الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإصلاح العربي... ودروس ثورة الياسمين!

9 فبراير 2011 20:16
يقدم حدث التغيير في تونس نموذجاً صريحاً وواضحاً لما يمكن أن تتمخض عنه دولة الاستبداد. ومن الطبيعي جدّاً أن يقود انسداد الآفاق وتفاقم الاحتقانات السياسية التي تفضي إليها ممارسات وسلوكيات دول القمع إلى جعل المجتمع عرضة للحرب الأهلية، وبوتقة للصراعات الداخلية خاصة مع انعدام أفق الإصلاح، ومحاولة بعض رموز السلطة القديمة طرح الوعود على الناس بإحداث تحولات سياسية حقيقية. وهكذا لاحظنا في تونس الخضراء كيف أدت أعمال السلطات المتعاقبة المستبدة على مدار أكثر من خمسة عقود من الزمن -لم تبدأ مساوئ الحكم فقط منذ 23 سنة- إلى حدوث هذه الانتفاضة الشعبية العارمة، وخروج الناس من الطبقة الوسطى التي ينتمي إليها معظم الشباب العاطل عن العمل والباحث عن شغل وعمل وحرية وكرامة وطنية إلى الشارع بهدف الضغط على السلطة لإجبارها على تبني خياراته الاجتماعية والسياسية. وفي ظني أن هذه الهبّة الشعبية الهائلة قد فاجأت كثيرين حتى المثقفين، باعتبار أن تونس كانت بلداً مستقرّاً وهادئاً، وأن شعبها يعيش حالة من الاكتفاء الاقتصادي المقبول، وهذا هو الشيء الوحيد الذي كان يتباهى به نظام الحكم في تونس طيلة عقود أمام الدول الأخرى خاصة الغربية، من أن بلده مستقر ويعيش حالة رخاء وتنمية جيدة. ولكن تبين لاحقاً أن هذا الاستقرار الظاهري لم يكن أكثر من حجاب غير سميك كشف عن حقائق التهميش السياسي والاجتماعي، وأنه استقرار هش لا يقوم على قاعدة صلبة من تنمية اقتصادية حقيقية وسياسة اجتماعية ناجحة. وإذا ما أردنا أن ندخل إلى طبيعة محددات هذا النوع من النظم السياسية فإنه يمكننا تثبيت النقاط التالية: 1 - يحدث قطيعة شبه كاملة بين الدولة كظاهرة مهمتها بناء نظام سياسي وسلطة عادلة لخدمة الناس، وبين المجتمع كموضوع لعمل الدولة على مستوى التنمية والتطور والتقدم وتحقيق العدل والأمن والأمان، الأمر الذي حول الدولة التحديثية العربية إلى دولة خاصة بالنخبة السياسية الحاكمة. أي أنها باتت دولة منفصلة كليّاً عن المجتمع المهمش، والأمة المقصية والمستبعدة كليّاً عن ساحة الفعل والإبداع الحضاري. وهنا يصح القول إنها دولة ضد المجتمع وضد الأمة. والدليل على ذلك: انتشار مظاهر الفساد السياسي والاقتصادي الواسع في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية الحديثة نتيجة انسداد الآفاق، ونفاد الطاقات، وتعاظم المشاكل، واشتداد التوترات، واستعار الانتفاضات، وضعف إمكانيات التقدم والتراكم الأمر الذي أدى إلى استمرار وبقاء الأزمة، وتنامي آلية العنف والعنف المضاد التي تنشأ -إذا ما تتبعنا منابعها الحقيقية- من انسداد النظام السياسي القائم. 2 - عجز الدولة العربية الحديثة عن إقامة علاقات قانونية متوازنة. وقد قاد النزوع السلطوي لبعض النخب الحاكمة إلى تزايد الرغبة الشعبية في إصلاح النظام القائم (كما حدث في تونس مؤخراً) بعد أن يتلاشى كليّاً الأمل في إصلاحه، أو العمل على إيجاد حلول ناجعة لأزماته من داخله، وإجراء بعض الإصلاحات الاجتماعية والسياسية. 3 - حدوث مزيد من الانكسارات والهزائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفساد التخطيط السياسي العام والخاص، وعقم الممارسة السياسية العملية، وسوء استخدام العمل الإداري اليومي. وبناء حداثة غير عقلانية مستهلكة، وغير قادرة على النمو أو الإنتاج. أي بناء حداثة هشة وقشرية ورثة كما أسماها برهان غليون ذات مرة بـ"الحداثة المغدورة". 4 - نزع السياسة من المجتمع باعتبارها فاعلية اجتماعية ومجتمعية حرة، ومجالاً عموميّاً للمجتمع، وهي أحد أرقى الأشكال التنظيمية لوحدة المجتمع، الأمر الذي أدى إلى تغييب قسري كامل لدور المجتمع وجماهير الأمة الواسعة في عملية المشاركة السلمية في السلطة. 5 - تحميل الشعب كامل المسؤولية عن أي فشل سياسي وتنموي حدث، أو قد يحدث، في المجتمع على رغم تقييده وتغييبه عن ساحة القرار أساساً. 6 - ضمان أمن بعض النخب السياسية بأي أسلوب كان، والحفاظ على استقرارها وثباتها في مراكزها ومناصبها العليا، حيث قد تعمد هذه النخب -لكي تضمن بقاءها واستمرار نموذجها السلبي- إلى شن حروب أهلية كامنة، بل وحروب أهلية صريحة، ضد مواطنيها بواسطة أجهزة العنف والعسف المتعددة. 7 - مواجهة أي تغيير سياسي أو ثقافي يمكن أن يفكر فيه أبناء الأمة ونخبتها المفكرة بالقوة. إن الفشل الحقيقي بالنسبة للدول هو عندما تفشل في كسب ثقة مواطنيها، ومد جسور التعاون معهم، والعمل المستمر على تحقيق مصالحهم وطموحاتهم وتطلعاتهم من خلال اعتماد مشروع استنهاض سياسي واجتماعي يعبر عن آمالهم وعن رغبتهم في العيش بسلام وأمن وراحة ورفاه اقتصادي، بما يدفعهم ويحفزهم باستمرار للمشاركة الشاملة في عملية التنمية الفردية والجماعية.. إن عدم تحقيق كل تلك الآمال الكبرى يعيد إنتاج حالات مثل حالة تونس، وعندئذ تطفو على السطح ظاهرة الاحتقان السياسي والاجتماعي. والسؤال الآن: أليس من الأفضل تنظيم وبناء كل تلك المواهب والطاقات البشرية المبددة والمشتتة والمضيعة عند أبناء مجتمعاتنا في أسواق البطالة والعطالة والسقوط في أحضان الأيديولوجيات العدمية والظلامية.. أليس من الضروري تنظيمها في سياق عقد سياسي إنساني ديمقراطي يمنح الجميع فرص وحرية التعبير عن معتقداتهم وآرائهم وأفكارهم وطموحاتهم في ساحة الحياة ليتنفسوا الهواء النظيف.. أليس من الأجدى أن نعمل بداية على إصلاح دواخلنا من عناصر التخلف، وبناء المجتمع الذي تسوده قوانين موضوعية تطبق على الجميع. مجتمع يرتكز على العقل والمنطق والعلم في إدارته ومؤسساته المدنية.. مجتمع يكف مثقفوه وأبناؤه عن البحث عن مثال وحيد للحرية والعمل السياسي والاجتماعي، يصلح للتعميم على الأمم كلها.. مجتمع يسعى إلى أن نقتنع عمليّاً بفكرة الحوار والتسامح. نبيل علي صالح كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©