السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كلام إعادة التدويـر

كلام إعادة التدويـر
21 سبتمبر 2007 02:57
يُنظر إلى الأفعال الغريبة على أنها غريبة، لندرة وجودها، ولتميزها فنياً عن السائد والمستقر من الأفعال غير الغريبة، ودائماً ما تُؤخذ نحو التمثيل بجثتها في النكتة، وفي الاتكاء عليها كنموذج سلبي، يجب الابتعاد عنه؛ لأنها بشكل ما تشبه الفضيحة، لكننا نستمتع بسماعها، ويأسرنا الفضول بالتفكير في الكيفية التي تجعل من فاعلها مُنتجاً لها· وبتفحص بسيط سنجد أن لها نظاماً يُعتد به؛ لأنها استكمال ضروري لما يُطلق عليه السَويّ، والمعتدل، ليس لأنهما طرفا نقيض لمعادلة ما، بل لأنهما حيوات مختلفة، وغنية بما هي عليه· ففوضى الملابس في الدولاب، تصارع المغالاة في ترتيب الملابس كأنها خيالات مُهندَسة، وما بين هذا وذاك تنعم الحياة بالاستمرار من دون كثير التفات· كان لنا جار يسكن الدور الأرضي، لا يترك زوجته تقوم بغسيل ملابسه، يغسلها بنفسه ويعلقها على حبل الغسيل في الذروة الملتهبة للشمس، ويظل واقفاً بمَنَشَّةٍ يهش بها الذباب حتى تجف ملابسه، يمكننا بالتأكيد الوصول لأكثر من افتراض لمعرفة السبب الذي كان يدفعه لذلك، أنا سأفترض أنه لا يريد للذباب أن يجعل من ملابسه مرحاضاً، فروث الذباب غير المرئي بالكاد، يمكنه أن يشكل عذاباً له· والطفل الذي رفض أبواه شراء قطار لعبة له، هددهم بإطفاء نور البيت، وبالفعل نفذ تهديده، وأطفأ النور بإغماض عينيه، إنه هنا يدلنا على المعنى الحقيقي للنور، حيث إن العينين هما الأداة الفاعلة في وجوده من عدمه، ويؤكد أن كلمات مثل النظر بالبصيرة عن طريق القلب أو غيره، ليست إلا توابع للأصل المادي لرؤية الضوء من عدمه· والرجل الذي لا يستطيع أن ينام إلا وتحت سريره طبق فاكهة طازج، إنه سلوك محير، قد لا نستطيع بالفعل تفسيره، ولا تأويله، إلا بردِّه لنعمة الإحساس بالجَمال، وعلينا أن نتعامى عن الوصول إلى أي نتيجة مُمنطقة حسب العرف الاجتماعي السائد· والطفلة التي لا تسمع كلام أمها على الإطلاق، وبسؤالها عن سبب العناد ذاك، تقول لأنها تحب شكل أمها أكثر وهي تصرخ، وكيف يكون شكل أمك وهي تصرخ، فتقوم بنعكشة شعرها، وترفع يديها لأعلى، قائلة: أنا شبح، أنا عفريت، وقد يكون هنا تفسير منظم إلى حد ما، برد فعل الطفلة على قسوة أمها مثلاً، لكننا لا نستطيع الإنكار أن للذة كينونة خاصة بها؛ لأن أم تلك الطفلة تعاملها بود، إن الطفلة مُتَحصلة على قدر من الحرية للتلذذ بلغتها الخاصة، ونحن لا يمكننا فهم ذلك بإحالته على ضرورة تأديبها، بينما الأصح أن ننعكش شعرنا معها ونتحول إلى مسوخ· والسيدة التي تُرقِّم مشابكها من الـ''''1 حتى الـ''''60 مثلاً، وتنشر غسيلها مرقماً بترتيب عددي، والرجل الذي يبحث عن ثقب في المرآة حتى يصل إلى صورته، وقد قام بثقبها فعلاً، وعندما ذهب خلفها اعتقد أنه هو صورته، وهكذا تحول إلى نترات الفضة· إن هذا النوع من الأفعال يعيد تدوير الحياة إلى أصلها الحيوي، خالقاً شبكة معقدة من التصورات المثالية عن بداية الكون، وبالتأكيد أن العلوم الاجتماعية خلقت مسارات توصيفية للسلوك البشري وغير البشري، مَوْضَعت من خلالها تفسير كل شيء وَرَدِّه إلى تسمية ما، إلا أن السيادة التي تقودنا إلى هذا الحتف المُلْغِز لتلك الأفعال، تجبرنا على النظر إليها باعتبارها المُغَذِّي الرئيسي للفرح بالوجود·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©