الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

انخفاض معدلات انتقال العمالة وزوال تدريجي لموانع التضخم

انخفاض معدلات انتقال العمالة وزوال تدريجي لموانع التضخم
21 سبتمبر 2007 00:43
يعتبر رجل الاقتصاد الداهية آلن جرينسبان نفسه من أكثر المحللين والخبراء حظاً في العالم أجمع، ولم يتردد في شرح دواعي ومبررات هذا الشعور عندما تحدث إلى دانييل جروس المحرر الاقتصادي في مجلة ''نيوزويك'' عن مهماته العديدة والحساسة التي قضاها خلال عمله رئيساً للخزانة الفيدرالية الأميركية والذي امتد من شهر أغسطس من عام 1987 حتى يناير من عام ،2006 حيث قال: ''لقد كتب لي أن أظهر على مسرح الأحداث في بداية فترة غير عادية مرّ بها الاقتصاد العالمي''· وتميزت هذه الفترة بنهاية الحرب الباردة، وبروز ظاهرة العولمة، وظهور الصين كلاعب كبير في الاقتصاد العالمي· وفيها أيضاً، شهد العالم طفرة هائلة في تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها، وهي الظروف التي ساهمت في استهلال حقبة طويلة من النمو الاقتصادي السريع رافقتها زيادة متسارعة في الإنتاجية وطفرة كبيرة غير مسبوقة في الأسواق العالمية· وبالنظر للدور الذي لعبه جرينسبان في خدمة أربعة رؤساء تعاقبوا على البيت الأبيض، وبعد أن عايش عقدين من النمو الاقتصادي العالمي المتواصل لم يشهدا أي فترات للركود، فلقد أصبح من دون منازع المسؤول الأميركي الرسمي الأكثر شهرة على الإطلاق خلال العقود الثلاثة الماضية· ويقول مارك زاندي الاقتصادي الرئيسي في موقع ''مودي إكونومي دوت كوم'': ''لو أردنا أن نضع مقياساً للقدرة الفردية على دفع عجلة النمو الاقتصادي ومكافحة التضخم، فلا شك أن جرينسبان سيحتل المرتبة الأولى''· ولطالما لعب الاقتصادي الداهية دور المايسترو الذي تمكن بنجاح من عزف السيمفونية العالمية التي طرب لها المستثمرون وأرباب الأسواق والسياسيون على حد سواء· ولم يتوقف خلال تلك الفترة عن الإدلاء بالأحاديث التحليلية المطوّلة التي كانت تصيب الحقيقة في كبدها، وكانت لكلماته وقعها المميز وقدرتها الفائقة على اختراق كل الآذان· وربما كان الأغرب من كل ذلك فيما يتعلق بالمواهب الضخمة التي يحملها هذا الرجل فوق كتفيه، أنه نشأ أصلاً كعازف محترف على آلة الساكسافون في إحدى فرق الجاز قبل أن يتحول إلى الاهتمام بالاقتصاد العالمي· واشتهر جرينسبان بإطلاق بعض الحكم ذات العلاقة بالأسواق، من أشهرها تحذير المستثمرين في الأسهم من الاندفاع الأعمى عند التعامل والابتعاد عن مظاهر ''الحيوية اللاعقلانية'' التي تظهرها بعض الشركات المدرجة في البورصة من خلال الإفصاح غير الواقعي عن أدائها· وهي الحكمة التي تجسدت بوضوح من خلال أزمة شركة ''إنرون'' الأميركية التي انتهت بها وبمعظم المتعاملين بأسهمها إلى الإفلاس عام 2001 وتمكن جرينسبان من اختراق النظام السياسي القائم في البيت الأبيض· فعندما انتخب الرئيس بيل كلينتون، تمكن من إقناع الإدارة الديموقراطية الجديدة بضرورة تخفيض العجز في الميزانية ودعم اتفاقية التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية· وسرعان ما أصبح جرينسبان مستشاراً من الطراز الأول في الشؤون الاقتصادية كافة بالنسبة للإدارة الأميركية· ويوشك أحدث كتاب لجرينسبان على الصدور عن دار ''بنجوان بريس'' في الولايات المتحدة تحت عنوان: عصر الاضطراب "The Age Of Turbulenc" يتنبأ فيه بمستقبل الاقتصاد الأميركي والعالمي منذ الآن وحتى عام ·2030 ويقول في مقدمة الكتاب إن الناس كثيراً ما كانوا عبر التاريخ يعتقدون أن في الإمكان الخوض في معطيات المستقبل· فلقد كان القادة العسكريون اليونانيون يستعينون بالعرّافين والكهنة قبل القيام بغزواتهم ومغامراتهم العسكرية· وتوظف وول ستريت جماعات من أكثر الناس ذكاء لاستقراء التوجهات المستقبلية للأسواق واستشراف مستوى أدائها ووضع توقع لأسعار الأسهم· ويتساءل جرينسبان: ''إلى أي حد يمكننا أن نتنبأ بما هو آت في المستقبل؟''، ثم يجيب عن ذلك بالإشارة إلى أن من حسن حظ صنّاع القرار السياسي أن هناك نوعاً من التواصل التاريخي في طريقة عمل وأداء المجتمعات والأسواق في الدول الديموقراطية· وهناك أيضاً كثير مما يمكن أن يقال حول استشراف وضع الاقتصاد الأميركي والعالمي خلال العقود القليلة المقبلة خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مقولة ونستون تشرشل: ''بقدر ما تتمكن من النظر بشكل أبعد إلى الماضي، بقدر ما يمكنك النظر أبعد إلى المستقبل''· ووفقاً لهذه الطروحات، كيف سيكون حال الاقتصاد الأميركي في عام 2030؟· يرى جرينسبان أنه لن يكون في جعبتنا إلا القليل من المعلومات التي يمكنها الإجابات عن هذا السؤال ما لم نتمكن من تحديد القول الفصل في قضايا أخرى ذات صلة بالموضوع· ويقول: ''أنا أحتاج لإجابات شافية لأسئلة جوهرية أخرى حتى أتمكن من الإجابة عن ذلك السؤال· مثل: هل سيحتفظ القانون بدوره القوي في تنظيم الأمور الاقتصادية حتى حلول عام 2030؟، وهل سنبقى متمسكين بمبدأ عولمة الأسواق الحرة وإبعادها عن إجراءات الحماية؟''· ثم يضيف إلى هذا السؤال قوله: ''أنا لا أقصد بكلمة (الحماية) الإشارة إلى الحواجز التي تقف عائقاً أمام حركة التجارة العالمية وتدفق الأموال الاستثمارية فحسب، بل أقصد بها أيضاً الإجراءات الحكومية المضادة للمنافسة في الأسواق المحلية لدول العالم المختلفة''· ثم يضيف سلسلة أخرى من التساؤلات مثل: ''هل سنكون في ذلك الوقت قد تمكنا من تحديد عناصر الخلل الوظيفي في نظامنا المدرسي الابتدائي والثانوي؟، وهل ستظهر النتائج الضارة للاحترار الأرضي بالبطء الكافي، بحيث لا يظهر أثرها القوي على اقتصاد الولايات المتحدة قبل عام 2030؟، وأخيراً، هل سنتمكن من منع الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة؟· ثم يقول: ''وما لم نتوصل لإجابات شافية عن هذه الأسئلة، فإن إطلاق أي نبوءة لن يكون مفيداً''· أمثلة ومقارنات ويضرب جرينسبان بعض الأمثلة حول تطور الإنتاجية في الولايات المتحدة من خلال إجراء مقارنة تاريخية، ويعرض لأسباب هذا التطور حتى يتمكن من وضع أساس للتنبؤ بما ستكون عليه الأمور في المستقبل· ففي عام ،2005 كانت الإنتاجية تساوي 2,8 أمثال ما كانت عليه في عام ·1955 ويفسر ذلك بأن الأميركيين أصبحوا في عام 2005 يعرفون أكثر بكثير مما كانوا يعرفونه قبل ذلك حول الأسلوب الذي يعمل بموجبه النظام الفيزيائي الأرضي· وكل عام، تظهر ملايين الابتكارات والأجهزة والاختراعات التي تم توظيفها بنجاح في زيادة الإنتاجية بشكل كبير· وأصبحت هذه من أهم الحقائق المؤثرة على الاقتصاد منذ اختراع الخصائص الكهربائية المعقدة لأشباه الموصلات بعد نهاية الحرب العالمية الثانية· ويبقى السؤال المطروح الآن: لماذا لم يكن نمو الإنتاجية أكبر مما هو عليه؟· والجواب على هذا السؤال هو أن الكائنات البشرية ليست ذكية للدرجة الكافية لتسجيل قفزات تطورية أوسع مدىً، فهي ذات قدرة محدودة على التطور· ويفيدنا التاريخ بأن سقف النمو في الإنتاجية الاقتصادية على المدى الطويل وباستخدام أكثر التكنولوجيات المتوافرة في الوقت الراهن تطوراً، لا يمكن أن يتعدى 3 بالمائة سنوياً· ولا شك أن الأمر يتطلب مزيداً من الوقت حتى يتمكن البشر من التوصل لأفكار جديدة يمكنها أن تغيّر هذا الواقع، كما سيتطلب وقتاً أطول حتى يتمكنوا من ترجمة هذه الأفكار إلى أجهزة وأدوات يمكنها أن تزيد الإنتاجية وفق معدلات جديدة وغير مسبوقة· ويمكن للمرء أن يتنبأ بمعدل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال العقود الثلاثة المقبلة لو تمكن من التنبؤ بالأجهزة والأدوات التي سيتم ابتكارها في المرحلة المقبلة ومدى قدرتها على أداء الأعمال بأقصر الأزمنة الممكنة· ويفضل جرينسبان أن يزيد الأمور تعقيداً، عندما يشير إلى أن محاولة التنبؤ بمستوى الناتج الوطني الإجمالي في الولايات المتحدة عام ،2030 لا يمكن أن تمثل أكثر من بداية لتصور أمور أخرى؛ لأنها لا تقدم فكرة واضحة حول طبيعة الآليات التي ستقود النشاطات الاقتصادية للولايات المتحدة خلال ربع القرن المقبل، ولا حول نوعية الحياة نفسها خلال تلك الفترة· ومن المهم مثلاً أن ينظر المرء باهتمام إلى النتائج التي سيؤدي إليها استكمال المظاهر والشروط الاقتصادية التي تتطلبها العولمة· وكان للتدفق المتسارع للعمال إلى أسواق العمل العالمية بفعل العولمة الاقتصادية أثر مضاد للتضخم؛ لأنه ساهم في تخفيض معدل نمو أجور العمال وفي توزيعهم على نحو متوازن في دول العالم· ويتوقع جرينسبان أن يعود معدل تدفق العمال إلى أسواق العمل المنافسة للانخفاض في المستقبل القريب، مما سيؤدي إلى زوال تدريجي للقوى والعوامل المانعة للتضخم· وسوف يرتفع معدل أجور العمال في الصين، وسيرتفع معها معدل التضخم هناك· وسوف تظهر النتائج الأولى لهذا التحول على شكل ارتفاع في أسعار السلع الصينية المصدرة إلى الخارج· ومن الواضح أن هذا سيؤدي إلى تراجع قدرة البضائع الصينية على المنافسة وما سينتج عنه من تغير كبير في مستوى الخلل بميزان المدفوعات التجاري· وما هذه إلا بعض الأمثلة القليلة والمختصرة عن آلاف القضايا الاقتصادية المترابطة التي يخوضها جرينسبان في كتابه هذا· وبالرغم من أنه لم يظهر بعد إلى حيز الوجود، إلا أنه سيكون من غير شك كتاب يستحق كل الاهتمام من كل الشرائح والفئات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©