الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زوبعة النقاب في كندا

19 سبتمبر 2007 22:45
في مقاطعة ''كويبك'' الكندية، أجريت هذا الأسبوع انتخابات فرعية لشغل ثلاث دوائر خلت في مجلس العموم الكندي، وذلك حدث عادي يمكن أن يحدث من دون أن يلتفت إليه أحد سوى المرشحين والناخبين المعنيين في الدوائر الانتخابية المعنية· غير أن ما حدث شيء آخر، فقد تحولت قضية محلية صغيرة بفعل فاعل إلى ''قضية كبرى'' شغلت الصفحات الأولى في الصحف القومية والمحلية، وخلقت منابر تلفزيونية تبارى فيها المحللون والمعقبون السياسيون من كل صنف ونوع، ترددت خلالها كلمات نارية عن التطرف الإسلامي، والتزمت الإسلامي، وبقية المعزوفة المتكررة التي تخصصت فيها كثير من أجهزة الإعلام ''الديمقراطية والحرة'' منذ حادثة الحادي عشر من سبتمبر المؤسفة· ما أثار كل هذه الزوبعة الهائلة، أن هناك بضع نساء كنديات مسلمات محجبات أردن أن يمارسن حقهن الديمقراطي المشروع في الانتخاب من دون أن يكشفن عن وجوههن، لأنه -كما قيل- إن الشرع الإسلامي لا يبيح للمرأة المسلمة أن ترفع خمارها حتى في غرفة الانتخاب في حضرة رجال غرباء عنها؛ وما رفع من حدة الزوبعة أن رئيس هيئة الانتخابات الكندية -منصب مستقل يعين بواسطة مجلس العموم ويرفع تقاريره للمجلس وليس للسلطة التنفيذية- قد قال في تصريح رسمي نشر وأذيع: إنه ليس في القانون ما يلزم الناخب أو الناخبة، بإثبات شخصيته عن طريق كشف وجهه أو وجهها، وإن هذا هو القانون الساري اليوم والذي أمامه يتساوى الجميع، وأضاف أنه قد وجه مساعديه بذلك· وتفجرت الأزمة··· وكانت مناسبة دفعت رئيس الحكومة الكندية السيد ''ستيفن هاربر'' -الذي كان يشارك في مؤتمر دولي في استراليا- أن يوجه انتقاداً مبطناً لرئيس هيئة الانتخابات، وأن يعلن بكل حزم أنه لو لم تتخذ هيئة انتخابات كندا موقفاً يحافظ على التقاليد الانتخابية المرعية، فإنه سيطلب من البرلمان النظر في الأمر! ذلك كان موقف رئيس حكومة المحافظين، وهو من دون شك موقف لا علاقة له بالقانون الساري، وإنما هو مدفوع بحب المزايدة السياسية التي صارت لازمة وملازمة له منذ وصوله إلى السلطة· ولم يتوقف الأمر عند رئيس حكومة المحافظين، بل إن رؤساء الأحزاب المعارضة المحسوبة على اليسار -الديمقراطي الجديد والليبرالي القومي وغيرهما- قد انضموا إلى فيالق المدافعين -حسب قولهم- عن التقاليد الديمقراطية الكندية المستقرة· تبدو الحادثة صغيرة وعادية ولا تستدعي كل هذا الغبار الكثيف الذي أثارته، لكنها -وبخاصة في المجتمع الكندي بتركيبته القائمة على التعدد العرقي والثقافي والديني- أثارت مخاوف الكثيرين من قطاعات المجتمع التي رأت فيها نذيراً بأن كندا، التي يُنظر إليها باعتبارها تجربة إنسانية رائدة في تحقيق معاني المساواة والكرامة الإنسانية لجميع سكانها، ربما أصبحت في وجهة تناقض كل القيم والأعراف الواردة في دستورها وفي ميثاق الحريات والحقوق الكندية الذي تعتبره الغالبية الشعبية هو صمام الأمان والحافظ الحارس لهذا الوطن الكبير المتعدد الإثنيات والثقافات والديانات، وهذه المخاوف تبدو أكبر، وتظهر أكثر لدى الكنديين المنحدرين من أصول إسلامية وعربية· لكن العزاء الذي يطمئن المرء، أنه إلى جانب الأصوات التي ارتفعت لتجعل من قضية ممارسة بضع نساء مسلمات منقبات لحقهن الانتخابي في ''كويبك''، كانت هناك أصوات أخرى عاقلة وملتزمة بالعدل استنكرت هذه ''الفتنة'' التي رأت فيها وفي مثيريها، أنهم هم الذين تعدوا على القانون الساري، وأساءوا للإسلام وللمسلمين إما عن جهل أو عن قصد متعمد· والعزاء الأكبر أن النساء المسلمات الكنديات منقبات وغير منقبات، قد مارسن حقهن المشروع في الانتخاب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©