الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تصدى لأعداء الفن

تصدى لأعداء الفن
18 سبتمبر 2007 22:15
الإمام الشيخ مصطفى عبدالرازق من أبرز مشايخ الأزهر المستنيرين الذين عملوا بإخلاص ودأب على إحياء جوهر التراث والثقافة الاسلامية ووصلها بالجديد، ويعتبر رائد وباعث الدرس الفلسفي في مصر، والباعث الثاني للنهضة الإسلامية بعد أستاذه الإمام محمد عبده، وكان أول أستاذ جامعي يقوم بتدريس الفلسفة الإسلامية من وجهة نظر إسلامية خالصة في الجامعة المصرية وتخرجت على يديه أجيال متلاحقة، ومن بين تلاميذه المباشرين الروائي نجيب محفوظ الذي قال عنه: ''إنه مثال للحكيم كما تتصوره كتب الفلسفة''، أما أستاذه ومعلمه الاول الإمام محمد عبده فقد مدحه قائلا: ما سررت بشيء سروري بأنك شعرت في حداثتك بما لم يشعر به الكبار من قومك، فلله أنت، ولله أبوك، ولو أذن لوالد أن يقابل وجه ولده بالثناء لسقت إليك من المديح ما يملأ عليك الفضاء· ولد الشيخ مصطفى عبدالرازق بقرية ''أبو جرج'' التابعة لمحافظة المنيا بصعيد مصر عام 1888 لأسرة صعيدية محافظة وعريقة، تجمع بين المال والجاه والعلم، واشتهرت برعاية الموهوبين والفنانين، وليس سرا أنها دعمت وساندت د· طه حسين تلميذا وطالبا ثم استاذا وعالما ومفكرا كبيرا، كما احتضنت أم كلثوم وشملتها بالرعاية حبا وتشجيعا للفن الراقي الجميل، واشتهر كثير من أبنائها بخدمة القضية الوطنية المصرية، وكان جده الشيخ مصطفى من كبار قضاة الشرع في عصره، وكانت له شهرة واسعة في العلم والكرم، أما والده فقد تعلم بالأزهر، ودرس كتبه، ثم اتصل بالسياسة وصار عضوا بارزا في المجالس النيابية التي عرفتها مصر منذ عهد الخديو اسماعيل، كما كان صديقا مقربا للامام محمد عبده· وفي هذه البيئة نشأ الشيخ مصطفى عبدالرازق، وقضى طفولته في قريته، وتعلم في كتابها مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم· وحينما بلغ العاشرة من عمره انتقل للقاهرة لمواصلة الدراسة بالازهر، ودرس الفقه الشافعي وعلوم البلاغة والمنطق والأدب والعروض والنحو وغيرها، واقترب من استاذه محمد عبده، وأخذ يستمع لدروسه في الرواق العباسي، وكان يقرأ مقالاته في الصحف، وآراءه في الكتب، وتحمس لكل افكاره التجديدية، وأخذه الحماس لدرجة أنه اصدر مع إخوته صحيفة منزلية قام على تحريرها وطباعتها هو وأخوه الشيخ علي ووزعوها على أفراد العائلة، ومن هذه الصحيفة المنزلية خرج الى ميدان الصحافة الواسع، حين اتصل بالجرائد اليومية كاتباً قبل أن يبلغ سن العشرين· وفي ذلك الوقت كان الشيخ مصطفى يواصل الدراسة بالازهر، وحصل على عالميته عام ،1908 وأبدى اهتماما بالمشاركة في الجمعيات العلمية والأدبية، كالجمعية الأزهرية التي أنشأها محمد عبده، واشتغل في مدرسة القضاء غير انه لم يواصل فيها، وفضل السفر الى فرنسا لمواصلة دراسة الفلسفة في جامعة السوربون· وفي يوم الثلاثاء 22 يونيو 1909 ميلادية سافر من مدينة القاهرة إلى ميناء بور سعيد وفي الصباح الباكر من اليوم التالي أبحرت به السفينة متجهة إلى مرسيليا ليأخذ القطار منها إلى باريس، وكان يرافقه على متن هذه السفينة الأستاذ أحمد لطفي السيد رئيس تحرير الجريدة لسان حزب الأمة آنذاك· وقد قضى الشيخ مصطفى عبدالرازق في هذه الرحلة الأولى إلى فرنسا ثلاث سنوات متتابعات· سفر جديد ثم عاد الى مصر في شهر يوليو عام 1912 ووجد أمه على فراش الموت، وبعد وفاتها، تداول إخوته في أمر سفره مرة اخرى الى فرنسا، وسفر شقيقه الشيخ علي عبد الرازق إلى إنجلترا تنفيذا لوصية والدهما· وفي مساء يوم الاثنين السابع من شهر أكتوبر 1912 أبحرت بهما الباخرة من بورسعيد إلى مرسيليا فوصلاها في صباح السبت 12 أكتوبر ومنها انطلقا صباح يوم الاثنين 14 أكتوبر إلى ليون، حتى غادراها في السابع عشر من أكتوبر إلى باريس· وفي باريس مرض الشيخ مصطفى عبدالرازق مرضا شديدا وخاطب شقيقه المقيم بلندن فغادر أكسفورد إلى باريس مساء 26 فبراير، ليصل إلى المستشفى الذي يرقد فيه الشيخ مصطفى عبدالرازق، وفي تلك الاثناء قامت الحرب العالمية الأولى واضطر الشقيقان للعودة الى مصر· واشتغل الشيخ مصطفى عبدالرازق موظفا في المجلس الأعلى للأزهر، ثم لم يلبث أن ترقى إلى وظيفة سكرتير المجلس، ثم انتقل إلى القضاء الشرعي سنة ،1920 حيث عمل مفتشا بالمحاكم الشرعية، ثم اشترك مع أقطاب أسرته في تأسيس حزب الأحرار الدستوريين عام 1922 وإن لم يندمج هو في أنشطته، واكتفى بنشر مقالاته الأدبية والاجتماعية والدينية في صحيفة الحزب المعروفة باسم ''السياسة''· وتميزت مقالاته باسلوب ممتع دقيق وساخر، وكان يتناول فيها المعارك والاختلافات التي تثار بين طلبة الازهر وايضا المجتمع المصري برمته، ومنها معركة طلاب دار العلوم -الذين لم يلبسوا العمامة الازهرية - وطلاب الازهر، ووصلت الى حد تكفير تارك العمامة ولا بس القبعة، وأنهاها الشيخ مصطفى عبدالرازق باسلوبه السهل الساخر قائلا: ايتها العمامة، انت تذكار الماضي المجيد، وميراث الآباء والاجداد ولو شئنا لأصبحت ميراثا مخلدا للابناء والاحفاد· وكم زينت رأسا تزين بالفضائل والفطن، وكم كنت في ساحة الوغى لواء وفي ساحة المجد اكليلا، وكم كنت هالة تحيط محيا نبيلا: ايتها العمامة، قد اصبحت تصد عنك وجوه النساء، وتعبس لك وجوه الرجال، وصرت آية الضعف والتأخر في معرض الاجيال، قد أضر بك من اتخذوك شعارا لهم، وما كنت للجمود شعارا، ومن لبسوك على أوزارهم فحملوك اوزارا· كانت للشيخ مصطفى آراء مستنيرة في الغناء، وكتب مقالة ذكر فيها رحلته بالقطار من القاهرة الى صعيد مصر وقد اطلق القطار صفيرا توافق مع ايقاع ارتطام العجلات بالقضبان· واشار الى اولئك المتشددين الذين لو سمعوا هذا الايقاع المتوافق لقاموا بتدمير القطار لأن الصفير والموسيقى في عرفهم حرام! وتناول بالحديث الساخر المسافة الكبيرة بين اختراع القطار والخرابات التي يمر بها والرمم التي يقذفها العامة في الماء، والمتشددين وهيئة كبار العلماء، موجها كلامه للبدر في السماء: سعيد أنت يا بدر في السماء، فليس في السماء خرابات مثل خرابات القاهرة، ولا رمم تقذف في الماء، وليس فيها متشددون ولا هيئة كبار العلماء، يقصد هيئة كبار العلماء بالأزهر التي أسسها الشيخ مصطفى المراغي ومازالت تواصل عملها حتى اليوم· وحين صارت الجامعة الأهلية في مصر جامعة حكومية انتقل الشيخ مصطفى إليها في عام1927 أستاذا مساعدا للفلسفة بكلية الآداب، وكان أول أستاذ مصري يلقي محاضرات في الفلسفة الإسلامية بالجامعة المصرية· ثم اختير وزيرا للأوقاف عدة مرات بين عامي 1937-1944م وكان أول شيخ أزهري يتولى الوزارة في مصر، ومُنح لقب الباشاوية، ولكنه آثر عليه لقب شيخ، ولم يخلع عمامته طوال حياته· وفي 27 من ديسمبر عام 1945 عين شيخا للأزهر خلفا للشيخ المراغي، غير أن مشيخته لم تطل، حيث توفي في 15 من فبراير عام ·1947
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©