السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حقوق الفرد ومصلحة العامة

21 سبتمبر 2007 02:52
لا يجوز نزع ملكية الفرد وسلبه حقه إذا لم تكن للجماعة مصلحة واضحة، فالموظف مثلاً يخدم الجماعة، ولو ثبت عدم صلاحيته لممارسة عمله عُزل، والله سبحانه وتعالى يقول: ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم···) (النساء:5)، وإذا مات الموظف دون وارث عاد ما تركه للجماعة، لأنها صاحبة الحق الأصلي، والإمام وريث من لا وريث له، لأنه رمز الجماعة· ويقول الإمام مالك: إذا أنشئت الملكية بإحياء الأرض ثم قصَّر المالك أو ورثته نزعت منه أو منهم، وعند غيره من الفقهاء يُلزمهم ولي الأمر بالإحياء· الشريعة الإسلامية أول نظام قانوني معروف وضع حدوداً لاستعمال الحقوق الفردية، فهي تمنع الإضرار بالغير، وتقيّد من سلطة صاحب الحق، وتنهى عن التعسف، وعندما عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم قضية ضد سيدنا سمرة بن جندب رضي الله عنه لأن نخله آذى جاره بامتداده إلى بستانه أمر بقلع النخل، وذكر الإمام المتقي صاحب ''كنز العمال'' أنه لما أراد الضحاك أن يشق خليجاً يمر في أرض محمد بن مسلمة ورفض صاحب الأرض قال سيدنا عمر له: لِمَ تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع وهو لا يضرك؟ وأمره بإجازة ذلك، مبيناً له بحكمه هذا منعَ ضرر الغير ولزومَ نفع الغير إن لم يكن ثمة ضرر للمالك· فلا ضرر ولا ضرار، وأقل المفسدتين ترتكب، ومصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد· والمذهبان الحنفي والمالكي فرضا على استعمال الحقوق الفردية بصفة عامة قيوداً مذكورة في كتبهم الفقهية، فلا يجوز استعمال الحق إلا لتحقيق الغرض الذي وجد من أجله، كما ذكره صاحب ''المدونة الكبرى'' في المذهب المالكي أثناء عرضه لمسائل الأحوال الشخصية، وذكره أبو يوسف من الحنفية في كتابه ''الخراج'' أثناء عرضه لشؤون الوكالة· ومن القيود اعتبار استعمال الحق غير مشروع إذا تولّد عنه ضرر غير عادي، وطبّق ذلك الإمام مالك في تنظيمه لعلاقات الجوار وفتح المطلات وقسمة الأموال المشاعة وتملك الأراضي الموات، وحكم أنه إذا ترتب على استعمال الحق ضرر غير عادي وجب منع صاحبه من استعماله· وطبّق نفس المبدأ الإمام أبو حنيفة في تنظيمه لحقوق وواجبات ملاك الدار ذات الطبقات، وكذلك في حده لحق الوكيل في الدعوى والتنازل عن الوكالة عند غياب الموكل وحق صاحب العمل في فسخ عقد العمل، ومن القيود عدم إساغة استعمال الحق إلا للحصول على منفعة وليس للإضرار بالغير، فالفرد له حدود في إحياء الأراضي الموات، وكذلك السلطات إذا كان في ذلك ضرر بالغير· ومنه نعلم أن الحق عند المالكية والحنفية غاية يسعى إليها إلا إذا انحرف صاحبه عنها واستعمله للإضرار بغيره، وإلا جرد صاحب الحق· ولم يوافق ذلك الإمام الشافعي، فالحقوق عنده- كما ذكر في كتابه ''الأم''- مطلقة، ولصاحبها أن يستعملها كما يشاء حتى ولو لم يكن له نفع في ذلك أو حتى لو ترتب ضرر للغير، ولكنه- رحمه الله- اضطر أمام بعض أحكام القران والعادات المستقرة أن يخرج عن ذلك الإطلاق، أما تلامذته فقد سلكوا مسلك الحنفية والمالكية، فالإمام الغزالي مثلاً بحث في كتابه ''إحياء علوم الدين'' عن الزواج والطلاق والتعاقد والجوار على ضوء الغرض الاجتماعي منها، والحنابلة نحوا منحى الحنفية والمالكية، وكان لابن القيم- كما في كتابه: ''إعلام الموقعين''- دور فاعل في إرساء ذلك عند المتأخرين وناهض من يقول: إن الحقوق مطلقة لما يؤديه ذلك من ظلم وتفويت للعدالة، واستقر الأمر- كما ذكر الإمام ابن عابدين في ''حاشية رد المحتار على الدر المختار'' و''تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق'' أنه يجب استعمال الحق بحسب الغرض منه، وأن صاحب الحق يعتبر متعسفاً لو قصد بعمله الإضرار بغيره، أو لم يترتب على عمله نفع، أو نتج عن ذلك ضرر عام للمجتمع بالاحتكار مثلا، ومن أحب الاستزادة فليرجع إلى القانون المدني العثماني والمعروف بـ''مجلة الأحكام العدلية''· فقيه ومفكر سعودي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©