السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثوار نوبل.. المتقاعدون

ثوار نوبل.. المتقاعدون
9 فبراير 2011 19:23
في مئة واثنان وأربعون صفحة كتب شافي أيين حوارات وأحاديث جمعها، خلال ثلاث سنوات مع ستة عشر شخصاً حازوا على جائزة نوبل للآداب، في كتاب أسماه “ثورة نوبل، ترافقه عدسة ونظرة المصور كيم مانريسا. فحكاية هذا الكتاب كحكاية العصافير التي تحمل رسائل وكتابات حميمية، وتحمل الدهشة من داخل الأسرار، ففيه يكشف المؤلف طريقة تفكير كل من هؤلاء الأشخاص، وصفاتهم، ومن خلال أفكار طرحت تسللت إلى منازلهم، والتطفل ليس على مكاتبهم فحسب، بل على مطابخهم أيضاً، ثم التحدث اليهم من دون الاهتمام بالوقت، والتجول في المدن التي اختاروا الإقامة فيها، أو تلك الأماكن ألتي أوحت لهم بكتابة أعمالهم، بالإضافة إلى التعرف إلى عائلاتهم... مع مكاشفة هؤلاء النوبيليين في إنتاجهم مساحات حيوية معبّرة من الحرية. يعرض الكتاب ايضاً ثلاث سنوات من العمل، أثمرت في التعرف إليهم، عبر لقاءات ومقابلات نشرت في الملحق الثقافي الذي تصدره اثنتان وعشرون صحيفة إسبانية. لقد اكتشف المؤلف والمصور أن جميع الأدباء تقريباً كانوا ملتزمين إلى حدّ ما بقضية لا تتعلق بالأدب، وأنهم لا يستوعبون دورهم في المجتمع ما لم يتدخلوا بجوانب اجتماعية تتجاوز حدود الثقافة. فحتى أكثرهم بغضاً، السيد فيديا نايبول، تحدث بحماسة عن مبادراته العديدة من أجل الحيوانات... كما اتفقوا جميعاً بأنهم يعيشون على هامش المجتمع، بدرجات مختلفة، وبعيدون عن الكثير من القيم السائدة، ومناهضون لمظاهر أساسية على خط السلطة المتغلغل في الكثير من الأشياء التي لا نلاحظها. لهذه الأسباب، قرّر المؤلف والمصور تسمية هذه المجموعة ثورة نوبل. مع نجيب محقوظ أشار المؤلف والمصور في هذا الكتاب الى مواقف أثارت إعجابهما، بلقائهما الأديب نجيب محفوظ في أحاديثه الأخيرة مع أصدقائه في القاهرة، قبل وفاته، ومنها: “لم يعد في وسعي القراءة ولا الكتابة، لكن أصدقائي هم عيناي وأذناي وريشتي”. لقد حمل محفوظ مقاهي القاهرة ودوائرها الاجتماعية إلى العالم أجمع، وخاصة العالم الغربي الذي اكتشف الرواية العربية من خلال أعماله. بعمره الذي يناهز الخامسة والثمانين يعيش نجيب محفوظ مع آثار هجوم رجعي، أعمى وشبه أصم، ولكنه لا يزال يتردد على دوائره الاجتماعية في مقاه أخرى أكثر أماناً، ويعير أحلامه فيصطادها ليحولها إلى نصوص قصيرة؛ نوع جديد من الأدب. يقول محفوظ إن الرجعيين الذين لطالما كرهوه يخسرون المباراة. وبما أن الطعنة التي تعرّض لها قد أصابت وتريه الصوتيين بضرر دائم، لم تستمر نقاشاتهم لأكثر من ساعة متواصلة، واستغرقت منهما أياماً عديدة. لقد تعلّما بحسب قول شافي درساً عن الإنسانية من ممثّلي آسيا. فمن جهة الكاتب الياباني كينزابورو أوي الذي قرر منذ سنوات خلت أن يكرّس حياته لإبنه، المعوّق ذهنياً. وإن أول ما دفعه ليصبح كاتباً كان إدراكه العذاب الصامت الذي تعاني منه سمكة في الخطاف، لذا أصبح كاتباً ليشرح ذلك. إذ يشعر كينزابورو أوي اليوم أنه مختص في التعبير عن العذاب الإنساني. بروحه النقدية، ولطفه، وصدقه، يقص عليهما الياباني الحائز على نوبل، كيف تحول ابنه، المصاب بإعاقة شديدة، إلى بطل في كل أعماله الأدبية، والى درس مغزاه: إن البحث عن الطرائق الممكنة للتواصل يستحق العناء. ويقول: اكتشفت أنني لن أستطيع الكتابة إطلاقاً من الإشارة إلى ابني، وحوّلته الى أساس عملي. لقد وجدا في رواية “استيقظوا يا شباب الحقبة الجديدة” قصة العلاقة الصعبة بين أب وابنه، والتي تتضمن عنفاً ولحظات متعبة جداً، إضافة الى مشاهد مضيئة يشرق فيها الحب الأبوي المتبادل بقوة. هناك، أيضا، غاو كسينغجيان، أحد ضحايا الثورة الثقافية في الصين، الأمر الذي جعله ينسف أعماله كلها عدة مرات، استقبلهما في منفاه باريس. قبل حصوله على جائزة نوبل كان يكسب قوتاً متواضعاً بفضل عمله كرسام. مغامرة مع ماركيز أما المقابلة التي أثارت ضجة كبيرة وصلت أصداؤها إلى شبكات التلفاز مثل “الجزيرة” و”سي أن أن” وهي تلك التي أجريت مع الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز في قضيته المكسيكية. كان قد مضى على مؤلف “مائة عام من العزلة” أكثر من عشر سنوات من دون أن يتكلم مع أي صحفي، وقد اختارهما ليؤكد علناً انه قد توقف عن الكتابة. فكانت تحضيرات اللقاء أشبه بأفلام الجواسيس: جلّ ما عرفاه هو أنه يتوجب عليهما المبيت في فندق محدد في المكسيك وانهم سيتصلون بهما. ذاك الاتصال دام يومين ظلّلا خلالهما قريبين من الهاتف، عوّض عنه لقاء حار حضرته زوجته مرثيديس بارشا، وابنه غونثالو، وأبدى فيه غابو توقاً شديداً إلى معرفة تفاصيل حياة فائزين آخرين بجائزة نوبل. يتحدث المؤلف والمصور عن المكان الأصعب للوصول اليه أي نيجيريا، حيث لم يصدق رجال الشرطة في مطار لاغوس أنهما جاءا الى هذا البلد لإجراء مقابلة أدبية، في الوقت الذي كانت فيه ثلاث عصابات من أصول مختلفة تمارس نشاطها في مناطق متنوعة، فتمّ اختطاف العديد من الأجانب، وارتفعت مؤشرات الخطر لتتجاوز حدها المعهود. وجدا بانتظارهما حارسين شخصيين ارسلهما اليهم مضيفهما وول سوينكا الرجل الذي أضاف الكلمات إلى أحلام أفريقيا. من الصعب أن تقرأ كتبه في إسبانيا، إلا أن نتاجه في مجالات الكتابة كافة هو من الأعمال الأساسية في الأدب المعاصر. ففي بلاده ينتقد من دون خوف افتقادها إلى الديمقراطية الحقيقية، وتجارة النفط التي تثري الحكومة وأصدقاءها، والأزمة بين المتعصبين في أي دين كان. إنه قدوة شعبية، إذ يدعوه الكثيرون بمانديلا النيجيري. أما الرحلة الثانية إلى القارة السوداء فكانت من أجل رؤية الكرامة التي هزمت التمييز العنصري المناضلة نادين غورديمر. هي صغيرة الجسم وحازت على جائزة نوبل للآداب في العام 1991 ضد التمييز العنصري في بلادها، وانتصرت. تتذكر الكاتبة الذعر الذي شعرت به في تلك السنوات التي كانت تدافع فيها عن إنجازات الديمقراطية حديثة السن. أما الآن، فهي غارقة في كفاحها ضد انتشار مرض الإيدز في أفريقيا، وملتزمة بالكتابة كل صباح حول الواقع الذي يحيط بها. أرادت أن تعرض عليهما رمز افريقيا الجنوبية الديمقراطية الجديدة: فرع المحكمة الدستورية في بلدها، القائم في السجن القديم حيث كان صديقها نيلسون مانديلا مسجونا. يذكر المؤلف والمصور ان اكثر المقابلات تسلية هي تلك التي أجرياها مع داريو فو، الذي أمضيا بصحبته بضعة أيام في روما كانت ضرباً من الاحتفال الطريف والسياسي والثقافي. والسخرية هي أكثر الأسلحة فاعلية في وجه السلطة. كل عرض من عروضه مليء بالضحكات، والسخرية، والتهكم، وأصوات الجمهور. يستطيع الإبداع مباشرة، معتمداً على ما يراه ويسمعه، لأن المهرج الكبير الذي حاز على جائزة نوبل يثق بالمواطنين وبمشاركتهم. داريو فو إعصار مرادف لزوجته الممثلة، والعضو في مجلس الشيوخ فرانكا راما التي يربطه بها التزام حياتي، وفني، وسياسي عميق. البولندية المتقشفة اما الشاعرة ويسلاوا زيمبورسكا البولندية الحائزة على جائزة نوبل للآداب في العام 1996 فلا تحب الحديث عن السياسة، تكتب كما تعيش: بتقشّف، باحثة عن الكلمات اللازمة لقول ما يكفي. بُعدُ نظرها وقدرتها على تجاوز العصور يجعلانها مرجعاً لجيل الشباب. وهي بالإضافة الى غابو ودوريس ليسنغ الثلاثة الوحيدون ممن أجريا معهم مقابلة، من دون أن يتمكنا من إخراجهم الى الشارع. يقولان: لقد تغاضى التركي أورهان باموق الذي هددته في ذلك الوقت عصابات قومية تركية بالموت. لقد قال: لست مختبئاً، أنا أعيش في إسطنبول. تحوّل باموق الكاتب الذي استطاع أن يحمل القراء من شتى أنحاء العالم ليتجولوا في شوارع اسطنبول ويشعروا بروحها رغماً عن إرادته إلى رمز للحرية، فبعد تهديدات القوميين المتطرفين من الأتراك، يجد الدعم في الدعابة ليتابع إنتاج عالمه. يذكر المؤلف والمصور إن من النزهات الممتعة الأخرى، تلك التي أمضياها في برلين مع إيمرة كيرتيس، الذي لم يرغب باصطحاب زوجته ليريهما الآثار الهامة. اما التباين فكان خلال لقائهما مع غونثر غراس، الذي اعترف حديثاً بماضيه مع جهاز الشرطة السرية النازي، والذي رافقهما في مدينتين: في منزله الذي تحوّل الى متحف في لوبيك، ثم في مدريد بعد بضعة أسابيع. يقول: يجب أن نتكلم، حتى عن أكثر ما قد يصدم ونخرج كل شيء. إن الجدل الذي اثاره نشر مذكرات شبابه ترك أثره في نفس غونثر غراس، الحائز على جائزة نوبل في العام 1999. ينشر غونثر القصائد التي كتبها حين لم يدعه النقاد يموت، فيما يؤكد قراره بالحديث عن الماضي بكل صراحة. اما في تجوالهما مع البرتغالي خوسيه ساراماغو وزوجته بيلار ديل ريو في كل أماكن لشبونة المذكورة في رواياته، حيث رافقاه الى الأوبرا ونشاطات الحزب الشيوعي وعروض عدة. فهو يخصص أيامه هذه للترويج لروايته الأخيرة “اقطاعات الموت”، والتي تروي ما قد يحدث لو أن الموت توقف فجأة في بلد ما وعاش الناس إلى الأبد. فهو ايضاً يستخرج الف قصة من زوايا كل شارع وبلاطاته وروائحه. لم ينقصهم الا أربعة فائزين: ألفريد يلينيك الذي احتمى برهابه الاجتماعي المشخّص ليتهرّب من لقاء شخصي طويل يتضمن جلسة تصوير متعبة كتلك التي جعلت ساراماغو المنهك يصيح في لشبونة: سأطلق الرصاص على المصوّر، ودجيه أم دجي لو كليزيو، ودجيه أم كويتزي، الكارهان للصحافة ابداً، والإيرلندي شيموس هيني الذي كان يعاني من مشاكل صحية في الفترة التي كان في وسعهما خلالها زيارته. واخيراً، فمجلدهما يتضمن ديريك والكوت، بالرغم من أنه في اللحظة الأخيرة لم يستقبلهما في سانتا لوثيا بل في أوفييدو وبرشلونة. في الختام لقد اختار المؤلف والمصور مجموعة استثنائية شكّلها ستة عشر مؤلفاً حازوا على جائزة نوبل للآداب في نصوص تنعش القارئ من خلال عمل فيه وحدة متكاملة، ومن تناغم وتناسق ما تبوح به كلمات المؤلف شافي أيين وسحر عدسة المصور كيم مانريسا، الذين شكّلا كتاب “ثورة نوبل”. لم تحدّهما شروط ولم تقيّدهما قوانين، كانا في حركة دائمة، متغيّرة، متجددة، فاعلة، في مواكبتهم لهؤلاء الأشخاص، في مشاهدات حسّية وحالات وجدانية...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©