الصيام أحد أركان الإسلام، وهو عبادة جليلة ومدرسة يتعلم فيها الإنسان معنى التقوى والاخلاص لله تعالي، ويتدرب فيها على تزكية النفس والارتقاء بها وتقوية الإرادة والعزيمة، ويتحقق ذلك بالالتزام بالآداب والأخلاق الإسلامية والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: ''الصيام جُنة وحصن حصين من النار''·
وأكد الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية أن الصوم أحد أركان الإسلام ودعائمه الاساسية، وأن الله تعالى أوجبه على كل مسلم قادر بالغ عاقل، وأن شهر رمضان شهر الفضائل وتزكية النفس وتثبيت القلوب وشحذ العزائم والاجتهاد في العمل والطاعات·
وأضاف: رمضان هو شهر العطاء والكرم، وحكمةُ صيام نهاره وقيام ليله تدريب الانسان على تحمل المشقة وتوطين النفس على الصبر والعمل والاجتهاد حتى لا يكون صيامنا إمساكاً عن الطعام والشراب فقط، كما أن من سنن هذا الشهر الفضيل أن يمتد أثره الى باقي شهور العام، فالحق عز وجل جعل الصيام وقاية للنفس من الوقوع في الباطل وتنقية الوجدان من هواجس الهوى والفتن·
وقال د· جمعة: علينا أن نتعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان يصوم شهر رمضان بهمة قوية، ويدرب أصحابه على صيام التطوع بعد صيام شهر رمضان، لأنه يدرك أن الصيام فيه تدريب على ضبط النفس وتعويدها على السخاء والكرم والجود، فالصيام يغرس في وجدان الانسان أنه جزء من الكل، وأنه فرد من أمة، فالصوم يوحد المشاعر ويبين الهدف وطريق الوصول إليه، ففي هذا الشهر الكريم تكون قلوب المسلمين واحدة وتتلاقى في جو من الطهر والنقاء، ومن هنا تتألف النفوس وتتوحد، ويصبح المجتمع كله كالجسد الواحد·
ويقول الدكتور عبدالله بركات -عميد كلية الدعوة بجامعة الازهر-: الإنسان الصائم الصادق المخلص يرتقي في مدرسة الصيام، ويمتثل لاوامر الشرع الحنيف، ويحفظ جوارحه، كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ''إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم''·
وأضاف: لقد حكم الصيام جوارح الانسان وجعله ينضبط على القيم السلوكية والاخلاقية السامية، وأوضح أن الصيام فرض على المؤمنين كي يصلوا الى مرتبة الاتقياء الصالحين بالابتعاد عن كل ما ينافي التقوى والايمان، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لما حضر رمضان: ''أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه -أي يحيطكم بعنايته- فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله الى تنافسكم فيه، ويباهي ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل''، فهو ميدان تنافس على الصالحات والطاعات والخيرات، والاوائلُ من الصحابة عرفوا هذه الحِكَم الجليلةَ التي للصوم فصاموا عن عقيدة راسخة واقتناع تام، وعلينا أن نُقبل على هذا الشهر الفضيل بتدبر واخلاص وفهم لحقيقة هذه الفريضة: ''ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً'' أي سبعين سنة·
عبادة
الدكتور عبدالله سمك -وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر- يؤكد أن الصيام عبادة جليلة تجدد إيمان المسلم، وتساعد على تهذيب النفس وكفها عن الشهوات والاهواء والانتصار على وساوس الشيطان، وتربي في الانسان صفات الصبر والجلد والثبات والاخلاص والامانة في السر والعلانية·
وقال: ليس المقصود بالصوم هو الجوع والعطش والحرمان، وإنما أن نستشعر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ''من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه''، بحيث يكون المسلم مثلاً للكمال الخلقي في الالتزام بالآداب الاسلامية، فيبتعد عن الغش والكذب والغيبة والنميمة والبذاءة في القول والتنازع والشقاق والتخاصم، ويتمسك بالصدق والاخلاص في العمل والاجتهاد في فعل الخير والحرص على الطاعات·
تهذيب
وعن فوائد الصيام يقول الشيخ منصور الرفاعي عبيد -وكيل وزارة الأوقاف سابقاً-: الصيام رياضة روحية نفسية صحية بدنية تهذب الروح والنفس، لأن المسلم- وهو صائم- يتشبه بالملائكة الكرام الذين لا يأكلون ولا يشربون، فهو يستقبل شهر رمضان دائماً وقد استعدَّ له بالتوبة الصادقة واخلاص النية لله رب العالمين، فالصوم يمد الانسان بالعزيمة المتجردة والارادة الحرة، لانه قربة الى الله تعالى·
ويضيف: الصيام ينمي في الانسان دوافع الخير، لهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ''الصيام جُنة''، لانه تربية للنفس وتهذيب للوجدان وترقيق للمشاعر، وينمي في الانسان عاطفة الرحمة والاخوة، ويجعل الغني رحيماً بالفقراء، فيسعى لتدعيم صلة الحب بالآخرين والمساهمة في القضاء على غائلة الفقر والجوع والمرض، فتقوى الروابط الاجتماعية، ويتعاون الكل في إنهاض وتقوية المجتمع فيتحقق التكافل الاجتماعي·
ويقول الدكتور احمد شوقي إبراهيم -رئيس المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة-: الصوم فريضة قديمة على المؤمنين بالله في كل دين، والغاية الاولى منه إعداد قلوبهم للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله·
عدد اليوم
