الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللاجئون المحليون.. مشكلة إضافية للدول الأفريقية

24 فبراير 2018 21:40
كان من شأن أزمة اللاجئين التي تعاني منها أوروبا منذ عقود وأعوام، أن توحي للكثير من الأوروبيين بالاعتقاد الخاطئ الذي يفيد بأن معظم لاجئي العالم إنما يقصدون البلدان الغنيّة عند فرارهم من بلدانهم الأصلية. بيد أنّ الأمر ليس كذلك دائماً وعلى الإطلاق، لأن معظم البلدان الأفريقية التي يقصدها اللاجئون المحليون، تصنّف من حيث المداخيل ومستويات المعيشية ضمن الدول ذات المستويات المنخفضة أو المتوسطة. ولنأخذ تنزانيا على سبيل المثال. فهي تستضيف في الوقت الحالي نحو 350 ألف نازح أغلبهم من بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي التي التزمت منذ وقت طويل بتوفير المأوى والملاذ الآمن لهؤلاء الفارّين من الاضطهاد السياسي والعرقي ومن جحيم الحروب الأهلية في بلدانهم، على الرغم من كونها تصنّف من بين الدول الثلاثين الأكثر فقراً على مستوى العالم كله. وخلافاً لما هي عليه حال بقية دول المنطقة مثل كينيا، فإن السمعة الطيبة التي اكتسبتها تنزانيا في استضافة المهجرين والنازحين واللاجئين كانت ذات نتائج إيجابية بالنسبة لها، فلقد ساعدت على تنفيذ برامج الاكتفاء الزراعي الذاتي للمهجرين وفقاً لتعاليم مؤسسها ورئيسها الراحل جوليوس نيريري، وقد منحت جنسيتها الوطنية لعشرات الألوف من المهاجرين البورونديين خلال الفترة بين عامي 2005 و2015 في عهد الرئيس «جاكايا كيكويت». أما الآن، وبالرغم من هذه السمعة التي حظيت بها، فقد أعلنت عن انسحابها من مبادرة «الإطار الشامل للاستجابة لحاجات اللاجئين» (CRRF) والتي تمثل الجزء الأكثر أهمية في الخطط الراهنة التي تتبعها الأمم المتحدة والرامية إلى إصلاح نظام الهجرة عالمياً وإقليمياً. وتنطوي هذه المبادرة على أهمية كبيرة لتحسين أساليب الاهتمام باللاجئين ودعمهم في الدول المضيفة، مثل تنزانيا، وبحيث يشتمل هذا الدعم على تقديم المساعدات الاجتماعية والصحية وغيرها من لوازم الحياة الكريمة التي يحتاجها اللاجئون. وبعد أشهر من المناقشات المكثفة، رفض الرئيس التنزاني الحالي «جون ماجوفولي» التوقيع على المبادرة الأممية المذكورة. وكانت نقطة الخلاف الواضحة خلال تلك المناقشات تكمن في الاشتراطات والالتزامات التي تتطلب من تنزانيا أن تقترض الأموال من البنك الدولي من أجل تأمين الظروف اللازمة لخلق فرص أفضل للاجئين لمواصلة حياتهم على أراضيها. وكجزء من برامج الإقراض السنوية التي يقدمها البنك للدول الفقيرة، تحصل تنزانيا على 100 مليون دولار بحيث يكون نصف المبلغ على شكل قرض والنصف الثاني بمثابة هِبة غير مرتجعة. واتضح أن فكرة اقتراض تنزانيا للأموال، حتى ولو بفوائد منخفضة، من أجل الإنفاق على استضافة اللاجئين بإشراف المجتمع الدولي، مرفوضة تماماً من طرف الرئيس «ماجوفولي»، كما بدا جلياً في الكلمة التي ألقاها أمام سفراء الدول الأجنبية في العاصمة دار السلام يوم التاسع من شهر فبراير الجاري. وكان موقف الحكومة التنزانية واضحاً تماماً في كونها تدعم اللاجئين، لكنها ترفض خطة الأمم المتحدة من حيث المبدأ. وتريد تنزانيا، بدلاً من ذلك، أن تتكفل الدول الغنية بدعمها مالياً بدلاً من إكراهها على الاقتراض من البنك وصندوق النقد الدوليين لتغطية حاجات اللاجئين. وعبر مسؤولون كبار في مكاتب الأمم المتحدة في جنيف ونيويورك عن تفهمهم للقرار التنزاني باعتباره يمثل دعوة صريحة من الرئيس التنزاني لزيادة الصناديق المخصصة لدعم اللاجئين. إلا أن الأمر يتعلق بما هو أكثر من الأموال. وقد بدا واضحاً لي بعد أن تحدثت مع كبار المسؤولين الحكوميين وقادة المنظمات غير الحكومية في تانزانيا، أن هذه الأخيرة ملتزمة عملياً بمسؤولياتها حيال اللاجئين، لكنّها تشعر بأن المقرضين العالميين، وكذلك الأمم المتحدة، قد تخلوا عنها جميعاً. وتتخوف الحكومة التنزانية من التداعيات الأمنية لانتشار الأسلحة في مخيمات اللاجئين، وهي الأسلحة التي يتم تهريبها من دولتي بوروندي والكونغو، علاوة على مخاوفها الأخرى من التلوث البيئي في محيط المخيمات، ومن الضغط الذي يولده التنافس على مصادر المواد الأولية في البلاد جراء وجود العدد الكبير من اللاجئين. ولعل الأهم من كل ذلك هو الشعور بالإجحاف التاريخي الذي تتعرض له تنزانيا في هذه الحالة، وخاصة من الدول المانحة التي تتجنب تقديم أي دعم مادي لها. وربما تكون تنزانيا دولة صغيرة من الناحية الجغرافية، إلا أن استجابتها وتعاونها مع الجهات العالمية المعنية بشؤون المهاجرين واللاجئين كانا كبيرين للغاية. وتتركز جهود القادة الغربيين في الوقت الحالي على البحث عن حلول لمشاكل المهجّرين وحمايتهم أثناء وجودهم في مخيمات اللجوء كتلك التي أنشأتها تنزانيا والقريبة من مناطق الصراعات. وإذا لم يقدم المانحون الدعم المالي الكافي للعناية بهؤلاء المهجرين، فسوف يتعزز احتمال أن تتوقف الدول المضيفة الأخرى عن استضافتهم على أراضيها. وما تزال تنزانيا تستقبل أفواج المهاجرين دون انقطاع منذ عام 1959. وخلال سنوات فترة التحرر والنضال ضد الاستعمار في عقدي الستينيات والسبعينيات، تبنى الرئيس نيريري سياسة الأبواب المفتوحة أمام مئات الألوف من اللاجئين الفارّين من دول جنوب القارة الأفريقية، بما فيها دولتا جنوب أفريقيا وروديسيا (زيمبابوي حالياً). وسمحت الحكومة التنزانية لكل اللاجئين بدخول أراضيها، بما جعلها واحدة من أكثر دول العالم ميلاً لاستضافة المهاجرين. لكن، عندما تقدمت تنزانيا بطلب إلى المانحين العالميين لتقديم الدعم لها حتى تكتسب خطتها لمساعدة اللاجئين صفة الاستدامة خلال سلسلة اجتماعات عقدت في الفترة بين عامي 1981 و1984، تسابقت الدول المانحة إلى تقديم الوعود بالدفع، لكنها في الواقع لم تدفع شيئاً ذا بال. ويتطلب الأمر حالياً إحداث تطور شامل في صلب نظام الهجرة وفي جوهر الالتزامات الدولية في هذا الخصوص، وبحيث يتم الاهتمام أكثر بما يسمى «الدبلوماسية الإنسانية»، وضرورة تمكن المحللين السياسيين من فهمٍ أفضل للمصالح الوطنية للدول المضيفة للاجئين، وابتداع أنظمة أكثر فاعلية لتمويل الدول المضيفة ذات الإمكانات الاقتصادية والمالية والهيكلية المحدودة، كما هو حال تنزانيا على سبيل المثال. ولا شك في أنه من الواجب الترحيب بدور البنك الدولي في الاستجابة لأزمات الهجرة، إلا أن الطلب من تنزانيا الاقتراض منه لمساعدة اللاجئين يُعتبر خطأ كبيراً وموقفاً غير مقبول. *أستاذ محاضر في قضايا الهجرة والعلاقات الدولية بجامعة أوكسفورد عن دورية «فورين بوليسي» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©