سن التقاعد وقضايا الضمان الاجتماعي، وميراث فرنسا في الجزائر ومستقبلها في أوروبا. بيد أن الحقيقة هي أن مسألة واحدة تكتسي أهمية خاصة، وهي: هل يمكن هزيمة تلك التوليفة الجامحة من بث الخوف والقومية المتطرفة والتشدق بالحنين إلى الوطن والغضب والسياسات الخارجية الموالية لروسيا والاقتصاد الذي يعتمد على حكومة كبيرة.. وهي توليفة تشكل في مجموعها فلسفة «اليمين المتطرف» أو «الشعبوية»، وقد اكتسبت انتشاراً خاصاً من خلال شبكة الإنترنت، وأسهمت في تحقيق انتصارات انتخابية مؤخراً في دول أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا؟ وإذا كان من الممكن هزيمتها في فرنسا الآن، فأنَّى يتأتى ذلك؟ ومنذ بدأت الفضيحة تضر، على الأقل، بحملة «فرانسوا فيون»، مرشح الحزب «الجمهوري» المنتمي إلى «يمين الوسط»، طرح ما بدا الصيغة الأكثر أماناً من خلال سحب البساط من تحت توظيف القضايا الشعبوية من قبل «اليمين المتطرف»، المتمثل في «الجبهة الوطنية» بقيادة «مارين لوبن»، وجعلها تياراً شعبياً. غير أن رؤية «فيون» مختلفة اختلافاً طفيفاً، فقد دعا إلى وقف الهجرة من خارج أوروبا، وفرض ضوابط أكثر صرامة على الحدود، وتحدث بلغة أقسى بشأن استيعاب المسلمين الفرنسيين، ولكن تبقى الفكرة متشابهة بشكل عام. ومثل «لوبن»، التي يقول البعض إنه قد تم تمويل حملتها بأموال روسية، يتحدث «فيون» أيضاً عن الصداقة مع روسيا، ويتحدث صراحة عن كاثوليكيته في محاولة لجذب الناخبين أصحاب «القيم الأسرية» في فرنسا بعيداً عن فلك «لوبن». ولكن على رغم ذلك، يبدو أن نسخة «القيم الأسرية» التي يختارها «فيون»، والتي تضمنت وضع زوجته وأبنائه على قائمة كشوف الرواتب الحكومية، لن تمر مرور الكرام. ويترك ذلك المنافسة في يدي «إيمانويل ماكرون»، وهو ليبرالي اشتراكي اجتماعي، يبلغ من العمر 39 عاماً، وتختلف استراتيجيته تماماً، فقد كان من الواضح لبعض الوقت أن الانقسام القديم بين اليمين واليسار في السياسة الأوروبية لا يعكس الانقسامات الاجتماعية الحقيقية، وأن الوصف الأفضل لخطوط الانقسام هو «الوحدويون» في مواجهة «القوميين»، أو بصراحة أكبر «المنفتحون» في مواجهة «المنغلقين»، ولكن على رغم أن «الأصوات المنغلقة»، التي تمثلها أحزاب مثل «الجبهة الوطنية» بقيادة «لوبن» أو «استقلال المملكة المتحدة»، قائمة منذ وقت طويل، إلا أن «ماكرون» هو أول سياسي أوروبي كبير يجذب دعم الحشود بدفاعه القوي والنشط والغاضب عن «الانفتاح»، قائلاً لصحافي بريطاني: «إنني أدافع عن أوروبا، والشعور بالخجل من ذلك أمر مهلك!». وحتى الآن، ارتكزت استراتيجيته على الدفاع عن أنماط أيديولوجية. وفي حين يتمتع «ماكرون» بتاريخ في العمل المصرفي، إلا أنه يتحدث عن «التضامن الجماعي». وبينما عمل وزيراً في حكومة اشتراكية، أكد أن «الأمانة تقتضي أن يقول إنه ليس اشتراكياً»، وبدلاً من الحزب السياسي التقليدي، لديه حركته الخاصة المعروفة باسم «ماضون قدماً»، التي دشَّنها في عام 2016، ودعا باحثين أميركيين، خصوصاً ممن عملوا في مجالات التغير المناخي والطاقة النظيفة، للعيش في فرنسا. وهو يرغب بشكل كبير في الترحيب بالأكاديميين البريطانيين ورجال الأعمال الذين سيتم تهميشهم بانسحاب «ماي» من أوروبا أيضاً. وعلاوة على ذلك، يسعى «ماكرون» إلى احتواء الخصوم. ولأن انتصاره من شأنه أن يقوي شوكة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، جذبت حملة «ماكرون» بصورة طبيعية انتباه أولئك الذين يرغبون في تقويض هاتين المؤسستين. وحاولت «ويكليكس»، التي تزعم أن بحوزتها «مستندات سرية» خاصة بكل المرشحين، وقناة «روسيا اليوم» المقربة من النظام الروسي، إظهار ارتباطات مشبوهة بين «ماكرون» و«هيلاري كلينتون». وقد أتى هذا النوع من الحملات السلبية، التي تعتمد على الادعاءات الهستيرية والتشهيرية أُكله في دول أخرى، ولا يزال هناك بعض الوقت لينجح في فرنسا. وسيعتمد نجاح «ماكرون» على ما إذا كان بمقدوره التصدي لحملة التشهير المقبلة، ومن ثم تفادي الشرك الذي وقع فيه نظراؤه البريطانيون والهولنديون وغيرهم، بتوحيد الوسط، بيمينه ويساره، خلف شعار واحد، وخوض حملة انتخابية «وطنية» وكذلك «منفتحة»، وحازمة بشأن «الإرهاب» على أن تكون «وحدوية» في الوقت ذاته. والمخاطر كبيرة، ولكنه إذا خسر، فإن «الليبرالية القوية» ستختفي من فرنسا لجيل كامل، وأما إذا فاز فسيجد كثيراً من المقلدين المتحمسين، ليس فقط في فرنسا، ولكن أيضاً في ربوع القارة الأوروبية وفي أرجاء العالم. * كاتبة أميركية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©