السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليزّاف صديق الصيادين.. وشريكهم الأمين

اليزّاف صديق الصيادين.. وشريكهم الأمين
19 سبتمبر 2007 22:18
على مدى سنوات طويلة مضت كان البحر قضية حياة أو موت بالنسبة لكل إماراتي ربط مصيره بمزاجية البحر في العطاء، فالإنسان الخليجي- وكما قال عنه الشاعر الكويتي محمد الفايز في إحدى قصائده- كان ''يحاذر أن يموت'' في كل مرة يولِّي وجهه شطر الماء، لافرق في ذلك أكان هذا الإنسان صياداً على مركب، أو ''يزّافاً'' ينتظر الصيادين على الساحل على ''الفرضة'' حيث تباع حصيلة كل صياد على دكة من دكك اليزافين القدامى، فالكل كان أيامها في قبضة خازن الأسماك· ولكن، ومع مرور الوقت وتراكم ضرائب التطور؛ طرأ تغيير كبير على جميع المهن المرتبطة بالصيد وتسويق الأسماك في الإمارات، ولم يكن ''اليزاف'' إلا أول أصدقاء المهنة الذي ضحت به الحياة العصرية وأوكلت سيرته كلها إلى النسيان، ليحل محله وبنفس الاسم شخصٌ آخر يدير مزاداً في أسواق السمك في الإمارات·· إذاً، من هو اليزّاف؟ يجيبنا على هذا السؤال الوالد راشد الحاي أحد أبناء هذه المهنة المندثرة، فيقول: ''اليزاف هو صديق الصيادين، وبائع أسماكهم الأمين، وهو وإن لم يغامر بركوب البحر، إلا أنه يتحمل القسط الأكبر من صون تعب الصيادين، ومسح عرقهم في نهاية كل نهار بثمن ما يتمكن من بيعه من الأسماك التي جلبوها من البحر، وهو بذلك يعد عنصراً رئيسياً في المعادلة التي تنتقل بها كل سمكة من عالمها في البحر لتصل في آخر رحلتها اليومية إلى تنور الأمهات· يواصل الوالد راشد الحاي سرده للتفاصيل قائلاً: ''مهنة اليزّاف اندثرت بالفعل وتبدلت كثيراً عما كانت عليه في السابق، فهي ليست كما يعتقد أغلب الشباب من الجيل الحالي بأنها مهنة دلالة ومزايدة على السمك يتم فيها رفع أسعاره إلى الحد الذي يعتبره المستهلك جشعاً محضاً، وإنما هي عملية تسويق حصيلة صيد زملائه الصيادين الذين يرتادون البحر بشكل يومي، حيث يقوم اليزاف ببيعه لهم في سوق السمك نظير مبلغ زهيد من كل ''مشجاج'' (مقياس وزن) يتم بيعه، ومما هو متعارف عليه قديماً يحصل اليزاف على ''آنتين'' (عملة قديمة أقل من 25 فلساً) من كل درهم يحصل عليه الصياد''· وأضاف أن مهنة اليزاف مرهقة جداً، وتحتاج إلى جهد وصبر كبيرين من الأشخاص الذين يعملون بها، ففي السابق كان اليزاف يعاني كثيراً قبل أن يبيع الحصيلة من الصيد، حيث يقوم رجلان بحمل السمك من المركب مستخدمين ''شبجه'' توضع على مناقل وتوصل إلى اليزاف الذي بدوره يبيع من السمك ما يستطيع بيعه حتى موعد أذان الظهر، مشيراً إلى أنه وفي بعض الأحيان لا يتمكن من بيع السمك بأكمله فيتم رمي الباقي والتالف منه بسبب عدم وجود وسائل تخزين مثل الثلاجات· وفي غمرة استعادته لشريط الذكريات يضيف الوالد الحاي: ''في المساء يقوم اليزاف بالمرور على الصيادين أو مقابلتهم عند سوق العرصة (سوق قديم يتجمع فيه الرجال في المساء) وذلك لإعطائهم ثمن السمك الذي تم بيعه بعد أن يأخذ هو نسبته كمسوّق لحصيلة الصيد· وأوضح أن اليزاف يتقاضى من مهنته قوت يومه، حيث يتراوح معدل دخله من عمليه اليزافة من 4 إلى 5 دراهم، وهذه تعتبر نعمة يحمد الله عليها كثيراً، مشيراً إلى أن الإنسان في الماضي كان يعيش الحياة يوماً بيوم، ودائماً يتوكل على الله في كل الأمور، فالمستقبل لا يعنيه كثيراً، كما أن القناعة بما قسم الله تعالى من الرزق سمة الأهالي جميعهم، فالمحتاج يجد من يساعده ويقف بجانبه، على نقيض اليوم الذي يتصارع فيها الناس نحو الدنيا والمادة· ويرى الوالد راشد أن سمك اليوم قد تغير عما كان عليه في الماضي، وأن هناك أنواعاً من الأسماك قد انقرضت بسبب تدمير آلات الحفر المائي، لمساحات كبيرة من الشعب المرجانية· وأوضح أن السمك في السابق كان يتغذى على حيوان المحار والأحياء المائية الدقيقة التي تستوطن العرشان (الشعاب المرجانية)، ويقتات أيضاً على الطحالب التي تنمو في القاع الصخرية (القوع)، ويتربى على بيئته الطبيعية، مشيراً إلى أن كل هذه العوامل أثرت سلباً على غذاء السمك بشكل كبير ومخيف· وأكد الوالد راشد أن تجار الأسماك في الوقت الحالي لا يعتمدون على البيع في السوق المحلية فقط، وإنما يسوقون إنتاجهم في بعض الإمارات الأخرى والدول المجاورة، وهذا الحال ساهم في ارتفاع سعر السمك إلى حد كبير بسبب نقص المعروض، على عكس الحال في الماضي الذي كانت السوق المحلية تشهد اكتفاءً ذاتياً من حصيلة الصيد، بل وأحياناً يكون هناك فائض منها· ويختتم الوالد الحاي حديثه قائلاً: إن العمل في البحر في الماضي كان شاقاً ومرهقاً، والإنسان في الماضي كان يعمل لكسب قوته، أما اليوم فالبحر أصبح للترفيه والاستمتاع فقط، بعد أن تغيرت الدنيا عما كانت عليه، وصارت مهنة الصيد الرحيم ذاتها مهددة بالاندثار، وليس فقط مهنة ''اليزافة''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©