الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نزعة ترامب العسكرية

7 مارس 2017 00:00
هناك حجة ضعيفة تشير إلى أن الرئيس ترامب الذي يعادي اتفاقات التجارة الحرة، والذي يتشكك في التحالفات العسكرية الكبيرة من دعاة العزلة أي من المدافعين عن تراجع الدور الأميركي على المسرح الدولي، وهذا ليس دقيقاً. فقد أشار المؤرخ «ستيفن فيرتهايم» من جامعة كامبريدج الشهر الماضي أن «ترامب ليس انعزالياً، إنه عسكري النزعة، وهذا أسوأ بكثير». وعلى امتداد حملته الانتخابية، أعلن ترامب أنه سيكون رئيساً للجيش. واستشهد دوماً بأقوال القائدين العسكريين الأميركيين الكبيرين «دوجلاس مكارثر» و«جورج باتون»، وإنفاق المزيد من الأموال على الجيش من العناصر المحورية في برنامجه لجعل «أميركا عظيمة من جديد»، كما أعلن ترامب في الآونة الأخيرة خططاً لتعزيز ميزانية البنتاجون الهائلة بالفعل ليضيف إليها 54 مليار دولار على حساب الوكالات الاتحادية الأخرى، فيما يبدو من بينها وزارة الخارجية، وذكر ترامب أنه يأمل ألا يستخدم القوة العسكرية، لكنه يفعل هذا حتى «لا يعبث معنا أحد أبداً. سيكون هذا أعظم تعزيز عسكري في التاريخ الأميركي»، وفي كلمة أمام جلسة مشتركة للكونجرس، أعلن أن «جيشنا سيحصل على الموارد التي يستحقها مقاتلوه الشجعان عن جدارة»، ووعد بـ«تجديد الروح الأميركية». وتتصاعد حالة من عدم الارتياح في الحزبين وخاصة بسبب الخفض المقترح في برامج المساعدات الأجنبية الأميركية. وكان وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس قد ربط من قبل الدعم الدبلوماسي بالنجاح العسكري، ففي عام 2013 أعلن ماتيس أنه «إذا لم تمول وزارة الخارجية بشكل كامل إذن فأنا أحتاج إلى شراء المزيد من الذخيرة»، ورددت مجموعة تزيد على 120 جنرالاً سابقاً أفكار ماتيس في خطاب مفتوح الشهر الماضي عارضوا فيه خطط ترامب للميزانية. وجادل منتقدو ترامب من اليسار أن التوسع ليس ضرورياً ببساطة، وكتب فريد كابلان في مجلة «سليت» يقول إن ترامب يسلم بأن الدفاع عن البلاد «مستنفد» لكنه «ببساطة مخطئ» لأن آخر ميزانية للدفاع أقرتها إدارة أوباما كانت أكبر ميزانية للجيش الأميركي في حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، وأضاف كابلان: «إذا كان هناك قصور في سياسات الحرب لدى أوباما، فليس مصدرها العجز في الأسلحة أو الجنود»، لكن إدارة ترامب تعتنق مبدأ أن الجيش يتعلق بخلق روح عسكرية أكثر مما يتعلق بخلق سياسة جديدة، ولطالما أشاد ترامب بـ«جنرالاته» ما لم يكن يلومهم على مقتل الجنود، ويركز ترامب على استعراض القوة الأميركية التي بلا مثيل على المسرح الدولي وسخر من الدبلوماسية التي زعم أوباما أنها تعادل القوة العسكرية. وكل هذا يتعلق بتوسع السياسات القومية المتطرفة لكبار مستشاريه ومنظريه الذين يرسمون للعالم صورة واضحة ومبسطة لكن مرعبة، ولنفحص المقال المطول الذي نشره الشهر الماضي مايكل أنطون العضو في مجلس الأمن القومي، ويدافع أنطون عن تعزيز «المهابة» الأميركية على المسرح العالمي التي يرى أنها تضررت في ظل إدارة أوباما، وذكر أنطون أن «الناس يحبون أن يكونوا جزءاً من شيء أكبر من أنفسهم... وهذا بالتأكيد يتضمن بلادهم، والوطنية لذلك ظاهرة طبيعية، وأفضل إشباع لها حين يشعر الناس أن بلادهم قوية، أو على الأقل ليست ضعيفة». إن ترامب يفهم بالغريزة مثل هذه اللغة وهذا التفكير. ويدعو مقال أنطون إلى إعادة نظر في السياسة الخارجية الأميركية وتركيزها على «النظام العالمي الليبرالي» الذي صاغته واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية. وسخر من «التوجه الكوزموبوليتاني» لليبراليين الذين ينادون بالتضامن مع «الغرباء على الجانب الآخر من العالم»، ولا عجب أن يصف أنطون في مقال نشره العام الماضي، التنوع بأنه مصدر للضعف، وشكك في المعتقدات الأميركية الراسخة عن القيم العالمية والديمقراطية. ونادى في المقالة بأهمية دعم المهابة «القومية والحضارية». إنه الشعور المبهم نفسه بالتفوق الذي ملأ خطب ترامب منذ العام الماضي. والمعنى الدقيق لهذا سياسياً غير واضح لكن أميركا في عصر ترامب تلقي بلا شك ظلاً على العالم من الرغبة في القتال. ويرى المؤرخ فيرتهايم أن ترامب لا يسعى للانسحاب من العالم، بل استغلاله و«يهدد بعنف بلا رحمة ضد الخصوم الذين يمتدون عبر العالم ويمجد الانتصار العسكري». والنزعة العسكرية جزء لا يتجزأ من فلسفة الجغرافيا السياسية قبل قرن من الزمن حين انهمكت قوى قومية عظمى دون رقابة من النظم التي أقيمت بعد الحرب العالمية الثانية في سباق عسكري وانخرطت في صراع مدمر. ويرى المراقبون الآن أن العالم يتقهقر إلى سياسات هذه الفترة حين فتحت التجارة الحرة ونموذجٌ أوليٌّ للعولمة الباب لصراع مزعزع للاستقرار أدى إلى انهيار إمبراطوريات. ويؤكد فيرتهايم أن «شعور ترامب بالإساءة والإهانة قوي». فترامب يردد دون كلل عبارة «العالم يضحك علينا»، وهي عبارة تلائم الدول والحركات الثورية أكثر مما تلائم القوة العالمية الوحيدة. واليابان الإمبراطورية وألمانيا النازية لم تقدم على الغزو حباً في المغامرة، بل لأنهما كانا يشعران بيأس واضح نتيجة اعتقادهما أنهما يخسران منافسة بلا رحمة على القوة والمكانة». وحين ينشغل أقرب مستشاري ترامب بالمكانة ويعتبرون أنفسهم حملة لواء التغيير الثوري فإن الأصداء التاريخية قد تكون مرعبة. *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©