الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشّرَك

الشّرَك
21 سبتمبر 2007 22:06
زعموا أنه كان بأرض سكاوندجين، عند مدينة داهر، مكان كثير الصيد، ينتابه الصيادون؛ وكان في ذلك المكان شجرة كثيرة الأغصان ملتفة الورق فيها وكر غراب· فبينما هو ذات يوم ساقط في وكره إذ أبصر صيادا قبيح المنظر، سيئ الخلق، على عاتقه شبكة، وفي يده عصا، مقبلاً نحو الشجرة، فذعر منه الغراب؛ وقال: لقد ساق هذا الرجل إلى هذا المكان: إما حيني وإما حين غيري· فلأثبتن مكاني حتى أنظر ماذا يصنع· ثم إن الصياد نصب شبكته، ونثر عليها الحب، وكمن قريبا منها، فلم يلبث إلا قليلا، حتى مرت به حمامة يقال لها المطوقة، وكانت سيدة الحمام ومعها حمام كثير؛ فعميت هي وصواحبها عن الشرك، فوقعن على الحبِّ يلتقطنه فعلقن في الشبكة كلهن؛ وأقبل الصياد فرحاً مسروراً· فجعلت كل حمامة تضطرب في حبائلها وتلتمس الخلاص لنفسها· قالت المطوقة: لا تخاذلنا في المعالجة ولا تكن نفس إحداكن أهم إليها من نفس صاحبتها؛ ولكن نتعاون جميعاً فنقلع الشبكة فينجو بعضنا ببعض؛ فقلعن الشبكة جميعهن بتعاونهن، وعلون في الجو؛ ولم يقطع الصياد رجاءه منهن وظن أنهن لا يجاوزن إلا قريباً ويقعن· فقال الغراب: لأتبعهن وأنظر ما يكون منهن· فالتفتت المطوقة فرأت الصياد يتبعهن· فقالت للحمام: هذا الصياد مجد في طلبكن، فإن نحن أخذنا في الفضاء لم يخف عليه أمرنا ولم يزل يتبعنا وإن نحن توجهنا إلى العمران خفي عليه أمرنا، وانصرف· وبمكان كذا جرذ هو لي أخ؛ فلو انتهينا إليه قطع عنا هذا الشرك· ففعلن ذلك· وأيس الصياد منهن وانصرف· وتبعهن الغراب· فلما انتهت الحمامة المطوقة إلى الجرذ، أمرت الحمام أن يسقطن، فوقعن؛ وكان للجرذ مائة جحر للمخاوف فنادته المطوقة باسمه، وكان اسمه زيرك، فأجابها الجرذ من جحره: من أنت؟ قالت: أنا المطوقة· فأقبل إليها الجرذ يسعى، فقال لها: ما أوقعك في هذه الورطة؟ قالت له: ألم تعلم أنه ليس من الخير والشر شيء إلا هو مقدر على من تصيبه المقادير، وهي التي أوقعتني في هذه الورطة؛ فقد لا يمتنع من القدر من هو أقوى مني وأعظم أمراً؛ وقد تنكسف الشمس والقمر إذا قضي ذلك عليهما· ثم إن الجرذ أخذ في قرض العقد الذي فيه المطوقة· فقالت له المطوقة: ابدأ بقطع عقد سائر الحمام، وبعد ذلك أقبل على عقدي؛ وأعادت ذلك عليه مراراً، وهو لا يلتفت إلى قولها، فلما أكثرت عليه القول وكررت، قال لها: لقد كررت القول عليّ كأنك ليس لك في نفسك حاجة، ولا لك عليها شفقة، ولا ترعين لها حقاً· قالت: إني أخاف، إن أنت بدأت بقطع عقدي أن تمل وتكسل عن قطع ما بقي؛ وعرفت أنك إن بدأت بهن قبلي، وكنت أنا الأخيرة لم ترضَ وإن أدركك الفتور أن أبقى في الشرك· قال الجرذ: هذا مما يزيد الرغبة والمودة فيك· ثم إن الجرذ أخذ في قرض الشبكة حتى فرغ منها، فانطلقت المطوقة وحمامها معها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©